تداعيات جديدة للعملية الاسرائيلية

بقلم: معتصم حمادة

(1)

■ ما زالت العملية الإستخباراتية الإسرائيلية في قطاع غزة تتداعى فصولاً، في ظل تكشف المزيد من المعلومات حول حقيقة الأهداف التي كانت على جدول أعمال العدوان الإسرائيلي، وكيفية وصول هذا العدد الكبير من أفراد المجموعة، إلى داخل القطاع. وكما يبدو واضحاً، فإنه كلما جرى الكشف عن المزيد من المعلومات حول حقيقة العملية، كلما تكاثرت الأسئلة. فالتوضيحات التي تقدم للرأي العام أسهمت في زيادة الغموض حول حقيقة ما جرى، وحول طبيعة الأوضاع التي تعيشها المقاومة في القطاع، وقدرتها على الإمساك بزمام الأمن، بما يحمي قادتها ومراكزها ومستودعاتها وبنيتها التحتية من الأعمال التخريبية، وبما يوفر الحماية الكافية والضرورية لأبناء القطاع.

(2)

في هذا السياق لا بد من التأكيد على نقطتين، نرى أن تجاهلهما، وأن أي استرخاء في إدارتهما، من شأنه أن يلحق أفدح الضرر، بل وربما الكوارث بالمقاومة وبسكان القطاع وأبنائه.

• الأولى: أن القطاع هو إحدى الجهات الرئيسية بل والأكثر سخونة في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي. وأن سلطات الإحتلال تنظر إليه ليس من زاوية واحدة هي "مسيرات العودة وكسر الحصار"، على أهميتها، بل تنظر إليه بإعتباره ساحة للمقاومة الفلسطينية بأذرعها المختلفة، والنموذج الذي يتطلع إليه الفلسطينيون للخلاص من الإحتلال. لذلك تفرض إسرائيل على القطاع حصاراً محكماً، براً، وبحراً وجواً، رغم قناعتها بضرورة توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة للقطاع حتى لا ينفجر في وجهها بطريقة دراماتيكية يصعب السيطرة عليها بسهولة. لذلك على المقاومة، في القطاع، أن تضع في حساباتها أنها مدرجة بشكل دائم على جدول أعمال رئاسة أركان جيش الإحتلال، وأن أية تهدئة قد يتم الوصول إليها لا تعني إنتهاء حالة الحرب، أو القيام بسلام مؤقت. فالتهدئة أو الهدنة، هي فاصل بين معركتين في حرب مفتوحة. وبالتالي على قيادة المقاومة أن تستخلص من هذا ما يجب استخلاصه من الخطط والأداء.

• الثانية: إن جيش الإحتلال يولي للجانب الإستخباراتي المعلوماتي الإهتمام الأكبر. وهو يدرك جيداً أن أجهزة الإستخبارات هي عيناه اللتان يرى فيهما عدوه. وأنه بدون استخبارات نشطة يومية وفي كل ساعة، يعني أنه أصبح جيشاً أعمى. لذلك عندما يحتاج قادة العدو إلى تقييم الوضع العسكري والأمني، يستمعون أولاً إلى قادة الأجهزة الأمنية لديهم. ولعل الذاكرة مازالت حية فنستعيد بعض التجارب المهمة في هذا المجال. إذ مازلنا نذكر أن قادة العدو وجنرالاته، عندما طلب منهم تطبيق إتفاق أوسلو وتسليم مدن الضفة الفلسطينية، واحدة تلو الأخرى، إلى السلطة الفلسطينية، تحدث قادة الأجهزة الأمنية بوضوح أن هذه الخطوة، وإنسحاب جيشهم من المدن الفلسطينية، سوف يشوش على آليات عمل الأجهزة الأمنية لأنها ستفقد التماس المباشر، في المدن، الذي يمكنهم من جمع المعلومات التي يعتبرونها مهمة لأمن إسرائيل. وهذا يؤكد أن جيش الإحتلال، ورغم إمتلاكه أحدث أجهزة التنصت والتجسس والمراقبة والإستشعار عن بعد، ليلاً نهاراً، ورغم أن مساحة القطاع تسهل عملية مراقبة المقاومة، إلا أن إعتماده على العنصر البشري في التجسس والإستطلاع وجمع المعلومات، سيبقى عنصراً

رئيسياً. أي بعبارة أخرى إن قيادة العدو لا تتوقف على الإطلاق عن محاولات تجنيد عملاء لها من داخل القطاع، سالكة في ذلك شتى الأساليب، المعروف منها لنا، والمجهول.

