هي المتوّجة بإرثها الفلسطيني الإصيل والضاربة في أعماق تاريخ الحضارة الفلسطينية، بحقبها وأجيالها وأحداثها الجسام وطفراتها المتتالية، وتقدمها المتواصل منطلقة من إمتدادها العربي الجذور وثقافتها العقائدية الدينيه الفلسطينية الصلبه، متدرعة بالأمجاد الوطنية لشهدائها وجرحاها وأسراها ومناضلوها، وما قدمته من شهداء بررة وتضحيات جسام في مقارعة الظلم والطغيان والوقوف إلى جانب المستضعفين والمظلوميين، على الصعيدين المحلي والعربي، مثقلة بأعباء الهم الفلسطيني الجسيم وجرحه الفاغر النازف وهو يمر في أصعب وأحلك مراحله من توجهه الجديد، مراهنة على موقف قيادتها وكوادرها وجماهيرها وصمودهم وتضحياتهم. بهذه الهيئة المهيبة وهذه التركيبة العجيبة رسمت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" مسار خطها النضالي التحريري، فهي ملتزمة عقائدياً وواضحة بالتمسك بالثوابت الوطنية، فهي ليست نسخة مستنسخة من أي نظام ولن تكون ذيلا لأحد.
في خضم هذا البحر الطافح بالتداعيات والأزمات والضغوطات الخارجية والداخلية مضاف اليها جشع الطامعين بها ومؤامرات الساعين لتقويضها، وإنسحاب البعض وسط الطريق وخذلان البعض الآخر، وفي خضم هذه الأوضاع المأزومه والخنادق المتداخلة والمواقف المتذبذبة والخيوط المتشابكة، قادت حركة فتح المرحلة المتلاطمة الأمواج تغالب أوجاعها مخفية جراحها، تئن بصمت ،، وتلوذ بالصبر،، لم تهن ،، ولم تلين ،، مواصلة الليل بالنهار خدمة لوطنها وشعبها وجماهيرها وإخلاصا لقضيتها ووفاءا ًلعهدها وخوفا على مكتسبات إنجزاتها ومكتسباتها بالتجربة الديمقراطية، فبقيت هاجس التضحية والإيثار ملازمة له حتى وهي تتلقى الطعنات من هنا وهناك ومن هذا وذاك.
حينما إنطلقت حركة فتح في نضالها لتحقيق أماني شعبها في الحرية والاستقلال منذ الفاتح من يناير 1965م فإنها لم تأت من فراغ ولم تكن نبتا شيطانيا بقدر ما جاءت من صلب الشعب الفلسطيني ومن رحم المعاناة التي جاءت بدورها ابنا شرعيا لنكبة 1948 والفترة الزمنية التي تلتها وحتى الانطلاقة الكبرى.
إن هذه الفترة والتي كانت أشبة ما تكون بسنوات التيه الفلسطيني بعد أن فقد الشعب الفلسطيني أرضة وهويته ومقومات كيانه ووجوده وتشرد ابنائة في المنافي والشتات، من هنا تأتي عظمة حركة أم الجماهير حركة فتح وأهمية انطلاقتها في الزمان والمكان.
لقد كان لهذه الحركة خصوصيتها التي ميزتها عن ما سبقها وما تلاها من تجارب نضالية فلسطينية وعلية يمكن أن نلخص هذه الخصوصية فيما يلي:
أولا: فتح أولا وقبل كل شيء حركة تحرر لم تكن يوما حزبا أو منبرا سياسيا، بحيث إنها يؤمن بها قطاع أو شريحة من الشعب الفلسطيني بقدر ما هي حركة شعبية تمثل كافة فئات وشرائح الشعب الفلسطيني باكملة وبوتقة انصهرت فيها كل قواه السياسية والاجتماعية والثقافية من أقصى اليمين إلي أقصى اليسار ونظرة إلي تشكيل الأطر القيادية لهذه الحركة نجد أن انتماءاتهم السابقة مختلفة ومتنوعة فمنهم الشيوعي والاممي والاشتراكي والوطني والقومي والناصري والإسلامي والتوحيدي...الخ وهذه شمولية فريدة من نوعها في تاريخ حركات التحرر العالمية، فعادة ما تنطلق هذه الحركات من خلال رؤيا عقائدية أو سياسية أو دينية ، أما في حركة فتح فلم يقتصر التنوع والشمولية على القيادة فقط بل شمل الكادر والعناصر والمقاتلين.
ثانيا: إن حركة فتح حددت ملامحها ومضمونها منذ البداية كونها "فلسطينية الوجه" "عربية القلب" وإنها رسمت لنفسها حدود العلاقة مع الأقطار العربية الأخرى ووضعتها في إطار الاحترام المتبادل بحيث تقوم على عدم تدخل الحركة في الشؤون الداخلية للدول العربية مقابل عدم تدخل هذه الدول في شؤون الحركة نفسها وهي بذلك طرحت دون مواربة أو شك مبدأ استقلالية القرار الوطني الفلسطيني والذي ظل مصادرا على يد الأنظمة العربية والزعماء العرب منذ أن ظهرت في الأفق ملامح المؤامرة الصهيونية على الأرض والشعب الفلسطيني وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر تدخل الأنظمة العربية لانتهاء إضراب عام 1936 والذي نظمته الشعب الفلسطيني واستمر لمدة 6 أشهر كاملة وكاد أن يؤتي آكلها لولا هذا التدخل العربي.
والمثال الثاني هو قرار هذه الأنظمة إرسال جيوشها الغير مؤهلة قوميا أو عسكريا أو على مستوى التسليح للحرب في فلسطين عام 1948 شكل ذلك احد أسباب هزائم ونكبة عام 1948.
