لباقة الحديث وقوة الطرح والشجاعة هي عناصر تشد المشاهد والمستمع صحيح، وهي صفات يتمتع بها دحلان، لكن، لا تخلو الساحة من سياسيين وقادة في بلدنا ومن كل الفصائل والأجسام السياسية ممن لديهم هذه الصفات، إلا أن لقاءاتهم الفضائية أو الحية مثلا لا تتمتع بهذا الزخم المصاحب دائما للقاءات هذا الرجل دحلان، لماذا وما السر في ذلك؟؟
الكاتب الإستاذ محمد أبو مهادي، كتب على صفحته في موقع التواصل فيسبوك، "" بعد أقل من ساعة على لقاء القيادي الفلسطيني محمد دحلان بفضائية الحدث 50 ألف مشاهدة يسجلها اللقاء في موقع العربية الحدث علي الفيس بوك، هذا دليل اهتمام كبير من الخصوم والحلفاء، ودليل على مستوى القوة التي يتمتع بها القيادي دحلان محلياً وعلى المستويين العربي والدولي""
نعم، هذا كلام صحيح، ومؤكد بالأرقام، والشواهد من صحف، ومجلات، ومقالات، ومواقع، وتعليقات مستمرة على مواقع التواصل، وحتى حوارات ونقاشات النخب والاعلاميين والصحفيين والمسؤولين على المستوى العربي والدولي يهتمون بالمتابعة أيضا حتى بإختلافهم في الموقف تجاه محمد دحلان.
في كل المجالات وطوال الوقت نسمع أن دحلان شخصية جدلية، هكذ التصنيف، بمعنى أن هناك مؤيدون ومناويئون لدحلان، لكن في النتيجة تعني أنهم جميعا يعطون الرجل اهتماما ملفتا حين يتحدث، فلماذا؟
في الاقليم والعالم قد يكون الاهتمام ناتج عن قضية الشهرة والهجوم المتلاحق من الخصوم وخاصة إعلام الجزيرة ومواقع تتبع جماعة الإخوان وما حاكوا ويحيكوا من قصص خيالية حول الرجل فرفعوا من نسب المهتمين لسماعه أو مشاهدة رد فعله عليهم ولا نجافي الحقيقة حين نقول بأن قطاع الإعلام القطري والتركي والإخواني متسع وممتد بصورة كبيرة في العالم وهم ساهموا في إرتفاع شعبية دحلان سلبا أو إيجابا والنتيجة اتساع شريحة المهتمين بأخبار دحلان وحرصهم على متابعته.
أما على الصعيد المحلي والفلسطيني بشكل خاص وهنا الحقيقة الهامة، وهي أن هناك عمق سيكولوجي جوهري في موضوع الإهتمام بشخصية ولقاءات محمد دحلان من قبل الفلسطينيين من كافة مشاربهم الحزبية والفكرية والثقافية والجغرافية بالرغم من وجود عدد لا يستهان به من الشخصيات المركزية والقادة في الأحزاب والفصائل الفلسطينية لهم حضور ومؤيدين لا يستهان بهم وتاريخيا هم أقدم من محمد دحلان في ساحة العمل الوطني، ولكنهم لا يتمتعون بالإهتمام الكبير من قبل ااجمهور الفلسطيني ومتابعتهم بشغف مثل دحلان، حتى يخيل لنا وكأن دحلان مسلسل تنتظره كافة شرائح المجتمع الفلسطيني في شهر رمضان، ولكن ما سر هذا الرمضان المتواصل طوال العام لمحمد دحلان والشعب الفلسطيني وبعيدا حتى عن الخلاف المزمن مع الرئيس عباس والذي أكسبه شهرة المعارض الأول رغم وجود معارضين كثر ؟؟
السر هو ""ياسر عرفات"" الذي صنع العمق السيكولوجي الجوهري في عقل شعبنا الفلسطيني، في بدايات الثورة، فقد كان مع ياسر عرفات قادة كبار أحبهم شعبنا، أبو آياد وأبو جهاد وغيرهم في فتح وواكبه جورج حبش ونايف حواتمةوقادة عظام آخرين من تنظيمات شكلت قوة منظمة التحرير وكان لها وهج مثل حماس وأكثر ، لكن هذا الياسر عرفات بشعبويته وقوة إصراره، ببساطته وتعقيداته، بحلمه وقوة واقعيته، بصلابته ولينه، بحنوه وقسوته شكل في ضمير الفلسطيني صورة الأب والوالد وكبير القوم وإمتلك هذا الياسر أفئدة الفلسطينيين كأبوية لا تتزعزع على مدار عقود الثورة والسلطة وسهل له ذلك قيادتهم بقليل من الكلام وكثير من الأفعال فتشكل لديهم الرمز والأفق الذي يحملهم للتحرر والإستقلال.
بغياب ياسر عرفات الرمز والقوة صار الفلسطيني يتيما من أبويته الحامية والمنقذة والمقررة بلا تردد أو وجل، وعاش ياسر عرفات حتى يومنا هذا مع كل الفلسطينيين حتى بمن لحق عصره من القادة الإسلاميين دون أن يملأ مكانه ومكانته في العقل والوجدان الفلسطيني أحد من القادة الحاليين حتى بإعتراف الخصوم.
الآن وفي سياق البحث عمن يعوض أبويتهم في ياسر عرفات إختلف الفلسطينيون حول محمد دحلان كما إختلفوا في البدء على ياسر عرفات الذي كان معه قادة كبار كما يحدث تماما الآن مع محمد دحلان والذي يرون فيه قوة وصرامة وعزة نفس بشعبويته وقوة إصراره، ببساطته وتعقيداته، بحلمه وقوة واقعيته، بصلابته ولينه، بحنوه وقسوته تماما كما تدرجت صورة ياسر عرفات في العقل والوجدان الفلسطيني من الجدل على شخصيته حتى اليقين والتسليم لقيادته، ومن عاش تلك الأيام من كبار السن والسياسيبن يدرك هذا التدرج الذي تتشكل فيه صورة الأب المنقذ في ضمير الفلسطينيين الآن لمحمد دحلان رغم ما يظهر أحيانا من شائكة الأحداث والتطورات التي تحجب الصورة عن العيون لكنها راسخة في الأذهان بأن محمد دحلان هو ياسر عرفات الجديد .... هذا هو بالضبط سر الإهتمام من معارضي ومؤيدي محمد دحلان لمتابعة لقاءاته وأخباره وتحركاته.
بقلم/ د. طلال الشريف