من الواضح بان الهجوم الذي شنته "إسرائيل" سواء بطائراتها الحربية أو باستخدام الصواريخ على ما قالت عنه انه اهداف ايرانية ولحزب الله في جنوب العاصمة دمشق، ليلة الخميس الماضي، حملت أكثر من رسالة ومضمون فنتنياهو الذي بالكاد استطاع ان ينقذ حكومته من الإنهيار على خلفية الصفعة القوية التي تلقاها في قطاع غزة،وبعد ان نجح في لجم قوى اليمين الإسرائيلية الشريكة معه في الحكومة،وبالذات حزب "البيت اليهودي" وزعيمه بينت،الذي اتهم نتنياهو بالإستسلام امام حركة حماس وقوى المقاومة وفقدان قوة الردع الإسرائيلي،وكان يصر على أن يمنحه نتنياهو وزارة الجيش وإلا فإنه هو وحزبه سيستقيلون من الحكومة،مما يعني سقوطها بعد استقالة ليبرمان،وإنسحاب حزبه "إسرائيل بيتنو" منها (5 اعضاء)،ولكن نتنياهو لعب على وتر الأمن والخطر الوجودي الذي يتهدد دولة "إسرائيل" وانه من الصعب تغيير الحكومات،وبان "إسرائيل" في حالة حرب،ولا يجوز في ظل التهديد الأمني خلط الأمن بالسياسة والبحث عن الشعبية ،وبذلك نجح في إنقاذ حكومته من السقوط وإحتواء قوى اليمين المتطرف التي كانت تطالب بالإنتخابات المبكرة على خلفية تأكل قوة الردع الإسرائيلية امام قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة،حيث استئثر بوزارة الجيش لنفسه،واعداً بانه لن يتهاون في امن " إسرائيل" وسيقود خطوات جدية وعملية لرفع معنويات جنوده وإستعادة قوة الردع الإسرائيلية،ولإسترضاء قوى اليمين،وعد بالعمل على الشروع في هدم التجمعات البدوية في الخان الأحمر،والقيام بعمليات هدم واسعة في مدينة القدس وتطهير عرقي .
نتنياهو أراد من هذه المغامرة العسكرية الفاشلة،ان يوجهه عدة رسائل، على الصعيد الداخلي الإسرائيلي،إستعادة هيبة وقوة الردع الإسرائيلية المتآكلة ،امام قوى المقاومة،وأن يرفع من معنويات جنوده وضباطه،وكذلك يطمح بأن يعزز حضوره الإنتخابي كشخص وحزب،وخصوصاً بأنه ما زال هو وعائلته تحت سيف مسلسل الفضائح المتعلقة بالرشاوي والفساد الذي يلاحقهم في اكثر من قضية،حيث زوجته سارة تستدعى مجدداً للتحقيق بتلك التهم وتهم التضليل للعدالة.
اما على الصعيد الإقليمي فهناك أيضاً رسائل توجهه،حيث كشف الرئيس المتصهين ترامب عن ان واشنطن باقية في المنطقة وبالذات في سوريا والعراق لضمان امن اسرائيل وليس من اجل النفط،ولذلك هي تشدد على ضرورة اخراج قوى المقاومة من سوريا،وجربت مقايضة ايران عبر وساطة روسية بخروج قواتها من سوريا مقابل تخفيف العقوبات الإقتصادية التي تفرضها عليها...ولغرض حماية وجود اسرائيل لأمنها ووجودها،نرى بأنها تعمل على توسيع نفوذها في منطقة شرق الفرات عبر بناء قواعد عسكرية جديدة لها...وسعت الى خلط الأوراق هناك،لمنع أي تقدم لحل قضية ادلب وتصفية الجماعات الإرهابية فيها،حيث حركت تلك الجماعات في أرياف ادلب وحلب وحماة،ولتقوم ما يسمى بجبهة النصرة بقصف حي الخالدية في حلب بالقذائف الصاروخية المحملة بالكلور السام .....واسرائيل ترى بأن أي تقدم في العملية السياسية في سوريا يقود الى استقرارها واستعادتها لدورها ونفوذها في المنطقة يشكل خسارة سياسية لها،ولذلك بالتعاون مع حليفتها الإستراتيجية امريكا تسعيان من خلال هذا التصعيد الى التأثير على مخرجات قمة " سوتشي" لحل ازمة إدلب،وخاصة بأننا نجد تلكؤ تركي في تطبيق ما جرى الإتفاق عليه من تفاهمات،في ظل مزاجية وبرغماتية أردوغان المتقلب دوماً.
