لا صوت يعلو على صوت الكفاءة والنزاهة !!

بقلم: رامي الغف

إن أي تطور سواء كان على المستوى الخدماتي أو المهني والعمراني وحتى الأمني والإقتصادي وهكذا بقية القطاعات المهمة التي تتألف منها الدولة، لايأتي من خلال الصدفة ولامن خلال ضربة حظ وإنما يحصل ذلك التطور إذا ما إتفقنا أن نعمل جميعاً وفق قاعدة (الرجل المناسب في المكان المناسب) بغض النظر عن معتقداته الدينية وخلفياته المذهبية التي تعتبر حقاً طبيعياً بممارسة وفق الضوابط التي منحها له المجتمع من دون أن تؤثر تلك الطقوس الدينية والمذهبية على أداء عمله، فلكل فرد إنتمائه الديني والمذهبي الذي يعتز به لكن ما قيمة عملة إذا ما تخندق وتحصن بهذه المسميات وحدد نشاطه على ضوئها دون أن يضع للهوية الوطنية أي اعتبار.

إن المعيار الحقيقي لإختيار أي مسؤول يتم ترشيحه لشغل أحد المناصب هو الكفاءة الوطنية والمهنية التي يتمتع بها، فالكفاءة الوطنية هي الإحساس الحقيقي بالانتماء للوطن والعمل من أجل خدمته وخدمة أهله دون أي تمييز عرقي، أما الكفاءة المهنية أن يتم إختيار ذلك المسؤول أو ذاك وفق المعايير الأكاديمية من شهادة وإختصاص وخبرة ودراية مهنية في مجال عمله تمكنه بأن يكون أهلا لشغل ذلك المنصب، لا أن يتم إختياره على أساس المجاملات المتبادلة بين المكونات السياسة والغير سياسية من إجل إرضاء بعضهما البعض.

إن ما نشاهده في معظم دول العالم وكذلك ما نسمع عنه من إبداعات في مختلف المجالات جاء نتيجة دراسات عميقة ودقيقة وتخطيط مسبق، لأن يأخذ أصحاب الكفاءات والإختصاصات مواقعهم الحقيقية في البلد الذي ينتمون له، كما في بلدنا الذي يزخر أيضاً بالكثير من النخب الإبداعية الوطنية وفي مختلف المجالات، ولكننا للأسف الشديد عكس كل البلدان نرى تلك الطاقات قد أكل الدهر عليها وشرب والسبب هو إنهم لم يدخلوا المعترك السياسي ولم ينضووا تحت غطاء أي مكون من المكونات والفصائل والتنظيمات والتجمعات الحزبية المشاركة في العملية السياسية، فكان الثمن هو إستبعادها وحرمانها من أداء واجبها تجاه وطنها.

إذن أصبح المعيار في الإختيار هما تحدده الميولات والاتجاهات الحزبية والتعارفات الإجتماعية، وبذلك فمن واجبنا الوطني وفي خضم هذه الفترة الحساسة التي نمر بها ويمر بها وطننا وما تمخض عنها من صراعات ومواقف متباينة بين هذا الفصيل أو ذاك فكان لها الأثر الواضح على مسيرة وطننا والتي تتقاذفه أمواج المصالح والمطامع السياسية. فعلينا أن نزيل غبار التعصب والتزمت في إتخاذ المواقف والقرارات وأن نتسامح في ما بيننا، وأن نقدم القليل من التنازلات المنصبيه، كما قدمنا الكثير من التضحيات البشرية نتيجة الدفاع عن التراب الفلسطيني المقدس على مدى عقود من الزمن، فالوطن يستحق أن نضحي أكثر من التضحية بمنصب هو زائل لامحالة ولايدوم لصاحبه أبدا.

عندما ينتمي شعب من الناس لوطن واحد، بما يعنيه الوطن من حدود جغرافية، وكيان سياسي ونظام دولة قائم على مؤسسات مختلفة، فإن هذا الإنتماء يخلق بينهم عيشاً مشتركاً ومصلحة متداخلة مما يوجب وجود صيغة عادلة للتعايش والتعاون تتحقق بها المشاركة في المنافع والمكاسب، والوحدة أمام الأخطار والتحديات، وقد تختلف الإنتماءات الدينية والعرقية والسياسية للمواطنين، لكن الوطن يجب أن يبقى إطاراً جامعاً لكل أبنائه بمختلف إنتماءاتهم، وذلك يستدعي منهم الإعتراف المتبادل بين الجميع بالشراكة والتساوي في حقوق المواطنة وواجباتها، أما أذا أختلت هذه الشراكة وحدث شئ من الإستئثار بالسلطة أو بالثروات أو التمييز بين أبناء الوطن الواحد، يسبب تنوع التوجهات واختلاف وجهات النظر أو تقاطع البرامج فإن ذلك يهدد وحدة الوطن وأمن المجتمع وإستقراره، كما تدل على ذلك أحداث التاريخ وتجاربه في الماضي والحاضر، فإن أخطر شيء على وحدة الأوطان ومصالحها هو أن تتضخم الإنتماءات على حساب الإنتماء للوطن فتنظر كل جهة للجهات الأخرى عبر دائرة إنتمائها الخاص، وهنا تضيع المصلحة العامة وتضعف وحدة الوطن.

ولمواجهة هذا الخطر لابد من وجود وعي وطني، ومساواة حقيقية بين جميع المواطنين، وتلك لا تتم إلا بوجود دستور يقر لوائح صيغة تعايش مشترك بين أبناء الوطن الواحد، فإذا ما وجدت تلك اللوائح والقوانين فيجب على الجميع العمل بها كقناعات راسخة في نفوس أبناء المجتمع، وأن تكون منهجاً في تفكيرهم وسلوكهم في حياتهم اليومية، ولا يمكن أن تتحقق تلك القوانين عبر طرحها كعنوان وشعار فقط ولا بالحديث عنها في قاعات المؤتمرات والندوات واللقاءات فقط وإنما تتحقق بالسلوك العملي والفعلي على ارض الواقع فيجب أن ننفض عن نفوسنا وعقولنا غبار ثقافة اليأس والإتكالية، وذلك سيبعث ثقافة وحدوية تنطلق من محورية حقوق الإنسان، وتركز على حرمته وكرامته وتساوي المواطنين في الحقوق والواجبات حيث ينظر بالنتيجة كل مواطن الى إخوانه المواطنين بمختلف إنتماءاتهم من منظار الإنسانية، فيحترم حقوقهم كبشر، ويراعي جميع مبادئ الوطنية وضمان إطارها العام وحتى يعترف كل واحد منا بأخيه ويتعاون معه كشريك مساو له في الحقوق والواجبات.

 

بقلم/ رامي الغف*

* إعلامي وكاتب صحفي