ليس لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن يراهن على بعض الإنجازات حتى يضمن مستقبله السياسي، ذلك أن تلك الإنجازات محدودة، رغم أهميتها، خاصة في ظل ظروف عربية وإقليمية ودولية لم تكن في مصلحة إسرائيل كما في هذه الفترة.
في هذه الفترة، وبدون حروب كبرى تحقق فيها إسرائيل الانتصار يعاني الوضع العربي من صراعات مدمرة، ومخاوف حقيقية من قبل ما تبقى من الأنظمة التي تعتقد أنها محصنة.
الوضع العربي الرسمي مفكك، ويكاد لا يجمع على قضية واحدة من بين التحديات الخطيرة التي تواجه النظام العربي الرسمي فيما تعيش حركة التحرر العربية، والأحزاب والجماعات الوطنية، والقومية أسوأ أوضاعها.
الجماهير العربية مطحونة، وتزداد فقراً وتهميشاً، في ضوء السياسات الرسمية، التي تغيب عن أجنداتها، الاهتمام بالتنمية والنهوض بالمجتمعات، وفي ضوء المخاوف الحقيقية من نتائج المخططات الخارجية، ومن الجماعات الإرهابية.
ليس أفضل حالاً، ما يتصل بالعالم الإسلامي، الذي هو بالكاد قادر على حماية نفسه، والصمود أمام اشتداد الصراعات الدولية وعمليات الاستقطاب الحادة الجارية في خضم تشكل النظام الدولي الجديد متعدد الأقطاب.
على الصعيد الدولي تنجح الولايات المتحدة عبر وسائل أنانية وغير مشروعة، لمنع الدول الفاعلة من أن تترجم قراراتها سواء التي تتعلق بمصالحها الخاصة أو بالقضايا الكبرى كالقضية الفلسطينية، إلى أفعال ذات أثر ملموس. ثمة توسع مطرد في مجال تضامن المجتمعات مع القضية الفلسطينية وتفهم متزايد لحقائق الصراع في المنطقة، لكن هذا التضامن لا يزال سياسياً ونظرياً، وإن كانت تتم ترجمته باتخاذ المزيد من القرارات لصالح القضية الفلسطينية في أروقة الأمم المتحدة.
الفلسطينيون يعانون من انقسام خطير، مرير، لا يبدو له مخرج ويتعرضون لضغوط وحصار من قبل الولايات المتحدة، وتراجع الدعم العربي، فيما إسرائيل تُصعِّد من اعتداءاتها، وتُكثِّف من استيطانها للقدس والضفة الغربية.
هذه الأوضاع مثالية لدولة الاحتلال، وتشكل في ظل إدارة كإدارة الرئيس ترامب، فرصة تاريخية لكي تنجز إسرائيل معظم إن لم يكن كل ما تحلم به، بأقل الأثمان لولا أنها تواجه شعباً لا يشبهه شعب آخر على وجه الأرض كما يعترف بذلك أكثر من كاتب إسرائيلي.
يقول أحدهم، بإمكان إسرائيل أن تنكِّل بالفلسطينيين وأن تبني المزيد من المستوطنات، وتصادر المزيد من الأراضي، وأن تمارس سياسة إضعاف السلطة الوطنية، بإمكانها أن تفعل الكثير ولكن الشعب الفلسطيني باقٍ هنا.
فبالرغم من مرور أكثر من عام على القرار الأميركي الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونحو نصف عام على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، إلاّ أن دولتين فقط هما غواتيمالا، وأستراليا مؤخراً، اعترفتا بالقدس عاصمة لإسرائيل.
إنجاز يدعو الإسرائيليين إلى الإحباط الشديد، ذلك أن الولايات المتحدة استخدمت وتستخدم كل إمكانياتها الضخمة المالية والعسكرية والسياسية، لحث الدول الأخرى على أن تفعل ما فعلته هي ولكن النتيجة اقرب إلى الصفر حتى الآن. قد تلحق بعض الدول الأخرى خلال الفترة القادمة، ولكن لا يبدو أن إسرائيل ستحظى بموافقة عدد يزيد على أصابع اليدين، الأمر الذي يعكس رأياً عاماً دولياً لا يزال يقف على الحق، ويرفض الاستجابة لمحاولات تجاوز القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
وبإمكان نتنياهو أن يتغنّى لبعض الوقت، بنجاح حكومته في اختراق جدار رفض التطبيع، لكنه رغم ذلك لن يحظى ولا لدقيقة واحدة، في أن تعترف الشعوب العربية بإسرائيل، أو أن تتعامل معها من غير موقعها كعدو للأمة العربية.
حتى الدول العربية التي ترغب في تعزيز تعاونها مع إسرائيل، لا تزال تفعل ذلك بتحفُّظ شديد، وبخطوات بطيئة ومعزولة. وربما كان على إسرائيل أن تقرأ التاريخ جيداً، ذلك أن العلاقات التي أقامتها مع دول مثل مصر والأردن، على خلفية اتفاقيات السلام، لم تمكِّنها من اختراق المجتمعات هناك، ولا حتى على الصعيد الإعلامي.
إسرائيل تهتز من الداخل، وتفقد الثقة بالجيش والأجهزة الأمنية، وبقدرة الحكومة على مواجهة التحديات التي يخلقها الشعب الفلسطيني. وبالرغم من ذلك، فإن الصوت الفلسطيني ينبغي أن يكون أعلى بكثير، لمطالبة الدول العربية الامتناع عن إقامة أي علاقات مع إسرائيل، ومطالبتها بتطبيق قرارات القمم العربية التي تطالبها بقطع العلاقة مع أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
بقلم/ طلال عوكل