المرأة الفلسطينية.. حكاية مختلفة ومعاناة متجددة

بقلم: عامر أبو شباب

اهتمامات المرأة في غالبية أنحاء العالم مشتركة، تصعد وتهبط على الصعيد القيمي ارتباطا بالاقتصاد وثقافة المجتمع والقوانين ومدى القدرة على تنفيذها. حياة تنتقل من الطفولة إلى التعليم إلى بناء الأسرة وتحقيق الطموحات المهنية.

 

المرأة الفلسطينية قد تكون انشغالاتها مماثلة لكل نساء الدنيا أو ما يمكن أن يُسمى الدور الطبيعي أو التقليدي. كما قد تختار نساء أخريات اقتحام سوق العمل من بيع النعناع والبقدونس الى إدارة كبرى شركات القطاع الخاص أو عضوية أعلى إطار في منظمة التحرير الفلسطينية… لكن، هناك صور أخرى تزيد أعباء المرأة في فلسطين.

 

أصعب الصور تتمثل في فقدان الأحبة من خلال ما يقوم به الاحتلال بقتل الفلسطينيين، لتتحول المرأة الى أرملة أو أم لأيتام. في هذه الحالة، لا يمكن للأم المكلومة أن تكون بذاكرة قصيرة أبدا، إذ يصاحبها الحزن وكثير من الأعباء الجديدة نتيجة فقدان الشريك أو المعيل. وهنا، لابد أن نتذكر عشرات آلاف الشهداء الذين يرحلون تاركين خلفهم حزنا ومعاناة.

 

صورة ثانية خلال الأشهر الماضية، مثلت تعبيرا مكثفا عن معاناة دائمة، حيث جرحت قوات الاحتلال في قطاع غزة نحو 22 ألف شابا وطفلا في مواجهات غير متكافئة وإصابات بنية القتل. خلال جولة في المشافي، لا ترى إلا عناية السيدات بالمصابين من أبناء أو أشقاء أو أزواج، فلا يمكن أن يداوي الجراح إلا حنان أيدي خلقت من الرحمة.

 

الصورة الثالثة أكثر ايلاما في مشهد المعتقلات من النساء في سجون الاحتلال في ظروف اعتقال وحشية، وليس آخرها مشهد اعتقال الشابة عهد التميمي التي شهدت تعاطفا عالميا معها. وكي لا نخرج من نطاق هذه الصوة، لا ننسى معاناة أسر وعائلات سبعة آلاف أسير فلسطيني، بينهم مئات الأطفال. وهنا أيضا، تتحمل الزوجة – الأم المسؤولية كاملة في غياب الأب. ولا يمكن أن يفارق الأسير عيون أمه بانتظار ساعة اللقاء في زيارات سريعة ومتعبة تفتقد لمعاني الإنسانية، أو في انتظار الإفراج… لا أنسى تلك السيدة التي توفيت وهي تنتظر ابنها، وهو مشهد فائق الحزن يتكرر مع عمداء الأسرى وأصحاب الأحكام الطويلة.

 

صورة رابعة تتمثل في هدم الاحتلال منازل الفلسطينيين، خاصة في القدس حيث تفرض السلطات الإسرائيلية عليهم هدم منازلهم بأيدهم بدلا من تحميلهم تكلفة الهدم الباهظة، فيكون البلاء مضاعفا… وليس أصعب على المرأة من أن تفقد بيتها، بما يحمله ذلك البيت من مشاعر إنسانية وذكريات وصور.

 

ارتفاع معدلات البطالة، خاصة في قطاع غزة الى أعلى معدلات عالمية بنسبة 70% بين الشباب وقرابة 90% بين الفتيات، حيث يتخرج من جامعات قطاع غزة 21 ألف خريج جامعي مناصفة بين الجنسين، وكلاهما يكابد البطالة. لكن الشابات أكثر  معاناة أمام هذا الوباء القاتل للمستقبل والحرية. في الضفة الغربية، تصل معدلات البطالة بين الإناث ضعف الذكور.

 

صور مجتمعية خلفتها ثقافة متخلفة تتمثل في حرمان المرأة من حقوق الميراث في العائلات الممتدة، فضلا عن تفضيل الرجل في كثير من الوظائف وفق إحصائيات محلية، كما فرضت الأوضاع الاقتصادية المتردية جدا في قطاع غزة ارتفاع معدلات الطلاق إلى حدود غير مسبوقة، بالإضافة الى العنف الجسدي واللفظي في ظواهر جديدة على المجتمع الفلسطيني المحافظ والمهموم بقضيته الوطنية.

 

في أرقام مهمة ولافتة حسب جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، تبلغ النساء نصف المجتمع بمعدل 103 ذكر مقابل كل 100 أنثى؛ وترأس المرأة 10% من الأسر الفلسطينية. كما تشير الإحصائيات إلى أن خمس الإناث في فلسطين تزوجن مبكراً، في سن أقل من 18 سنة، لكنها ظاهرة تسير نحو الانحسار.

 

تواصل النساء التقدم في مجال معرفة القراءة والكتابة بفارق بسيط لصالح الذكور، حيث بلغ معدل معرفة القراءة والكتابة لدى الإناث 95.6%، مقابل 98.6% للذكور خلال عام 2017. وعن العمل في القطاع العام المدني، تعمل قرابة 43% سيدة مقابل 57% من الرجال، وتحوز المرأة 11 من المناصب الادارية العليا فوق مدير عام.

 

المرأة الفلسطينية سبقت نظيراتها العراقية والسوية واللبنانية واليمنية في معاناة الحروب، وشكلت في الحالة الفلسطينية نموذجا، رغم المعوقات التي يعد أبرزها الاحتلال ثم التقاليد والعادات والهشاشة الاقتصادية وضعف سريان القانون.

 

بقلم: عامر أبو شباب