في الوقت الذي أراد فيه رئيس وزراء الاحتلال "الإسرائيلي" "بنيامين نتنياهو" حرف الأنظار نحو قطاع غزة والشمال، فاجأ مقاومو الضفة المحتلة العدو بتنفيذ سلسلة عمليات مؤلمة أسفرت عن مقتل وجرح العديد من الجنود والمستوطنين، والأهم فيها أنها أعادت الضفة المقاوِمة إلى قلب المواجهة، وأكدت مرة أخرى، أن المقاومة في الضفة لا تنطلق من فراغ بل لديها بيئة داعمة ومناصرة، ومن المرجح أن يتسع هذا التأييد في صفوف "الضفاويين" تحديدًا في المرحلة المقبلة بفعل وجود الاحتلال وممارساته الإجرامية. يضاف إلى ذلك ما ينفذه المستوطنون وبحماية جيش الاحتلال من اعتداءات ، ومصادرة الأراضي، والتهويد، والاعتقالات، والقتل التي تستهدف المواطنين وممتلكاتهم على امتداد الضفة الغربية والقدس وبغطاء أمريكي واضح وصريح لعدوانها المستمر ضد شعبنا.
أثبتت العمليات الأخيرة في الضفة المحتلة والأحداث المتنقلة أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم، وأن خياره منذ بدء الغزوة الصهيونية كان ولا يزال الاستمرار بالمقاومة حتى دحر هذه الغزوة الاستعمارية. فقد تتغيّر أساليب المقاومة من الحجر إلى السلاح إلى عمليات الدهس وإطلاق النار، لكنها بالتأكيد لن تتوقف ولن يستسلم شعب أمضى في هذه المقاومة وهذا الجهاد أكثر من مئة عام وهو يناضل ضد هذه الغزوة التي ستُهزم في نهاية المطاف.
لقد أعادت سلسلة العمليات القوية في الضفة المحتلة لدى الاحتلال طرح سؤال: هل ستتفجر الانتفاضة إلى جانب زيادة في أعمال المقاومة من جديد؟
إن الإجابة على هذين التساؤلين تنطلق من أن الاحتلال نفسه يدرك أن الفلسطيني الذي لم يستكن طيلة وجود الاحتلال على أرضه لا يمكن اليوم أن يستكين، وأن المقاومة لديها حاضنتها الشعبية، رغم "التنسيق الأمني المقدس" الذي لا تزال السلطة وقادتها يتمسّكون به، ورغم ذلك لمسنا فشل الاحتلال في معركة البوابات الإلكترونية، وفشله في حسم معركة القدس لصالحه وهزيمة المقدسيين، وذلك رغم استمرار إجراءاته التعسفية: قتلًا واعتقالًا ومصادرة للأراضي، و"تشريع" الاستيطان القائم، والتنكيل بالمواطنين الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم وهدم بيوتهم، والذي ردّت عليه المقاومة باستمرار العمليات، وتوقّعات بتصاعدها وبقرب تفجّر انتفاضة من جديد.
وبناء عليه فقد دعا "أيال زيسر" في "يسرائيل هيوم"، إلى "تجفيف مستنقع ما أسماه "الإرهاب" بالبدء بمكافحة التشجيع والشرعية اللذين يعطيان لمنفذي العمليات من جانب المجتمع الفلسطيني الذي يخرجون منه، بمعنى آخر ضرب البيئة الحاضنة للمقاومة أي الشعب الفلسطيني. بينما يرى "ناحوم برنياع" أن "حكومات إسرائيل" قد تنقّلت بين مدرستين متعارضتين: الأولى تؤمن بالعقاب الجماعي، والثانية فتؤمن بالفصل بين المقاومة وشعبها. ولهذا دعا "أيال زيسر" قادة السلطة الفلسطينية لأداء دور مهم في عملية المكافحة تلك، ما دام أنهم يدّعون "بأنهم شركاء إسرائيل في مكافحة الإرهاب والعنف والجهود لإحلال السلام والأمن في المنطقة"، حسب تعبيره.
ويرى "عاموس هرئيل" في صحيفة "هآرتس"، أن القدرة على اجتثاث هذا التوجّه في ازدياد أعمال المقاومة التي قد تؤدي إلى اندلاع انتفاضة في الأيام القادمة، وقبل أن يتّسع، ترتبط بالأساس بأداء القوات على الأرض – بالصورة التي ستنتهي فيها الأحداث القادمة، والتي يمكن لنجاح آخر للمقاومة فيها، أن يجلب في أعقابه موجة من محاولات التقليد.
وأبدى الصحفي "الإسرائيلي" في "يديعوت أحرونوت"، "ناحوم برنياع"، القلق بعد سلسلة عمليات إطلاق النار في منطقة عوفرا. وأن التقدير الذي أشار إلى أن حماس فشلت في مساعيها لربط مؤيديها في الضفة بالحملة التي تخوضها على الجدار في غزة كان سابقا لأوانه. وهذا يعني أن التخوفات الإسرائيلية قائمة على أسس واقعية بدأ جيش الاحتلال والمستوطنين بتلمّسها على أرض الواقع.
إن المخاطر الموجودة والتي تحيق بالجميع، تحتم على قيادة السلطة الفلسطينية، وبالتحديد الرئيس أبو مازن أن يدعو إلى عقد اجتماع عاجل للإطار القيادي الفلسطيني من أجل الاتفاق على برنامج وطني شامل أولى أولوياته قيادة المرحلة القادمة كمرحلة تحرر وطني، والوصول إلى نهاية حاسمة للانقسام، بخاصة بعد التحريض "الإسرائيلي" عليه، وفشل خيار التسوية، ما يحصّن الساحة الفلسطينية ويحقق الإنجازات ويقضي على الانقسام النكد.
بقلم: هيثم أبو الغزلان
15-12-2018