صفقة القرن وقطار التطبيع

بقلم: وسيم وني

عندما دنس وزير الدفاع في كيان العدو الصهيوني موشي دايان مدينة القدس مبتهجاً ورُفع العلم الإسرائيلي حينها على قبة الصخرة و بعد نكسة يونيو/ حزيران 1967 كان العدو الإسرائيلي لا يزال بحاجة إلى "صفقة القرن" التي رفضها عبد الناصر عام 1955 وقبلها آخرون، ووصلت الآن إلى المطبعين مع تغير الظروف والشروط والملابسات.

قال موشي دايان آنذاك منتشيا بنصر لم يكن منتظرا بهذه السرعة والسهولة "لقد أعدنا توحيد المدينة المقدسة، وعدنا إلى أكثر أماكننا قدسية، عدنا ولن نبرحها أبدا"، معتبرا أن الهزيمة العسكرية الساحقة ستخضع العرب والفلسطينيين للمطالب الإسرائيلية.

وتعود الكيان الإسرائيلي منذ اغتصاب فلسطين عام 1948 وبعد زرعه في منطقتنا العربية أن يكون السلاح وإرهاب كيانه المنظم كأداة لفرض أمر واقع على العرب والفلسطينيين بمساعدة بريطانية وأميركية، خصوصا وكانت الضغوط الأساسية باتجاه قبولها بالمنطقة وإقامة "صفقة سلام" مع العرب بشكل شامل أو منفرد كما نرى اليوم من قرع لطبول التطبيع في بعض العواصم العربية .

وحسب التصور الإسرائيلي الأميريكي لمشروع السلام الجديد في منطقة الشرق الأوسط ألا وهو " صفقة القرن " والذي وضع اللمسات الأولى لها مستشار الأمن القومي للعدو الإسرائيلي " جيورا إيلاند " عام 2008 وقام بنشرها حينها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ، ومنذ ذلك التاريخ بدأت مطابخ السياسية الإسرائيلية والأميريكية تتداوالها ليعززها رأس الهرم في كيان العدو الإسرائيلي رئيس الوزراء " نتنياهو" وحاول ترويجها في عهد الرئيس أوباما ولكنها لم تلقى رواجاً حينها لا من الدول العربية ولا حتى من الإدارة الأميريكية السابقة .

ولكن بعد الخراب العربي الذي حل بمنطقتنا العربية ونشر الإرهاب في دولنا والإعتداءات المتكررة على سوريا من قبل الشيطان الإسرائيلي ، وحرب اليمن وتدمير العراق وليبيا ، هنا أصبحت الأجواء ملائمة لصفقة القرن كون بعض الأنظمة باتت وبشكل علني هي من تسوق لهذه الصفقة إرضاء للولايات المتحدة وذهبت إلى أبعد من ذلك إلى تطبيع العلاقات وتبادل الزيارات وطبعا كل ذلك يصُب في مصلحة العدو الإسرائيلي وضد شعبنا الفلسطيني وقضيته .

إن من أهم عوامل نجاح هذه الصفقة هي صعود الرئيس ترامب إلى سدة الحكم وهو الذي تبنى في حملته الإنتخابية قبل فوزه بالإنتخابات ووصوله إلى البيت الأبيض " صفقة القرن " هذا الرئيس الذي يوالي اليمين المتطرف الأميريكي الداعم للعدو الإسرائيلي والذي على الملئ يدعم هذه الصفقة اللعينة ، ولعل التحدي الأكبر أمام من يروج لهذه الصفقة هي عامل الوقت بالنسبة إلى نتنياهو الذي يدرك تماماً أن الرئيس الأميريكي ترامب هو القادر على فرضها في ظل الواقع العربي المتردي والهزيل وهو ما يسابق نتنياهو له قبل مغادرة الرئيس ترامب للبيت الأبيض بعد عامين من إنتهاء ولايته الرئاسية .

إن أهم مضمون لصفقة القرن ألا وهو مبادلة الأراضي العربية بين أصحابها الأساسيين و قطعان المستوطنين وحسب آخر تسريب تم تعديل الصفقة بتوسيع غزة على حساب سيناء المصرية والخطة تقضي بمضاعفة مساحة غزة إلى ثلاث أضعاف من خلال ضم 600 كم مربع من سيناء إلى قطاع غزة ، وعندها سيكون للمدينة شاطئ على البحر المتوسط بمساحة 65 كم وهذا يسمح يالتوسع السكاني في غزة بالإضافة إلى إنشاء ميناء بحري ومطار دولي ومحطة تحلية للمياهوكل ذلك ينعش إقتصاد غزة ( طبعاً حسب الرواية للعدو الصهيوني التي لا تنطلي على عاقل والتي من شأنها شق الصف الفلسطيني وابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية والسيطرة على مدينة القدس وإلغاء حق العودة للاجئين) وبالمقابل فالعدو الإسرائيلي سيمنح مصر 600كم من صحراء النقب أما بالنسبة لباقي الأراضي العربية سيغتصب الكيان حوالي 18 % من الأراضي الفلسطينية والتي يعتقد العدو الإسرائيلي أنها ضرورية له وخصوصاً الأماكن الدينية ويعطي ما تبقى للأردن ليصطدم بعائق لا يمكن للفلسطينيين والعرب والمسلمين التفريط فيه ألا وهو مدينة القدس والتي لا يمكن التنازل عن شبر منها .

وأخيراً يبدو أن بعضاً من الدول العربية يهرول لتنفيذ الخطة الأميركية للسلام «صفقة القرن» ويظهر ذلك جلياً بتوجيه دعوات لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي نتياهو لزيارة تلك العواصم العربية إرضاءً للولايات المتحدة الأميريكية وإبداء الموافقة العلنية لتمرير هذه الصفقة والتي يرفضها شعبنا الفلسطيني بكل مكوناته فلا أحد يستطيع التنازل عن القدس أو التفريط بحق العودة للاجئين الفلسطينيين .

و المطلوب الآن هو الصمود والثبات على الحقوق، وعدم التنازل عن أي جزء من فلسطين مهما كانت الضغوط والأثمان، والسعي لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أساس الوحدة الفلسطينية وإنهاء الإنقسام والوقوف صفاً واحداً بوجهها ، فشعبنا الفلسطيني صاحب الحق والأرض ولن يستطيع الصهاينة والأميركان فرض إرادتهم عليه؛ فهذا الشعب الذي تمكن من إفشال المئات من المخططات الشيطانية ضده على مدى السبعين سنة الماضية فهو قادر على إفشال هذه الصفقة ومن يدعمها حتى لو قطار التطبيع انطلق فشعبنا الفلسطيني والعربي قادر على نزع حقوقه انتزاعاً .

بقلم/ د. وسيم وني