فجأة ودون مقدمات، يتفق رؤساء الأحزاب الإسرائيلية في الائتلاف الحاكم وبالإجماع على الذهاب الى حل الكنيست، وإجراء انتخابات مبكرة قبل خمسة اشهر من موعدها الأصلي بخلاف الموقف الذي تمسك به نتنياهو من قبل.
موافقة نتنياهو على حل الكنيست تثير شبهة بشأن الدوافع الشخصية التي تقف وراء موافقه المفاجئة التي يبررها بالخلاف القائم حول قانون تجنيد الحريديم (المتدينين).
وعلى أهمية الخلاف حول مشروع قانون تجنيد الحريديم، الذي كان سيؤدي في كل الحالات، الى إغضاب بعض أطراف التحالف اليميني الحاكم، سواء في حال الموافقة او الرفض من قبل نتنياهو، الا ان ثمة أسباباً أخرى هي التي تقف وراء هذا التحول.
لقد نضج في الأيام الأخيرة ملف الدعوى بشأن اتهامات بالفساد في ملف ٤٠٠ تحديداً، الأمر الذي يهدد مكانة نتنياهو ومستقبله السياسي، وبالتالي أراد ان يهرب من هذا الاستحقاق، خاصة وان حكومة تصريف الأعمال لا تملك الصلاحيات لتعيين قائد جديد للشرطة ومدعٍ عام، ما يعني ان نتنياهو سيظل يلعب في مساحة الفراغ.
ليس هذا وحسب، ذلك ان إجراء انتخابات مبكرة سيدفع الإدارة الأميركية الى تأجيل إعلانها عن صفقة القرن التي قال جرينبلات انها ستغضب الطرفين.
وإذا كان من المشكوك فيه ان تتضمن صفقة القرن او الأفكار الأميركية ما يغضب إسرائيل، التي تستطيع في كل الأحوال تجنب ذلك ان حصل، فإن إسرائيل قد حصلت حتى الآن على كمية وافرة من العسل. حصلت اسرائيل على قرار أميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لها، تبعه نقل السفارة الأميركية، وحصلت على سياق لتأزيم الأونروا، وبداية العمل لإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، وحصلت على توسيع بوابات التطبيع مع عدد من الدول العربية والإفريقية.
ليس هذا وحسب، بل ان إسرائيل التي تتلقى المزيد من الدعم، العسكري والاقتصادي والسياسي، تبدي ارتياحا شديدا لمستوى الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على الفلسطينيين وآخرها وقف عمل وكالة التنمية الأميركية في الأراضي المحتلة وتسريح مئات العاملين فيها.
مباشرةً ودون تأخير، جاء تعليق الإدارة الأميركية على قرار حل الكنيست بالإعلان عن تأجيل طرح صفقة القرن، الأمر الذي يضع إسرائيل في موقع مريح. نتنياهو الذي تجدد له ولحزبه استطلاعات الرأي، الثقة بالحصول على الكتلة الأكبر، سيحاول خلال هذه الفترة تعظيم هذه النتائج عبر سلوكيات وسياسات متطرفة لحسابه الخاص، وليس لحساب الحكومة.
يعتقد نتنياهو أن بمقدوره دفع استحقاقات لوائح الاتهامات بالفساد الى مرحلة طويلة، فاذا تقدم النائب العام بلائحة اتهام، فإن ذلك سيكون تدخلاً وتحريضاً خلال مرحلة الإعداد للانتخابات، أما اذا لم يفعل ذلك، فإنه سيكون من الصعب عليه ان يقدم لائحة الاتهام بحق رئيس حكومة جدد له الجمهور الثقة.
خلال هذه الفترة حتى موعد الانتخابات، من المتوقع ان تتصاعد العدوانية الإسرائيلية، التي تغذي التنافس بين الأطراف باستخدام الدم والحقوق الفلسطينية.
بوادر هذا التصعيد من قبل رئيس الحكومة وزير الدفاع بنيامين نتنياهو، ظهرت خلال يوم واحد، قبل جلسة الكنيست من خلال عدوان عسكري إسرائيلي على سورية هو الأضخم منذ جريمة إسقاط الطائرة الروسية في أيلول الماضي.
وبالتزامن، يعلن نتنياهو عزمه على اتخاذ قرار ببناء ألفين وخمسمائة وحدة سكنية كان مقدمها الفا ومئتي وحدة، لن تكون هي كل ما تجود به قريحة نتنياهو لإرضاء المستوطنين الذين يناهز عددهم سبعمائة ألف مستوطن في الضفة الغربية.
القدس هي الأخرى سيكون لها نصيب كبير من العدوانية الإسرائيلية سواء من خلال تكثيف الاستيطان، او تكثيف عمليات اقتحام المسجد الأقصى، وهدم البيوت.
ولإسكات الأصوات التي انتقدت سياسة نتنياهو إزاء قطاع غزة، وتآكل قدرة الجيش الإسرائيلي على الردع، فإن الأيام القليلة القادمة، ستقرر سياسة مختلفة عنوانها تكثيف العدوان على القطاع. ان مؤشرات هذا التصعيد تظهر في امتناع إسرائيل عن تنفيذ تفاهمات التهدئة، الأمر الذي استدعى من الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة أن تصدر بيان تهديد في حال واصلت إسرائيل تجاهل التزاماتها فيما يلتزم الفلسطينيون بها.
إسرائيل في الفترة القادمة حتى الانتخابات تبدو كالثور الهائج الذي يستفزه اللون الأحمر، وهو لون الدم الفلسطيني، الذي تستهل إسرائيل استباحته لإرواء ظمئها من العنصرية السوداء، بأمل أن تفرض على الإدارة الأميركية التراجع عن انسحابها من سورية او تأجيل ذلك الى وقت آخر.
بقلم/ طلال عوكل