يقول الشاعر المصري الراحل أمل دنقل في قصيدته الشهيرة لا تصالح والتي رددها العرب من بغداد لتطوان
لا تصالح
..ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك
هذه القصيدة التي رددناها جميعا ولا زلنا عند كل منعطف ونحن ندرك معناها ومن يقصد بها وما السبب فالأعداء لمن نسي او يتناسى هم الذين احتلوا أرضنا وشردوا شعبنا ليس في فلسطين فقط بل والجميع يعرف ما جرى في أغوار الأردن والسلط وسيناء وبحر البقر وجنوب لبنان وقانا وفي كل بلد عربي من المحيط الى الخليج ولم ننسى بعد الأيام التي كان فيها مجرد ذكر اسم دولة الاحتلال دون نعتها بأبشع الصفات جريمة تصل حد الخيانة والتعامل مع الأعداء أفرادا وجماعات يعتبر من المحرمات والكبائر وما نادى به أمل دنقل لم يكن محض قصيدة عادية بل كانت صرخة من حناجر مئات الملايين من العرب وإلا لما أصبحت واحدة من أشهر القصائد العربية في العصر الحديث وباتت قرارا عربيا شعبيا وتعبيرا حقيقيا عن الغضب والألم العربي والرفض التام للخذلان والهزيمة وقد يجوز لنا القول ان انتشار القصيدة هو تأكيد على الإرادة الشعبية العربية بالوحدة والتماسك ضد أعداء الوطن والأمة ممن أرادوا لها التشرذم والانقسام, فلقد قرأنا القصيدة كوصية عكسية بحيث طبقناها بمعنى لا تتصالح مع ذاتك الوطنية وصالح كل من عاداك من كل حدب وصوب حتى باتت الأعلام الغريبة التي ترفع على بيوت وسيارات العرب تفوق عددا الأعلام الوطنية.
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
هذا النداء الذي هز ضمائر العرب بكل مكان لم يكن يقصد به العكس أبدا لكي يصبح من الجائز استبدال قلب أخيك بقلب الغريب ومصالحة الغريب ومعاداة أخيك ولم يقصد بها ان يصبح سيف الغريب سيفك وسيفك على رقبة أخيك يثكله ويثكلك فما الذي يجري اليوم في العالم العربي ومحاوره فهناك من يقتتل في العراق وسوريا وليبيا واليمن وهناك من يتعادى بين قطر والسعودية وحفائها او يتحالف بين العرب ضد العرب فبعد ان تحالفت قطر والسعودية والإمارات ضد سوريا وليبيا واليمن ومصر دارت عقارب التحالفات لتصبح العداوة بين قطر من جهة ومصر والسعودية والإمارات والبحرين من جهة اخرى وكلا المتخاصمين يقيمون علاقات حميمية مع الولايات المتحدة الأمريكية وكلاهما يقيمون او يكادوا علاقات مع دولة الاحتلال في فلسطين واليوم بعد استقبال رموز دولة الاحتلال بما فيها رموز العنصرية الثقافية في عواصم العرب دبي وأبو ظبي والمنامة ومسقط وحضر بعضهم الى القدس والمشاركة بأنشطة رياضية وثقافية مع تواصل اقتتال العربي مع العربي والوطني مع الوطني كما هو حال ليبيا واليمن وسوريا وغيرها وكما هو الحال الأبشع في فلسطين باحتلال وحصار وانقسام في وقت واحد.
لا احد يريد للمصالحة بين الفلسطيني والفلسطيني ان تكون ولا بين الليبي والليبي, اليمني واليمني, السوري والسوري, العراقي والعراقي وهكذا لكن الجميع يريد للصلح الاستسلامي ان يكون بتكريس وجود دولة الاحتلال وتحويلها ليس إلى كيان طبيعي في المنطقة بل الى حليف يسعى الجميع الى كسب وده فهل من الجائز مثلا ان يتواصل الانقسام الفلسطيني الفلسطيني في حين يجري الحديث عن تهدئة مع الاحتلال علما بان الحديث عن التهدئة مهزلة كونها في حقيقة الأمر قائمة لدى الجميع وأي خرق لها يتم تطويقه بكل سهولة ويسر بينما لا احد يبدي الاستعداد على الإطلاق للمصالحة الداخلية ويتواصل الانقسام ليس فلسطينيا فقط بل وعربيا وليس عموديا فقط بل وأفقيا ليس سياسيا فقط بل وحتى ثقافيا ولا يمكن للحال العربي ان يستقيم إلا إذا اعترف العرب في أقطارهم بان الأكثرية لا تلغي وجود الأقلية ولا تمنع عنها حقوقها كما هو الحال في العراق والمغرب وسوريا والجزائر وان الإيمان الديني للكل أديانا وطوائف ولا يجوز إعادة تعميم التجربة المقيتة في لبنان وتقاسم الأدوار باسم الطوائف كما يجري الحال حاليا في العراق وقد ينتقل الى غيرها ولا يمكن لذلك ان يتم إلا بالاعتراف بالمساواة التامة على الأرض للأجناس والأعراق والأديان والطوائف وتوحيد الشعوب على قاعدة المواطنة ومنع سطوة احد على احد لا جنسا ولا دينا ولا قومية ولا طائفة ولا ثروة بل شعب موحد بنظام وقانون عصري مدني موحد يوحد الجميع على قاعدته دون أدنى انتقاص من مكانة احد لصالح احد وبذا فإننا بحاجة لثورة حقيقية في التعليم والثقافة والذهنية وتتحمل قوى التغيير والأحزاب والمنظمات ذات النهج الديمقراطي والثوري ان بقي منها بقية الدور الأهم باستعادة دورها التغييري العملي والتوقف عن القيام بدور الديكور المكمل للأنظمة الدكتاتورية فمعظم هذه الأحزاب باتت تشكل اليوم نموذجا متحجرا وعاجزا عن الأنظمة التي تدور في فلكها حتى لو قدمت نفسها لفظا كحركات ثورية فالسلطة في الأحزاب العربية تورث كما هو حال الأنظمة العربية, وتعتبر المصالحة الوطنية الداخلية في الأقاليم العربية وفي المقدمة منها فلسطين وكذا العراق وليبيا وسوريا واليمن ومنع الفتنة من الإطلال برأسها في مصر باعتبار المواطنة أساس الوحدة والديمقراطية نظاما لتداول السلطة بكل درجاتها من أعلى الى الأدنى دولا وأحزاب ومنظمات وهيئات ومؤسسات وإلغاء الشخصنة لصالح المأسسة الأساس الأصيل للنهوض بالحال والانتماء العملي الى حضارة العصر والتأثير بها.
بقلم/ عدنان الصباح