(3)

حتى الآن مازال هدف التسلل مجهولاً في ظل اللغط الواسع، وورود أكثر من رواية أهمها:

• أنها دورية خاصة لزرع أجهزة التنصت على الشبكة السلكية الخاصة بحركة حماس للتنصت على إتصالاتها وتحركات قادتها. وأن الباص الذي استعمله المتسللون كان مليئاً بهذه الأجهزة.

• أنها دورية كانت تستهدف منزلاً كانت تحتجز فيه حماس الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها منذ العام 2014 وأن الهدف كان إطلاق سراحهم والعودة بهم إلى داخل إسرائيل، لتفويت الفرصة على حماس مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، وبما يعزز من موقع جيش الإحتلال وأجهزته الأمنية في عيون الشارع الإسرائيلي.

• أنها كانت متوجهة إلى منزل يحيى السنوار، أحد قادة حماس، ورئيس مكتبها السياسي في القطاع، إما لأسره، أو لإغتياله. هذا التقرير ثبت فشله بعد أن تأكد أن السنوار لا يقيم في منطقة الإشتباك مع دورية الإحتلال، أو في جوارهما.

لكن مازاد الأمور غموضاً أن حماس أفرجت عن مجموعة صور لرجال ونساء قالت إنهم تعاونوا مع الإحتلال في تهيئة الطريق لتسلل الدورية التخريبية. ومما قيل أيضاً أن هذه المجموعة تسللت منذ أكثر من أسبوعين على عملية التسلل، وإنهم دخلوا القطاع علناً، بوسائل عادية، عبر معبر "ايرز"، الذي تشرف عليه قوة عسكرية تابعة للسلطة الفلسطينية ومرجعيتها رام الله. ودعت حماس إلى التعاون معها للبحث عن أصحاب الصور الذين مازالوا مختفين في القطاع، في منازل وشقق استأجروها عند دخولهم تمهيداً للعملية.

(4)

الإفراج عن الصور أثار هو أيضاً سلسلة أسئلة لم يتوفر لها جواب شافِ، يقنع الشارع في القطاع أنه في مأمن من تخريب الإحتلال وعدوانه، وأنه تحت رعاية المقاومة، وسهرها عليه، وعلى أمنها هي أيضاً:

• فعلى سبيل المثال أثارت الصور، في حد ذاتها تساؤلات، فبعضها كان صوراً "رسمية" أي صور جوازات سفر وهويات مدنية، وأخرى كان أصحابها في أوضاع تشير أنها من صور الذكريات المحفوظة في ألبومات العائلة. أذن ما هو مصدر هذه الصور. هل إن أصحابها دخلوا القطاع منذ أسبوعين كما يقال، أم أنهم من أبناء القطاع، وأن عائلاتهم، هي مصدر الصور. وهل لهؤلاء علاقة ببعض الفصائل الفلسطينية.

• أما السؤال الأهم فهو هل دخل هؤلاء القطاع تمهيداً للعملية كما يقال، وهل انسحبوا مع قوات الإحتلال التي تدخلت لإنقاذ المجموعة التخريبية.

أياً كانت الإجابات، وأياً كانت المعلومات، فإن الحقيقة تقول. إن الصدفة الأمنية هي التي كشفت العملية التخريبية، والتي لو نجحت لألحقت بالمقاومة وبالقطاع كوارث غير محسوبة ولأربكت الأوضاع الفلسطينية، خاصة في ظل حالة الإنقسام القائمة. وعلينا ألا ننسى أن العملية تمت في ظل أجواء سياسية شديدة التوتر بين غزة ورام الله، جرى فيها تبادل إتهامات خطيرة بين الطرفين.

• أن الأمن الفلسطيني في القطاع يشكو من ثغرات. كنا نعتقد، كما كان غيرنا يعتقد، أن حركة المعابر تخضع لإشراف أمني دقيق، خاصة تلك المعابر المفتوحة على الجانب الإسرائيلي. خاصة وأن السؤال عن كيفية وصول أصحاب الصور إلى القطاع مازال معلقاً.

• إن الأمن الفلسطيني في القطاع مازال أمناً فصائلياً. الأمر الذي يتوجب التوقف عنده لتوفير ألية عمل بديلة، تمكن من سد الثغرات المكشوفة في ظل غرفة عمليات أمنية، لعموم القطاع، تعزز غرفة العمليات المشتركة لأذرع المقاومة، والتي قدمت في التصدي للعدوان الأخير تجربة ناجحة.

• وأخيراً، وليس آخراً، لا شك أن العدو الإسرائيلي أخضع عمليته الأخيرة للتقييم، ولا بد أنه استخلص الدروس، لتجاوز الأخطاء التي وقع فيها في عملية قادمة، نجزم أنه بدأ منذ الآن في التخطيط لها.■

 

معتصم حمادة