منذ أن غزا الصهاينة أرضنا وقام شعبنا بمقاومة هذا الغزو الصهيوني وبكل امكاناته البسيطة، وجه الثائر والمقاوم الفلسطيني بندقيته نحو العدو الصهيوني، وتحدد بذلك هدف الصراع بأنه صراع وجود، صراع ضد المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني، ومنذ أن انطلقت الثورة الفلسطينية في فاتح عام 1965 كان هدف بندقيتها ضد الاحتلال إلا في حالات الدفاع عن النفس عندما استهدفت الثورة من محيطها العربي، كما أن الثورة الفلسطينية وبقيادة حركة " فتح " أعلنت أن تناقضها الرئيس هو مع الاحتلال، وإن أي تناقض داخلي هو في خدمة الاحتلال، ولكن بعد التطورات السياسية التي حدثت في المنطقة العربية وتأثر الوضع الفلسطيني بها برزت قوى فلسطينية جديدة عرفت بالتيار الإسلامي، هذا التيار الذي أوجد في الساحة الفلسطينية تناقضا داخليا تحت يافطة التكفير والتخوين، ومحاربا اتفاق أوسلو ورافضا أن يكون مشاركا في مؤسسات السلطة التي كانت نتيجته الرئيسة وخاصة المجلس التشريعي وحكومة السلطة ورئاسة السلطة، وبقي هذا التيار الإسلامي وعلى مدى عشر سنوات محاربا للسلطة الفلسطينية بكل مكوناتها، حتى انخرط في عام 2006 انخراطا كليا في مؤسسات السلطة حتى أصبح يترأس المجلس التشريعي ويترأس الحكومة، ولم يمض عام ونصف حتى انقلب هذا التيار متمثلا بحركة حماس على الوضع الفلسطيني وقام بعملية الحسم العسكري وذلك بعد أن سيطر بالقوة العسكرية على كل مرافق السلطة في قطاع غزة، وبعد أن وجه بندقيته نحو أبناء شعبه من حركة فتح حيث قتل منهم أكثر من خمسمائة شخص في انقلابه العسكري في تموز عام 2007، وعلى مدى الإحدى عشرة سنة التي مضت على الانقلاب العسكري وفشل كل محاولات واتفاقات المصالحة والتي تم السعي لها فلسطينيا وعربيا واقليميا، بقيت تصريحات هذا التيار الإسلامي تصعد العداء الفلسطيني الفلسطيني، رغم إن التيار الإسلامي والمتمثل أساسا بحركة حماس قد أجرى مقاربة سياسية مع منظمة التحرير الفلسطينية ومع حركة " فتح " حيث قبل بإقامة دولة فلسطينية بحدود الرابع من حزيران، ومع هذه المقاربة صعد عدائه وتناقضه ضد منظمة التحرير و ضد حركة " فتح " وأخيرا ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس والذي ترافق هذا مع مواقف بعض أطراف العدو الصهيوني الداعية للتخلص من الرئيس أبو مازن ، ومع كل هذا فإن كلا من منظمة التحرير والرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة " فتح " وحكومة السلطة وقفت جميعها ضد مشروع القرار الأمريكي الذي قدم في الأمم المتحدة لإدانة حركة حماس تحديدا ومعها حركة الجهاد الإسلامي بأنهما حركات إرهابية، ولإن القيادة الفلسطينية تؤمن إيمانا مطلقا بأن التناقض الرئيس هو مع الاحتلال وليس مع حركة حماس استطاعت أن تفشل بجهودها مشروع القرار الأمريكي ، وجاء موقف القيادة الفلسطينية على أنه من حق الشعب الفلسطيني أن يمارس مقاومة الاحتلال الصهيوني لبلاده، وأن حركة حماس هي حركة مقاومة وليست حركة إرهابية، وإن حركة حماس جزء من النسيج الفلسطيني الذي من حقه مقاومة الاحتلال بكل أشكاله، فالدفاع عن حماس في الأمم المتحدة هو دفاع عن كل المشروع الوطني الفلسطيني.
ولأن المشروع الوطني الفلسطيني يعمل على مقاومة الاحتلال بالأسلوب الذي يحمي أبناء شعبنا من الأبادة، وإنه مقابل ممارسات الاحتلال اليومية ضد أبناء شعبنا قتلا وتدميرا واعتقالا تم تنفيذ عمليتي بركان وعوفر ضد المستوطنين الصهاينة والتي أدت إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوف الاحتلال، مما جعل الاحتلال يطارد منفذي عمليات المقاومة، حيث أدت عمليات المطاردة هذه إلى استشهاد كل من الأبطال نعالوة والبرغوثي ومطير يوم الخميس، هذا الاغتيال لأبطال المقاومة جعل من يوم الجمعة يوم غضب فلسطيني ضد الاحتلال.
وخرجت الجموع الفلسطينية لتعبر عن موقف فلسطيني موحد ضد ممارسات الاحتلال، ولأن الغضب الفلسطيني هذا يستهدف الاحتلال كان لا بد أن يكون في ظل العلم الفلسطيني، هذا العلم الوطني المعبر عن وحدة الأرض والشعب، ولأن هذا الغضب الفلسطيني كان يؤكد على أن التناقض الرئيس هو مع الاحتلال فكان لا بد من أن تعبر شعارات الغضب الفلسطيني على رفضها لوجود الاحتلال، ولكن حركة حماس التي تصر دائما على تفجير تناقضها الداخلي وخاصة مع القيادة الفلسطينية بعيدا عن حسابات المكان والزمان وجدناها تصر على رفع رايتها الخضراء بديلا عن العلم الفلسطيني الذي هو رمز وحدة الشعب الفلسطيني، وبدل أن تتوجه شعارات حماس ضد الاحتلال، كانت شعاراتها تتساوق مع شعارات العدو ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس هادفة من وراء ذلك إلى تأجيج صراع فلسطيني فلسطيني، صراع لا مصلحة لأي فلسطيني فيه بما فيها حركة حماس، لأن المستفيد الأكبر من هكذا صراع هو الإحتلال الصهيوني.
لذلك أدى تأجيج الصراع الداخلي بدل تصعيد الصراع الرئيس مع العدو إلى ممارسات خاطئة وغير مقبولة بالشكل الذي مورست به من قبل الجميع، لأنه كان لا بد من ضبط الأمن وعدم السماح بانجرار الشارع الفلسطيني إلى الفلتان الأمني الذي كان بهدف الاحتلال إلى تفجير فتيله.
إن عدم الوعي والإدراك لمعادلات الصراع على الأرض مع العدو الصهيوني يجعل شعبنا محل استنزاف من قبل العدو نفسه من خلال عملائه ومأجوريه داخل صفوف شعبنا.
لذلك إن عملية تقييم لما حدث يوم الجمعة تتطلب موقفا فلسطينيا مسؤولا، ولا سيما إن الاحتلال استطاع استغلالها أبشع استغلال من خلال بث التصريحات السامة في داخلنا الفلسطيني، وإن عملية التقييم المطلوبة يجب أن تستند على قاعدة إن التناقض الرئيس هو مع الاحتلال، ولا تناقض في ظل الاحتلال إلا مع الاحتلال نفسه، وإن تأجيج التناقض الداخلي هو خدمة مجانية للاحتلال.
2018/12/15. صلاح صبحية