موسم الحجيج العربي الى دمشق

بقلم: راسم عبيدات

رغم كل الملاحظات على الزول البشير الرئيس السوداني،بإنتقاله من محور المقاومة الى المحور السعودي- الإماراتي - القطري،ومشاركته في الحرب العدوانية الى جانب السعودية وما يسمى بالتحالف العربي على اليمن وأطفالها ...ولكن ان تأتي متاخراً خيراً من ان لا تأتي .....وصمود سوريا وثباتها على الثوابت والمواقف والمبادىء،وتعرض عرب المحور السني " الناتو" العربي- الأمريكي الى الإبتزاز المتكرر من قبل أمريكا والقوى الإستعمارية في "إستحلاب " أموالها ونهب خيراتها وثرواتها ،ومحاولة تغريبها عن قيمها وتشويه معتقدها الديني عبر جماعات ومنتجات تكفيرية إرهابية بوهيمية استجلبتها ومولتها وسلحتها من اجل تحقيق اهدافها ومشاريعها في تدمير الأمة العربية وتفتيت جغرافيتها ونهب خيراتها وثرواتها وإعادة عجلة تقدمها وتطورها الى الوراء مئات الأعوام،وقتل أبنائها وخلق ندوب وثارات عميقة مجتمعية بين مكوناتها الأثنية والطائفية والمذهبية يصعب دملها ،وحرف الصراع عن أسسه وقواعده مع الإحتلال الصهيوني من صراع عربي- صهيوني جوهره القضية الفلسطينية الى صراع اسلامي- اسلامي مذهبي( سني - شيعي) عبر عدو وهمي وافتراضي صورته لها امريكا واسرائيل ألا وهو ايران التي تهدد امن الأمة العربية واستقرارها واستقرار المنطقة ودفعها الى علنية وشرعنة علاقاتها التطبيعية مع اسرائيل على حساب قضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ولعل الخرطوم كانت واحدة من العواصم التي كان من المفترض أن يزورها رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو...ولكن الزول عمر البشير بزيارته لدمشق ينفي ذلك ..والزول البشير رأسه مطلوباً لأمريكا ومحكمة الجنايات الدولية،ليس لإتهامه بإرتكاب عمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية،بل لكونه كان يدعم قوى المقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي) ويسهل وصول السلاح اليها من طهران،والسودان تعرضت لأكثر من عدوان إسرائيلي- امريكي على خلفية ذلك.
زيارة الزول البشير الى دمشق أتت في ذروة تطبيع المشيخات الخليجية العربية لعلاقاتها مع الإحتلال،والتي وصلت حد " الإندلاق" والتباهي والتفاخر،وكأن العمالة أصبحت وسام " شرف"،في ظل وهم واعتقاد خاطئين،بأن من يطبع علاقاته مع دولة الاحتلال ينال رضى " المعشوقة" أمريكا،رأس البلاء والدمار والنهب لخيرات وثروات الأمة وقتل أبنائها،وبانه بتحلله من التزاماته القومية والعربية،وبإعترافه بإسرائيل كمكون طبيعي من مكونات جغرافيا المنطقة ،سيحقق للأمة ولشعبه " الأمجاد و"التقدم"،والصحيح بان من يقدم على ذلك سيخضع للمزيد من الشروط والإملاءات الأمريكية والإسرائيلية،وخير شاهد ودليل على ذلك ما يجري من "إستحلاب" مالي للسعودية على يد المتصهين ترامب،وفي الوقت الذي تتوقف فيه عن الدفع المالي،سيشهر سيف محكمة الجنايات الدولية في وجه بن سلمان،وهو ما بات يدركه بن سلمان والنظام السعودي.
ربما وحتى هذه اللحظة لسنا متيقنين بان زيارة الزول البشير الى دمشق،ستشكل بداية مرحلة جديدة ونهاية مرحلة قديمة تاهه فيها الكثير من العرب وفقدوا البوصلة والإتجاه،بمن فيهم بعض الأطراف الفلسطينية،واعتقدوا بأن النظام السوري لن يصمد في وجه المؤامرة الكونية أكثر من أسابيع او لربما أشهر على أبعد تقدير،ولذلك انخرطوا فيها،والنتيجة صمود سوريا وانتصارها،وفشل المشروع الأمريكي لتفتيتها وتقسيمها واختطاف هويتها،ونأمل ان تكون زيارة البشير بداية عمل عربي مشترك يعظم مصالح الأمة العربية فوق أي مصالح قطرية أو جهوية.