حين جاءت حركة فتح أحدثت نقله نوعية في تاريخ النضال الفلسطيني بحيث وضعت العربة أمام الحصان واعدت للشعب الفلسطيني ومناضليه الاعتبار في تسلم راية الكفاح على اعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها ولتبقى الأمة العربية رديفا ومساندا وداعما للجهد الفلسطيني وبهذا يتكامل الوطني مع القومي ولتفويت الفرصة على الدعاية الصهيونية التي كانت تشيع أن حفنة من اليهود المضطهدين والمظلومين تواجه الأمة العربية بأسرها بما تملكه هذه الأمة من جغرافيا وديموغرافيا وإمكانيات اقتصادية وعسكرية. وبالرغم من مبدأ استقلالية القرار الوطني الفلسطيني كلف حركة فتح الكثير من معاركها وإمكانياتها ومناضليها وشهدائها ومحاولات الاختراق المتكررة وبالرغم من ذلك فقد حافظت الحركة على ديمومتها ومبادئها ودافعت عن القرار الوطني الفلسطيني حتى النهاية.
ثالثا: أما الخصوصية الثالثة لهذه الحركة فهي ديمقراطيتها في داخل أطرها وهياكلها سواء في اللجنة المركزية أو المجلس الثوري أو المؤتمر الحركي العام أو حتى على مستوى الأطر الدنيا وهي ديمقراطية يصنفها القائد الشهيد أبو إياد "سكر زيادة" والديمقراطية الفتحاوية الداخلية انتقلت بدورها إلى صفوف الفصائل الفلسطينية الأخرى وأصبحت ظاهرة ثورية فلسطينية عامة أطلق عليها في فترة من الفترات ديمقراطية غابة البنادق بمعنى أن هذه الديمقراطية نمت وترعرعت في ظل مائة ألف بندقية كانت في يد المقاتلين والمليشيات وأبناء الفصائل والتنظيمات المختلفة وبالخص على الساحة اللبنانية.
لقد سمحت هذه الديمقراطية الفتحاوية والفلسطينية عموما ومن خلال أطر منظمة التحرير الفلسطينية بالاتفاق والاختلاف وانسحاب هذا الفيصل من اللجنة التنفيذية للمنظمة ثم العودة إليها ولكن الاحتكام كان للبيت الفتحاوي والأكبر وهو المؤتمر الحركي العام أو البيت الفلسطيني الأكبر وهو المجلس الوطني الفلسطيني وهذه الديمقراطية الفتحاوية هي التي حملتها نفس الحركة إلى ارض الوطن اثر قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وهي التي أفضت إلى انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية في بداية العام 1996 والتي أسست إذا ما تم البناء عليها بشكل جديد لبناء أكثر الديمقراطيات العربية نزاهة التي تسمح بالتعرض للنقد في بعض الأحيان لتطال السلطة يكل القائمين عليها وصولا لأصحاب القرار فيها .
رابعا: ومن أكثر ما يميز أبناء حركة فتح على اختلاف مستوياتهم القيادية والعسكرية والتنظيمية هي تلك الروح الأخوية التي تربط بين الأعضاء على جميع المستوىات حتى إن اختيار لفظ أخ والتنادي بها بين هؤلاء الأعضاء لم يأت من فراغ بقدر ما هو تعبير عن الروح الأخوية الحقيقة ما بين المنتسبين وهذه العلاقة الأخوية تحمل في ثناياها كم كبير من المحبة حتى أن قانون هذه العلاقة كان يسمى في حركة فتح "بقانون المحبة" بعيدا عن العنصرية والتفرد والغرور والانتماءات الضيقة والتشبث بالطائفية والعائلية والقبلية وحتى إن اختيار الاسم الحركي الذي ميز أبناء فتح كان الهدف منة نسيان الانتماءات الضيقة وفاق شرف الانتماء لفتح شرف الانتساب للعائلات العريقة والثرية ذات الجاه والمال.
خامسا: ومن أهم ما يميز فتح إنها متجزرة متجددة واقعية مرنة تنجو من كل المحن والمصائب والمكائد والأزمات وتتقوى بالضربات التي لا تميتها وتنبعث بعد كل كارثة أو مؤامرة كطائر الفينق الذي ينبعث من بين الرماد وخير دليل على ذلك مؤامرة الانشقاق التي تعرضت لها عام 1983 بمساعدة نظام عربي.
سادسا: لقد صمدت فتح وفي كل الظروف لكل المؤامرات من الأعداء والأصدقاء والأشقاء وهي قابلة للبقاء والتجدد لأنها تحمل في ثناياها انعكاسات أحلام وأماني وطموحات الشعب الفلسطيني وسوف تبقى وفية لمبادئها ولقيادتها ولشهدائها لأنها ببساطة وكما بدأناها هي حركة الشعب الفلسطيني كله.
حقيقة إن هذه الميزات والخصوصيات بدأت تتآكل في بعض جوانبها بعد أن تم إتخامها بالجراح من خلال الطعنات التي وجهت إليها من كل صوب وحدب ولكن نعلنها مدوية ليسمعها القاصي والداني، بأن فتح كانت وستبقى عصية على الكسر والانكسار أو الانحسار بفضل المنتمين الأوفياء لهذه الحركة والذين ما زالوا قابضون على الجمر.
أخيرا وليس بأخر أقول للأخوه قادة وكوادر وجماهير ومناصري فتح كل عام انتم والحركة بخير، فالأمل ما زال موجود ،،، والعمل هو المطلوب ،،، ومعا وسويا حتى تحقيق الهدف المنشود بإقامة دولة النظام والقانون.
بقلم/ رامي الغف