هل من حقنا أن نحلم، ولم لا نحلم، الحلم حق فردي، والحلم حق جماعي، والحلم هو ابتداء مسألة البناء وإعادة إعمار النفس البشرية، فكيف لا نحلم، نحلم في النهار كما نحلم في الليل، نحلم ونحن نحتسي فنجان القهوة، نحلم ونحن نجمع القمامة من الشوارع عند بزوغ الفجر، فعامل النظافة يحلم بأن يعتني الناس بنظافة شوارعهم كما هم يعتنون بنظافة حواجبهم لكي تصبح المدينة جميلة، فليس وحده عامل النظافة مسؤول عن مدينة يفتش أبناؤها حاويات القمامة، ومحافظ المدينة يحلم بشكوى موقع عليها باسم حائر في دوائر المحافظة المغلقة أبوابها ممن ليس لديهم وساطة وواسطة، فالوضع في المحافظة محافظ عليه من كل عيون المحافظة ، ورئيس الوزراء يحلم كما هم الوزراء يحلمون بأن لا ينكشف عريهم على سرير العاهرات حتى لا تسقط الوزارة، فأين سيمارسون عشقهم هروبا من نسائهم الطاغية، ويحلمون بأناس يمسكون لهم ورقة التوت فلا ينفضح جهلهم بعمل الوزارة، والحاكم أكان امبراطورا أم ملكا أم رئيسا يحلم كما هو الشعب يحلم، يحلم بطول الحكم حتى يسمي كل شوارع البلاد باسمه لكي يفتتح فيها دورات المياه حتى تكون ملجأ لمرضى السكر والسلس البولي ، فيدعون على موسيقى البول أن يطيل الله عمر حاكمهم لأنهم شعروا الآن براحة النفس وهدوء البال، والمواطن يحلم أن ينام وينام وينام حتى تعود الأخلاق سيدة المكان والزمان فلا يدفع المعلوم لمن بيده أمره المهموم.
فليس فينا من لا يحلم، وكل منا يخرج في حلمه من دائرة المكان والزمان ليعبر أقطار السماوات والأرض، لحظة خروج يجد فيها ذاته، لكنه ينقلب عائدا إلى مكانه وزمانه، فيضحك من نفسه أو يضحك عليها.
الحلم وحده لا يحمل جواز سفر أو تأشيرة خروج ودخول، يجتاز كل الحدود دون استجواب ويحط رحاله حيث يشاء، يقيم على الأرض أو يجوب الفضاء، فلا مطر يبلله ولا أشعة شمس تغير سحنته، يحب ويكره فلا أحد يوشي به ، يأمر وينهي دون أن يجد هروبا من لحظة الاستحقاق، فالحلم يشرق ويغيب في لحظة التكوين، والحلم يموت في لحظة انبعاث الحياة، لكنه الحلم يكتبنا بحبره السري رواية في سفر الحياة، هو يودعنا دائما ليعود إلينا في لحظة ليست على ميعاد، نتوق إليه فلا نجده، يهرب منا، نفتش عنه فيضيع منا السبيل إليه، فهو وحده يمتلك المكان والزمان.
ولكل واحد منا حلمه، وما أجمل أن نحلم بوطن يكون سيد نفسه، فلا نخشى ظلام النهار وظلمة الليل، ما أجمل أن نحلم بالمحبة والمودة تربط بيننا، وأن نحلم بالاحترام لبعضنا حتى نشد بعضنا بعضا ، وما أجمل أن نحلم بحياة بسيطة طيبة مباركة، فتعالوا معا نحلم.
2018/12/21. صلاح صبحية