علينا أن نتفق أنه لا وجود لما يسمى باليسار في دولة الإحتلال.....والصراع كما شاهدنا في الفترة الأخيرة على من يتولى وزارة الجيش والحرب عندما استقال ليبرمان منها وانسحب حزبه من الحكومة كان يدور بين أقطاب اليمين العلماني المتطرف واليمين الديني المتطرف ، والطرفان متفقان على عدم منح الفلسطينيين أية حقوق سياسية ووطنية ولا للعودة لحدود الرابع من حزيران /1967، ولا لدولة فلسطينية وعاصمتها القدس ولا لعودة اللاجئين والقدس "موحدة" وعاصمة أبدية لدولة الإحتلال.
وضمن هذه المواقف وعلى أساسها يواجه نتنياهو مقاومة الضفة الغربية التي دقت أبواب الاحتلال، معتقداً ومتوهماً بأن الشعب الفلسطيني وصل حد الإستسلام ونتنياهو الذي يعيش مأزقه بأزماته الداخلية سياسية وعسكرية وقضائية وخارجية وإغلاق المجال الجوي السوري أمام طائراته، وفشل العقوبات الأمريكية على طهران، وعدم القدرة على إخراج قواتها من سوريا وكذلك عدم قدرته على شن حرب على حزب الله، حيث كانت عملية ما يسمى بـ"درع الشمال" عبارة عن بالون منفوخ جرى تنفيسه ليتمخض الجبل ليس فأراً، بل فئيراً صغيراً.
الحديث عن كشف أربعة أنفاق ليست جاهزة، أو لربما هي سيناريو ومسرحية من مسرحيات نتنياهو الذي يجيد " الدعاية الفوضوية" والعلاقات العامة التي تبعد التفاف الحبل حول رقبته وتخرجه من مأزق المحاكمة بسبب فساده وخداعه وانتهاك الأمانة، وما يترتب على ذلك من نهاية مستقبله السياسي وقضاء العديد من السنوات خلف قضبانه.
شعبنا في الضفة الغربية، كما هو الجمل العربي الأصيل، الذي يتمتع بالصبر وطول النفس، ولكنه إذا ثار فإن ثورته عنيفة وينتقم من كل من يحاولون إذلاله والنيل من صموده وحقوقه وكرامته ...ولذلك أتت وتأتي المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية في إطار الرد على كل جرائم الاحتلال وعربدات مستوطنيه والتي وصلت حداً لا يطاق، وعلى إرهاب الجماعات الجماعات الصهيونية المسماة بـ " تدفيع الثمن" التي تعتدي على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم وأماكن عبادتهم وحتى مقابرهم دون ان يجري إعتقالهم أو حتى مساءلتهم على تلك الجرائم.
نتنياهو في إطار مواجهته لعمليات المقاومة في الضفة الغربية، والتي وحدت الشعب الفلسطيني على طول وعرض الجغرافيا الفلسطينية، قال بأنه سيستخدم أقصى أنواع القوة من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية، ولجأ الى خياراته المعهودة والتي خبرها وجربها جميعاً، وهي التي تعبر عن مازقه وإفلاسه، حيث أعلن سن واتخاذ المزيد من الإجراءات القمعية والتنكيلية بحق شعبنا الفلسطيني، منها هدم منازل الشهداء منفذي العمليات، حيث جرى هدم منزلي عائلة الأسير اسلام أبو حميد والشهيد أشرف نعالوة، والقيام بعمليات إعتقالات إدارية واسعة تشمل الضفة الغربية والقدس، وتسريع وزيادة وتائر الإستيطان، وشرعنة أكثر من 70 بؤرة استيطانية، وتكثيف الوجود العسكري والشرطي على الحواجز والشوارع، والإستمرار في عمليات الحصار والإقتحام والدهم والتفتيش للقرى والمدن الفلسطينية، وسحب تصاريح العمل ليس من عائلات منفذي عمليات المقاومة فقط، بل البلدة التي خرجوا منها، ومصادقة اللجنة الوزارية للتشريع على مشروع القرار المقدم من زعيم البيت اليهودي المتطرف بينت بطرد عائلات الشهداء الى مكان أخر في الضفة الغربية أو قطاع غزة بدون إستكمال الإجراءات القضائية ، وكأن الإحتلال ونتنياهو وأجهزته الأمنية، لم يمارسوا ويجربوا كل هذه الأشكال من العقوبات الجماعية بحق شعبنا في القدس وباقي الضفة الغربية، بما في ذلك إحتجاز جثامين الشهداء، وحتى إعتقال من حضروا حفلة زواج ابنة الشهيد مصباح أبو صبيح المحتجز جثمانه، بمن فيهم العريس نفسه.
