هل يسهم عباس بتطبيق دراسة ماير على غزة

بقلم: حكمت المصري

بعدما أتهم أهلها مؤخرا بالجواسيس، ماذا تبقي لنا منه؟ فالتاريخ لن يرحمه مطلقا تجاه مليوني شخص يعانون الويلات بسببه منذ اكثر من اثني عشر سنه.
فلا يخفي على احد منا أن حتمية الوضع الكارثي في قطاع غزة الذي يعانى بسبب الحصار ، وقطع الرواتب وتقليصات الأونروا ، التقاعد المبكر وإغلاق المعابر، ونقص الماء، واستمرار انقطاع الكهرباء، وارتفاع البطالة، والنقص الحاد في الدواء، وازدياد حالات الانتحار بين الشباب، والارتفاع المخيف للأمراض خصوصا بعد الحروب المتكررة التي أنتجت دمار هائل في البنية التحتية ، بالإضافة لارتفاع نسبة البطالة وبالتحديد بين فئة الشباب فوفق تقرير منظمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا، فإن إيجاد فرصة عمل في قطاع غزة ليس بالمشروع السهل، فالأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية في القطاع الضيق قاسية للغاية، حيث تتميز غزة بأعلى معدلات البطالة في العالم للعام 2018، وبحسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (PCBS)، فإن معدل البطالة وصل لنسبة 47.6% عند الرجال ، و 62.6% عند للنساء،
مؤشرات اقتصادية أخري مرعبة في غزة:
53% معدلات الفقر في غزة
72% نسبة انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر في غزة
80% من الغزيين يعتمدون على المساعدات المقدمة من "أونروا"
140% استهلاك الفرد إلى الإذخار وهو يسمى "الادخار السالب".
إن ما يحدث بغزة منذ اكثر من اثني عشر عاما يذكرني بأحد القصص التي قرأتها عن الحرب الكورية الأمريكية وكأن ما يحدث في غزة هو تطبيق لما حدث في أمريكا من خلال تنفيذ نفس السياسية آنذاك من خلال بناء سجن دون جدران والذي يوضح كيف تم قتل 1000 جندي أمريكي في كوريا بدون اطلاق رصاصة واحدة عليهم .
فبعد انتهاء الحرب الكورية قام الجنرال وليام ماير المحلل النفسي في الجيش الأمريكي بدراسة واحدة من اعقد قضايا تاريخ الحروب في العالم، فقد تم اسر وسجن حوالي الف جندي أميركي في تلك الحرب وتم وضعهم داخل مخيم تتوفر فيه كل مزايا السجون من حيث المواصفات الدولية.
هذا السجن لم يكن محصورا بسور عال كبقية السجون بل كان يمكن للسجناء محاولة الهروب منه إلى حد ما والأكل والشرب والخدمات متوفرة بكثرة، وبدون تعذيب جسدي. ولكن التقارير كانت تشير إلى عدد الوفيات في هذا السجن اكثر من غيره من السجون، هذه الوفيات لم تكن نتيجة محاولة الفرار من السجن بل كانت ناتجة عن موت طبيعي !.الكثير منهم كانوا ينامون ليلا ويطلع الصباح وقد ماتوا ، وقد استطاع ماير أن يحصل على بعض المعلومات والاستنتاجات من خلال هذه الدراسة
1. كانت الرسائل والأخبار السيئة فقط هي التي يتم إيصالها إلى مسامع السجناء ، أما الأخبار الجيدة فقد كان يتم إخفاؤها عنهم .
2. كانوا يأمرون السجناء بأن يحكوا على الملأ إحدى ذكرياتهم السيئة حول خيانتهم او خذلانهم لأحد أصدقائهم او معارفهم .
3. كل من يتجسس على زملائه في السجن يعطى مكافأة كسيجارة مثلا ...
لقد كشفت التحقيقات أن هذه التقنيات الثلاثة كانت السبب في تحطم نفسيات هؤلاء الجنود إلى حد الوفاة :
1. الأخبار المنتقاة ( السيئة فقط ) كانوا يفقدون الأمل بالنجاة والتحرر .
2. حكايتهم لذكرياتهم كالخيانة أو التقصير أمام الملأ والعموم ذهبت باحترامهم لأنفسهم واحترام من حولهم لهم .
3. تجسسهم على زملائهم قضى على عزة النفس لديهم ورأوا انفسهم بأنهم حقراء وعملاء .
وكانت هذه العوامل الثلاثة كفيلة بالقضاء على الرغبة في الحياة ووصول الإنسان لحالة الموت الصامت .
النتيجة :
هذه الدراسة تطبق بحذافيرها علينا في غزة منذ عام الانقلاب حتي اللحظة فلقد توالت الحروب والاجتياحات واحكم الحصار قبضته علينا وساءت أحوالنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية والعملية إضافة إلي خلق مصطلحات جديدة اصبحنا نرددها دون وعي مثل ، صفقة القرن ، تمكين الحكومة، فشل المصالحة ، فصل غزة عن الضفة، التقاعد مبكر، قطع الرواتب، التنسيق الأمني ،انتشار الفقر، ازدياد البطالة، ارتفاع الأسعار، انتشار تناول الأدوية الممنوعة، الارتفاع في انتشار الأمراض، الهجرة المقنعة، ازدياد معدلات العنوسة، ازدياد حالات الموت المفاجئ، وزيادة حالات الطلاق كل ذلك يؤذي للقضاء على رغبتنا بالحياة .
ولقد كان لسلطة رام الله ممثلة بالرئيس محمود عباس وزمرته دور كبير في تعزيز التفرقة وتنفيذ الأجندة الخارجية تجاه غزة وتجسيد الانقسام والمساهمة الواضحة لتطبيق صفقة القرن لفصل غزة عن الضفة، إضافة إلى استمرار سياسته المهينة تجاه موظفي السلطة من خلال الاستمرار في قطع رواتبهم ، رغم الكثير من الدعوات التي طالبته بالعودة إلي غزة وكان أخرها دعوة النائب محمد دحلان له لاحتضان أبناء فتح وعودته لغزة خلال مهرجان إحياء ذكري الشهيد ياسر عرفات ، إلا أن هذه الدعوات قوبلت بمزيد من المضايقات والخناق على غزة.
ختام الحديث يتمحور حول التوصية بضرورة إنقاذ أهل غزة من خلال القضاء على الانقسام بين شطري الوطن الواحد وهذا يعتبر مطلب جماهيري.
لذا أطالب الشريحة المثقفة التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة المحاولة دوما لبث جميع الوسائل التوعوية والتي تزرع فينا وفى النشء الطاقة الإيجابية من اجل تعزيز العزة بالنفس ومحاولة التكيف مع الواقع رغم صعوبته ورغم الضغوطات التي تمارس علينا من أعدائنا الكثر ...فلابد أن نكون كالجبل الذي لا تهزه الرياح رغم شدتها ... "فالحُر يدافع عن الفكرة أيّا كان قائلها والعبد يدافع عن الشخص مهما كانت فكرته" !!!

الدكتورة حكمت المصري