بيع الذهب واشتري العتب .. مثل فلسطيني عربي قديم يُراد به إعلاء قيمة الدار والسترة على المال والذهب، والمقصود بالعتب هو عتبة البيت.. ولطالما اعتبر هذا المثل قناعة موروثة لدى الفلسطينيين عند السعي لشراء أو بناء البيوت.
في القدس.. الحسبة تختلف! يبيع الناس الذهب ليس لبناء البيت فقط بل ولهدمه أيضاً .. والسبب السياسة العنصرية المنافية للإنسانية والمخالفة لقوانين الحق البشري التي تتبعها سلطات الاحتلال الاسرائيلي ضد السكان العرب الفلسطينيين في المدينة المقدسة. والتي تتلخص في مجموعة من الحجج المختلفة أبرزها البناء دون ترخيص، مما يترتب عليه (بناء على قوانين اسرائيل ضد العرب فقط) أمراً بالهدم . المشكلة أن أمر الهدم هذا يوقع صاحب البيت أو البناء بين الأمرّين: إما أن تقوم جرافات بلدية الاحتلال بالهدم، وعليه تحمل التكلفة المالية الكبيرة والغرامات المتضخمةأو.. أن يهدم بيته بيديه تفادياً لتلك التكلفة . والخيار الأول يتم بوحشية مفرطة حيث تجتمع آليات وجرافات البلدية المزعومة مدعّمة بوحدات كبيرة من الشرطة وجنود الاحتلال وتطلب من صاحب المنزل وأسرته التي يصل أحيانا عددها إلى العشرات إخلاء المنزل دون تفاهم من أجل تنفيذ العملية . فهل يمكن تخيل ما هو أقسى من أن يُهدم بيتك الذي بنيته بعد تعب السنين وشقاء العمر أمام مرأى أعين أطفالك؟والمصيبة أنك تقوم بتمويل عملية الهدم! أو هل يستطيع العقل استيعاب أن يقوم الانسان بنفسه ويجبر أولاده على هدم بيتهم وغرفهم بأيديهم !!أي قهر هذا؟
وربما يتساءل أحد من غير العارفين لماذا لا يتم الحصول على ترخيص بناء؟ الجواب ببساطة لأنه أمر يكاد يكون شبه مستحيل وتعجيزي،حيث أن طلب الرخصة يستمر من 8 الى 12 سنة في أحسن الأحوال. ويتطلب المرور عبر سلسلة بيروقراطية طويلة جدا للحصول على موافقات لا حصر لها من مجموعة من المؤسسات الحكومية الاسرائيلية،تبدأ من سلطة الضرائب وتمر على سلطات الزراعة والاثار والمطارات والتعليم والصحة والسلامة على الطرق و..و.. وتنتهي بدفع الرسوم التي تبلغ عشرات الآلاف من الشواقل مقابل هذا العذاب اللانهائي !هذا إن استطعت الحصول على الموافقة وهي مسألة نادرة الحدوث.ويمكن لأي كان الدخول على صفحة بلدية القدس ليجد دليلاً مملاً يقبع هناك يتحدث عن سلسلة اجراءات شديدة التفصيل والتعقيد واجب تنفيذها للحصول على طلب الترخيص . ولهذا يلجأ الفلسطيني الى البناء دون ترخيص متوكلا على الله آملا أن تحدث معجزة وتتغير الظروف!
ومنذ احتلال القدس عام 1967، تتفنن سلطات الكيان الاسرائيلي في وضع سياسات هدفها تفريغ الفلسطينيين مقابل زيادة عدد اليهود لتغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي للمدينة وذلك ضمن خطة منظمة ومحكمة ومقننة، ازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة. ففي جريمة مشابهة بدأت منذ ما يزيد على الثلاثة أعوام،تشهد فيها قرية سلوان الملاصقة للمسجد الأقصى من الناحية الجنوبية الشرقية وتحديداً حي بطن الهوى في القرية عملية تهجير جماعي قسري للمقدسيين لصالح جمعية عطيرات كوهينيم الاستيطانية المسلّحة بقرارات المحكمة الاسرائيلية العليا، وبمجموعة من الأوراق والوثائق المزورة بملكية اليهود اليمنيين لبيوت الحي قبل عام 1948 . حيث تم تقديم دعاوي إخلاء لمئات الأسر الفلسطينية في القرية أو إجبارهم على هدم بيوتهم أو دفع غرامات هائلة مقابل رفض أية التماسات ضد هذه الدعاوي المجحفة مما يهدد آلاف السكان بالتشرد والبقاء دون مأوى.
جريمة اسرائيل في القدس لا تقف عند حدود السيطرة على المدينة، بل تتعداها لتصبح جريمة مزدوجة بحق الانسانية المهدورة للفلسطيني المقدسي. الشيء الذي يتطلب العمل على مستويين:الأول إعلامي توثيقي فاضح للممارسات الاسرائيلية والثاني مادي من أجل انشاء صندوق عربي مخصص لدعم السكان المقدسيين!
بقلم د. أماني القرم