الإحتلال وقادته ومستوطنوه أصيبوا بحالة من الهوس والسُعار، حيث وجدنا قطعان المستوطنين وسوائبهم تنفلت من عقالها تحت حراسة جيش الإحتلال، وتقوم بإغلاق مداخل القرى الفلسطينية، والشوارع المؤدية اليها، وكذلك الشوارع الواصلة بين المدن الفلسطينية، والشروع في الإعتداء على المواطنين وممتلكاتهم ومركباتهم بطريقة وحشية، حيث أصيب الكثير من المواطنين بجروح بعضها خطير ومتوسط، ناهيك عن عدم قدرة الكثير منهم من العودة لمنازلهم، وقد اظهر شعبنا في تأمين أماكن النوم وإستضافة من تقطعت بهم سبل القدرة على العودة ، حالة تضامنية عالية تذكر بإنتفاضة شعبنا الأولى،انتفاضة الحجر كانون اول 1987.
المحتل بإطلاق سوائب المستوطنين، يريد أن يبث الذعر والخوف في صفوف أبناء شعبنا الفلسطيني، وأن يبعت برسائل لهم، بأن ثمن مقاومتكم سيكون باهظاً جداً، ولن يقتصر على ما تقوم به أجهزة الأمن الإسرائيلي والجيش من قمع وتنكيل واعتقال وتدمير وتخريب وسحب تصاريح عمل وإستيطان وحتى قتل، بل سيتم تحويل حياتكم الى جحيم لا يطاق، من خلال إنفلات المستوطنين من عقالهم، ومهاجمتكم على مدار الساعة.
في ظل إنسداد أفق سياسي، وصفقة قرن يراد لها، ان تشطب وتصفي قضيتنا بشكل نهائي، فإن الإنسان الفلسطيني بعد سبعين عاماً من الإحتلال لم يعد مقتنعاً بالثرثرات السياسية والحديث عن حلول ومؤتمرات ودهاليز مفاوضات عبثية وهذا الفلسطيني بات على قناعة تامة بأن ما جرى ويجري سيجعله يخسر وطنه... لهذا بوصف الكاتب نصار ابراهيم" فإنه يواصل "جنونه" فلا يعترف بنصف وطن أو ربع وطن... أو شبه وطن.. فإما أن يكون الوطن كاملا أو لا يكون.
هذا الفلسطيني الذي لا يجيد، في مسألة الوطن، لغة السوق والسماسرة يعيد تأكيد البديهيات على طريقته، إنه يعرف أنه لا يملك طائرة ولا دبابة ولا غواصة ولا مدمرة ولا نفطا أو غازا، لكنه مع ذلك يقرر أن أن يذهب إلى دائرة الصمود والنضال ويواصل التقدم ويحمل في قلبه رسالة سياسية وإنسانية وأخلاقية.. تقول الرسالة: أنا الفلسطيني أحب الحياة ما استطعت إليها سبيلاً، لا أقدس الموت إلا بقدر ما يكون طريقا لوطن حر ودربا للحياة كم أريدها.
نتنياهو ومستوطنوه مهما غالوا في القمع والتنكيل والعقوبات الجماعية بحق شعبنا في الضفة الغربية الذي لن يتراجع عن خياراته وحقه في الحرية والإستقلال والإنعتاق من هذا الإحتلال.
ويبقى السؤال الجوهري هل سيوحد الدم الفلسطيني ما فرقته المصالح والرهانات والحسابات الخاطئة أم سنبقى ندور في الحلقة المفرغة ونعلي مصالحنا الخاصة فوق المصالح الوطنية العليا لشعبنا؟.
بقلم/ راسم عبيدات