لم يطل الأمر كثيراً هذه المرة، حتى انفجرت الخلافات وتصاعدت الاتهامات والحملات الإعلامية بين طرفي المعادلة الفلسطينية التي يمسك الانقسام بخناق حساباتها.
وحتى انفجارها لا يمكن التأكد مما إذا كان ثمة ورقة مصرية جديدة تحدثت عنها «حماس» ونفت وجودها حركة فتح، كما أن التسريبات الإعلامية عن مصادر مجهولة غالباً، لم تتضمن إحاطة مؤكدة حول طبيعة الأفكار التي تم تداولها لإنجاز المصالحة.
حماس التي أعلنت موافقتها على ما تعتبره ورقة مصرية، كانت قد أصرّت على تنفيذ اتفاق القاهرة 2011، بينما تصر حركة فتح على تنفيذ اتفاق 2017، وثمة فارق بين هذا وذاك.
زيارة واحدة لكل من وفدي حماس وفتح للقاهرة، ولقاءات لكل منهما مع الفريق المصري المكلف متابعة ملف إنهاء الانقسام كانت كافية لإعادة الأمور إلى الصفر.
لا تنفع كل المواقف المتفائلة في أن تستحضر قوة العوامل الدافعة والتي تتمثل بالمخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية، لكي تحدث اختراقاً في جدار الانقسام العميق.
قالها من ضمن ما قال رئيس وفد حركة فتح وعضو اللجنتين المركزية والتنفيذية للمنظمة، إن فتح لا تثق بحركة حماس.
أزمة الثقة موجودة وعميقة، وتزداد عمقاً بين الحركتين ولا سبيل لإنكار تأثيراتها على رؤى الطرفين، فيما لم تنجح كل المحاولات في إلزام الحركتين بالتقدم نحو إجراءات ثقة تؤسس وتساهم في خلق مناخات إيجابية تحضيراً لتنفيذ أي اتفاق.
على أن المشكلة الأساسية التي تحول دون تنفيذ أي اتفاق بين الطرفين تعود إلى تضارب شديد في حسابات الربح والخسارة، لو حاولنا أن نضع على الطاولة، القضايا التي تطالب بها حماس وتسعى لتحقيقها، وتلك التي تطالب بها حركة فتح وتسعى لتحقيقها، وماهية الثمن الذي يترتب على كل طرف أن يدفعه على طاولة الحوار، وتنفيذ الاتفاق أي اتفاق، فإننا سنعثر على السبب الرئيسي وليس كل الأسباب بطبيعة الحال.
بماذا تطالب حركة حماس؟
تطالب حماس وتسعى من خلال تنفيذ أي اتفاق، بأن تتكفل الحكومة بدفع رواتب موظفيها، ودمجهم في النظام العام، وتطالب بحكومة وحدة وطنية من الفصائل، وهي بالتأكيد تتطلع لأن تكون حصتها من المناصب موازية لحصة فتح، وفي أحسن الأحوال أقل منها بقليل.
وتطالب حماس وتسعى من أجل بقاء والمحافظة على عناصر قوتها المتمثلة بالمقاومة بقضّها وقضيضها، وشراكة في الأجهزة الأمنية، فضلاً عن تفعيل المجلس التشريعي الذي تسيطر على أغلبيته.
كما تطالب حماس بشراكة في منظمة التحرير الفلسطينية بحصة كبيرة، إلى أن تجري انتخابات للمجلس الوطني، فيما الكل يعرف أن مثل هذه الانتخابات تواجه صعوبات جمّة، تعيد الأمور إلى التوافق.
بالتأكيد ترفض حماس أن تتنازل عن حصة في مؤسسات المنظمة تجعل سيطرة القرار بيد حركة فتح، وهي تطالب، أيضاً، بأن تحظى بشرعية المشاركة في المؤسسة الوطنية، بما في ذلك في الضفة الغربية.
مقابل ذلك تعطي حماس الحكومة فرصة لمزاولة أعمالها في غزة كما في الضفة، مع أننا غير متأكدين ما إذا كانت ستسلم الجباية الداخلية، وملف سلطة الأراضي الشائك جداً، لكنها ستظل تحتفظ لنفسها بالفيتو الذي يفرضه وجودها القوي على الأرض في غزة.
ماذا تريد حركة فتح؟
حركة فتح حتى الآن تطالب بتمكين الحكومة بشكل كامل يوفر لها القدرة على العمل، تماماً كما هو الحال في الضفة، وتطالب بقانون واحد، وسلطة واحدة وسلاح شرعي واحد. حتى الآن يجري تحييد المقاومة وسلاحها، وهذه تحتاج إلى معالجة خاصة، وليس صحيحاً أن فتح تطالب بتسليم المقاومة سلاحها، وحل التشكيلات العسكرية.
وفق هذه المعادلة تكون حركة حماس هي الرابح الأكبر، ومن وجهة نظر فتح، ستفوز بمكافأة على انقلابها على السلطة عام 2007.
والمفروض أن فتح تعطي وفق الاتفاقيات، كل ما يرد في قائمة طلبات حماس، والتنازل عن سلطة القرار وقرار السلطة في المؤسسة الفلسطينية. واضح أن إجراء هذا الحساب، يتضارب مع ما يعتقد كل طرف أنه صاحب الحق. عدا عن ذلك، فإن الآلية التي جرى اعتمادها في الحوار لا يمكن أن تحقق النتائج المطلوبة. إن الحوار غير المباشر ومن خلال الحمام الزاجل لا يوفر فرصة للحوار والإقناع وتقديم الحلول، وبالإمكان أن يتواصل مثل هذا الحوار سنوات، وفي كل مرة يسجل كل طرف ملاحظات وتعديلات على رؤية الطرف الآخر، يضاف إلى عدم نجاعة آليات الحوار التي لا توفر فرصة حقيقية للحوار. إن هذا الحوار ظل بعيداً عن مشاركة القوى، وفصائل العمل الوطني الفاعلة وغير الفاعلة.
إن الإنجاز الوحيد الذي تحقق وهو اتفاق 2011، قد كان نتاج جلسات الحوار الوطني الجامع، ولذلك فإن تجاهل هذه الحقيقة وهذه الآلية، يجعل كل القضية معلقة بحسابات الطرفين الأساسيين فتح وحماس، ولا يترك للآخرين سوى أن يكونوا شهود زور، وبأدوار ثانوية لا تزيد على كونها مكياجاً.
بقلم/ طلال عوكل