نحن ندرك تماماً بان زيارة الزول البشير الى سوريا، لا تمثل البشير كشخص،بل هو يعبر عن محور اصطف ضد سوريا تمثله السعودية والإمارات وقطر ومصر،هذا المحور الذي جمد عضوية سوريا في الجامعة العربية في تشرين ثاني /2011 ،وشارك بشكل مباشر او غير مباشر في العدوان عليها،ولذلك فإن البشير يحمل رسائل من هذا المحور الى الرئيس الأسد،ولعل السعودية تقف في مقدمة هذا المحور،فهي من كانت ترفض أي حل سياسي للأزمة السورية،يبقي الرئيس الأسد في الحكم،ولكن في ظل تعمق أزمات السعودية،ولربما مراجعة موقفها على ضوء التطورات الحاصلة في المنطقة،والتي تشير الى ان سياستها الخارجية،لم تحصل سوى الفشل في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين،وكذلك مواقف الإدارة الأمريكية ممثلة بالكونغرس ووكالة المخابرات الأمريكية،الداعمة لمحاكمة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان،كمسؤول مباشر عن عملية قتل وتقطيع الخاشقجي في سفارة بلاده في واشنطن،كلها عوامل دفعت السعودية الى وقف تمويلها لما يسمى بالمعارضة السورية،وحل الهيئة العليا للمفاوضات،وطرح ضرورة حل الأزمة السورية سياسياً.
هذا التحالف أو المحور لربما حدثت لديه صحوة،بأن اضعاف سوريا والإبتعاد عنها،يشكل إضعافاً للأمة العربية ،وتقدم مشاريع أخرى في المنطقة،وفي المقدمة منها المشروع التركي،تركيا التي لها أطماع في الجغرافيا العربية ( سوريا والعراق) واحلام بتسيُد العالم العربي والإسلامي ،وإعادة امجاد الخلافة التركية على حساب الأمة العربية،فوزير خارجيتها جاويش اوغلو قال بان حكومة بلاده مستعدة للتعامل مع الرئيس الأسد إذا ما فاز في انتخابات ديمقراطية شفافه على حد وصفه.
زيارة البشير قد تكون حملة دعوة الى سوريا الى العودة الى الجامعة العربية،وحضورها للقمة العربية القادمة التي ستعقد في تونس في الربيع القادم،ولربما حضور القمة الاقتصادية العربية التي ستعقد في بيروت الشهر القادم،المهم هناك مراجعات عربية لمواقفها من دمشق،فخسارة دمشق هي خسارة للعرب،ووصف الزول البشير لسوريا بأنه دولة مواجهة،وبانها بقيت متمسكة بمواقفها وثوابتها،وإستعداد بلاده لتقديم ما يلزم لدعم ومساندة سوريا، يؤكد على الدور المحور والمكانة الكبيرة التي تحتلها سوريا في المنطقة العربية وفي الإقليم.
يسجل للرئيس السوداني بانه اول رئيس عربي كسر الحصار على سوريا،رغم أن سوريا ليست هي المحاصرة،بل ما من تخلوا عن سوريا ووقفوا ضدها،هم من حاصروا أنفسهم،ويكفي أن نشير الى انه عندما فتح معبر نصيب – جابر التجاري بين سوريا والأردن،وتمتع الأردنيون بخيرات سوريا،وبأسعار منتوجاتها المنخفضة،قالوا بان من كان محاصراً هو الأردن وليس سوريا.
لن يكون الرئيس البشير هو اخر رئيس او ملك او أمير عربي يطرق بوابة دمشق،بل هناك من سيقومون بطرق بوابتها ونامل أن يكون أولهم أمير الكويت الشيخ صباح الجابر الصباح،وكذلك العديد من السفارات يعاد ترميمهما لكي يجري افتتاحها من جديد ،وكذلك الرسائل السياسية والأمنية والإقتصادية لدمشق لم ولن تتوقف.
سوريا دوماً تحملت الكثير من العرب رغم انهم تنكروا لها،وبقيت المحج والقبلة لكل المقاومين والمناضلين العرب،وترفعت عن كل الأخطاء والخطايا في سبيل المصالح الوطنية والقومية ،ودائماً سوريا تسامح وتلتمس الأعذار لم يخطىء بحقها من الأشقاء العرب.

راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
18/12/2018
0525528876
[email protected]