والرسالة الأخرى هي لموسكو حيث هذا العدوان الجوي اتى بعد اكثر من شهرين على تسليم روسيا لصواريخ الدفاع الجوي (اس 300) لسوريا،فهو يريد ان يقول بانه لا يكترث بالصواريخ الروسية،رغم كل التحذيرات الروسية له بعدم اللعب بالنار،او انه يسعى لعودة دفء العلاقة مع روسيا من خلال بوابة تلك الغارات،ونتنياهو وترامب ايديهما ليست بعيدة عن ازمة مضيق كيرتش ،ودفع اوكرانيا لإستفزاز روسيا من خلال خرق ثلاثة سفن حربية اوكرانية لمياهها الإقليمية .....نتنياهو بغاراته هذه وتهديداته المستمرة لحزب الله ،هو يريد ان يقول بأن الحل السياسي في سوريا يجب ان ياخذ مصالح هذا الكيان بالحسبان،وهو بات على قناعة بان حزب الله يعد العدة لفتح جبهة عسكرية ثانية من الجولان....ولربما يسعى نتنياهو أيضاً لجر المنطقة الى حرب رغم عدم جهوزية جيشه لذلك،معتمداً على إمكانية التدخل العسكري الأمريكي والغربي الإستعماري لصالحه في ظل التصريحات العلنية والواضحة للرئيس الأمريكي ترامب بان الوجود الأمريكي في المنطقة لحماية اسرائيل وامن اسرائيل فقط.
الهجوم الإسرائيلي على مواقع سورية في جنوب العاصمة دمشق،والذي يبدو انه نفذ بواسطة صواريخ اسرائيلية،سجلت فشلاً اسرائيلياً أخر،حيث ان الدفاعات الجوية السورية من صواريخ سام المطورة،إستطاعت بكثافة نيرانها ان تسقط كل الصواريخ الإسرائيلية وتمنعها من تحقيق أهدافها،وكذلك منعت طائرات العدو من دخول المجال الجوي السوري،وبما يؤكد على ان قوى الدفاع الجوي السوري تستعيد عافيتها وقدراتها،بعد أن عملت على تدميرها الجماعات الإرهابية،عندما سيطرت على مساحات كبيرة من الجغرافيا السورية،وكذلك أصبحت تمتلك مهارات وخبرات تكنولوجية كبيرة ،وبالتالي هي لم تشغل منظومة الدفاع الجوي (اس 300).
في الوقت الذي تتصدى فيه سوريا لقوى العدوان،مؤكدة على موقفها القومي العربي،وإنحيازها قولاً وفعلاً لمعسكر وقوى المقاومة،نجد بان نتنياهو يهرب من ازماته،نحو الذهاب الى توسيع وتشريع علاقاته التطبيعية مع العديد من المشيخات الخليجية العربية،وكذلك دول عربية وإسلامية اخرى،مما يؤكد بأن العديد من هذه الدول شريك في مشروع تصفية قضيتنا الوطنية،ولم تعد لا فلسطين ولا القدس تحظيان بإهتمامها،ولم تعد تنظر الى دولة الاحتلال على أنها دولة معادية،بل تعمل على تطبيع علاقاتها معها،كمكون طبيعي من جغرافيا المنطقة،لحساب عدو افتراضي صورته لها أمريكيا، بأنه يهدد امنها وإستقرارها وعروشها وأمن المنطقة،ألا وهو ايران،وبما يحرف الصراع عن اسسه وجوهره من صراع عربي- إسرائيلي جوهرة القضية الفلسطينية الى صراع مذهبي إسلامي(سني- شيعي).
رغم كل الهرولة التطبيعية العربية الرسمية نحو إسرائيل وتجول قياداتها في القصور والمساجد العربية،ورغم عدم وجود جيوش عربية تهدد أمن ووجود دولة الاحتلال،لكن قادة الإحتلال يشعرون بأن هناك خطر وجودي يتهدد دولتهم،شبيه بالوضع الذي كان قائماً قبل نكبة عام 1948 ،فهناك جبهة قطاع غزة جنوباً،وجبهة حزب الله شمالاً ،وجبهة الجولان شرقاً والتي باتت مسألة فتحها مسألة وقت من قبل حزب الله وقوى المقاومة الشعبية السورية،ونتنياهو لم يحصد في غاراته على سوريا وتهديداته المتواصلة لحزب الله سوى المزيد من الفشل،فزمن شن الحروب الخاطفة ونقل المعارك الى أرض " العدو" لم يعد ممكنناً،فما يواجهه المحتل،هم عرب مقاومين من طراز جديد،لديهم الإرادة والصلابة والإنتماء والإيمان والقناعة،بحتمية النصر وفق شعار زمن الهزائم قد ولى.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
1/12/2018
[email protected]