حل التشريعي ليس الحل

بقلم: أشرف صالح

المحكمة الدستورية هي هيئة قضائية عليا مستقلة , تمثل أعلى سلطة قضائية في الدولة , وتتمثل إختصاصاتها في فصل النزاع بين السلطات الثلاثة , والرقابة على دستورية القوانين والأنظمة , وتفسير النصوص القانونية الأساسية في حالة التنازع , وإصدار أحكام دستورية وقانونية تتناغم مع فقه الواقع السياسي , ولا يختلف إثنان على شرعية هذه المحكمة والتي شكلها السيد الرئيس قبل عامين ونصف تقريبا , ولكن الإختلاف والذي تصدر وسائل الإعلام هذه الأيام هو حل المجلس التشريعي بقرار من المحكمة الدستورية العليا , وبعض الأحزاب السياسية وعلى رأسها حماس إعترضت هذا القرار مستعينة بخبراء ومتخصصين قانونيين , والجميع بات يبحث من جديد في ثغرات نصوص ومواد القانون الفلسطيني حتى يثبت الشرعية من عدمها .

إذا إعتبرنا أن حل التشريعي وسيلة وليس غاية فليس هناك مشكلة , لأن حل التشريعي هو وسيلة للوصول الى إنتخابات تشريعية كما أعلن السيد الرئيس في الجلسة , ومع العلم أنه من الممكن الإعلان عن إنتخابات تشريعية دون حل التشريعي , ويبقى كما هو لمدة ستة أشهر وحتى يستلم مجلس تشريعي جديد منتخب مهامه , ولكن الأمر مختلف بالنسبة لحماس حيث أنها وضعت مسألة حل التشريعي في قالب سياسي وتعاملت معه وكأنه ضمن عقوبات سياسية , ورغم أنها كانت تنادي بإنتخابات طوال الفترة السابقة إلا أنها رفضت هذا القرار كما جاء على لسان أحمد بحر نائب رئيس المجلس التشريعي , فإنه شكك في شرعية المحكمة الدستورية وتمسك في شرعية المجلس التشريعي , وأعلن عن إنعقاد جلسة طارئة للتشريعي في غزة الأربعاء القادم , في أول ردة فعل عملية على قرار المحكمة الدستورية , وهنا تكمن المشكلة وستزيد تعقيدا .

ومن هذا الواقع أستطيع كمراقب  أن أقول أن حل التشريعي ليس الحل , وحتى لو أثبت الرئيس شرعية قرار الحل , لأن جميع السلوكيات الفلسطينية وعلى رأسها القوانين والتشريعات تنصب في قالب الصراع السياسي , ولهذا يجب أن يكون الحل سياسيا بإمتياز , لأنه وبدون رضا جميع الأحزاب لن يكون سهلا تنفيذ أي قرار قانوني حتى ولو كان مرسوم رئاسي بإجراء إنتخابات , وخير مثال نستند اليه هو ما حدث سابقا , حيث أصدر الرئيس مرسوما بإقالة حكومة إسماعيل هنية بعد حالة الإنقسام مباشرتا , وتم تكليف سلام فياض رئيسا لحكومة جديدة في رام الله , ومع ذلك إستمر إسماعيل هنية يعمل تحت مسمى رئيس وزراء في غزة لسبع سنوات وحتى تم التوافق على حكومة رامي الحمدالله في عام 2014م , وأيضا فترة رامي الحمدالله كانت مجرد حكومة ظل بالنسبة لحركة حماس , لانها كانت تمتلك أدوات حكم مختلفة تماما عن حكومة الوفاق , فكانوا وكلاء الوزارات والمدراء العامون والقيادات والضباط في غزة يعملون تحت إمرت الحركة وليس تحت إمرت رئيس الوزراء , وهناك أيضا قرارات إتخذت بحق نواب في المجلس التشريعي حيث تم رفع الحصانة التشريعية عنهم , مثل بعض النواب المفصولين من حركة فتح , ولكنهم كانوا يذهبون الى المجلس التشريعي في غزة ويحضرون الجلسات ضاربين هذه القرارات عرض الحائط , وإتخذت غيرها الكثير من الإجراءات القانونية ولكنها لن تغير من الواقع السياسي شيئا .

أعتقد أن لدينا تجربة سابقة من خلال إثني عشر عاما من الإنقسام في الصراع بين المؤسسات السيادية في الدولة , وجميع القرارات القانونية والدستورية التي إتخذت خلال هذه الفترة لم تغير شيئ , وكما توقعت بالفعل قد حدث , بعد قرار حل المجلس التشريعي ستكون الإنتخابات والتي هي جوهر الموضوع مشكلة حقيقية بعدما كانت مطلب شعي وفصائلي على مدار سنوات الإنقسام .

ماذا بعد حل التشريعي؟

ستتوجه حركة حماس مدعومة ببعض الفصائل الى تسويق نفسها كأمر واقع بمعزل عن السلطة كما فعلت سابقا وكما تفعل الآن , ولكن هذه المرة سيكون توجهها بشكل قوي , وخاصة أنها حافظت على علاقتها مع النظام المصري كونه بوابة غزة على العالم , وسيستمر إنعقاد دورات المجلس التشريعي في غزة أكثر من السابق وستخرج منه تشريعات جديدة تعزز من بقاء حماس كأمر واقع , وخاصة التشريعات الإقتصادية , وكل هذا سيكون في سياق ردات الفعل المصحوبة بالعند ما بعد حل التشريعي , بالإضافة الى عمليات التسوية المتمثلة بالهدنة مع إسرائيل والتي لا تحتاج شرعية التشريعي أصلا , ولا تزال قائمة في غزة .

كان يجب على القيادة الفلسطينية أن تدرك هذا تماما , وأن تتعامل بسياسة الواقع أكثر من القوانين والتشريعات , لأن الخلاف بالأصل هو خلاف سياسي ويجب أن يكون الحل سياسي وجامع بين كل الفصائل , وفي حال عجز الحلول السياسية فيجب أن يكون المخرج هو إصدار مرسوم رئاسي فورا بإجراء إنتخابات رئاسية وتشريعية عامة بعد إبلاغ الجميع ودون أي مقدمات عقابية .

بقلم/ أشرف صالح