لقد كان لنا موقفَا مسبق حول تشكيل المحكمة الدستورية في حينه على عدم دستورية تشكيلها لانها جاءت مخالفًا لنصوص المواد القانونية التي جاءت بالقانون رقم (3) لعام 2006 وأكدنا على أن هذه المحكمة تم تشكيلها بطريقة غير قانونية حيث تم تعين قضاة من لون واحد ولهم انتماء سياسي واحد .
ان قانون المحكمة الدستورية وقانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم والقانون الأساسي المعدل لعام 2005 تنص جميعها على ان يكون القاضي مستقلًا وحياديًا ونزيهًا وشفافًا وليس له اي انتماء لاي حزب سياسي وأن يكون من حملة شهادات القانون من الكليات القانونية المعتمدة بالإضافة الى انه يجب ألا يكون عليه أية سوابق تمس بالسمعة أو بالأخلاق، وان يكون على الاقل ثلثان قضاة المحكمة الدستورية من القضاة وانه تم انتخابهم من الهيئة التاسيسية للمكحمة الدستورية وتم تنسيبهم من مجلس القضاة لكن للأسف الشديد كل ذلك لم يحدث ولم يتم بل على العكس من ذلك تم تشكيل المحكمة الدستورية من لون واحد ولهم انتماء سياسي واحد وهذا يعتبر مخالفة كبيرة جدًا لكل القوانين التي لها علاقة بتشكيل وعمل المحكمة الدستورية.
كما انه لم يكن من صلاحيات المحكمة الدستورية أصدار القرار الدستوري الأخير بحل المجلس التشريعي وإجراء الانتخابات خلال ستة شهور ، حيث لو رجعنا إلى المادة (12) من القانون المعدل للمحكمة الدستورية والمادة (27) من قانون المحكمة الدستورية للقانون رقم 3 لعام 2006 لوجدنا أنه لا توجد أي صلاحية للمحكمة الدستورية بهذا الخصوص اي لايجوز لها القيام باصدار قرارآ بحل المجلس التشريعي أو الدعوة إلى إجراء الانتخابات، وانما هذه من صلاحيات السيد الرئيس أبومازن حسب المادة (43) من قانون الانتخابات أواتفاق القاهرة لعام 2012، الذي بموجبه تم الاتفاق على أن يقوم السيد الرئيس بإصدار مرسوم رئاسي بالدعوة إلى الانتخابات ويبقى المجلس التشريعي قائمًا إلى حين انتخاب مجلس تشريعي آخر حيث نصت المادة (113) من القانون الأساسي على أن يبقى المجلس التشريعي قائمًا حتى في الحالات الاستثنائية مثل حالة الضرورة او حالة الطوارئ من القانون الأساسي ان المادة (113) هى التي نصت على كيفية حل المجلس التشريعي، حيث اكدت على ان يبقى المجلس التشريعى قائمًا لحين اجراء انتخابات وأن يحلف الأعضاء الجدد اليمين الدستورية أمام المجلس التشريعي. وبهذه الطريقة الدستورية والقانونية يكون الوضع دستورى وقانوني وسليم ولكن ما حصل للأسف كان مخالف لكل هذه النصوص الدستورية والقانونية سواء ماجاء في القانون الأساسي أو في قانون الانتخابات.
ان كل القوانين التي صدرت في حالة الطوارئ، والتى اصدرها الرئيس بناءًا على حالة الضرورة أوالطوارئ أو التى اصدرها المجلس التشريعي في غزة هي طبعًا وبالتأكيد محل نظر حول مدى دستوريتها وقانونيتها، هنا فى غزة هاشم صدر فوق ال60 قانون وفي الضفة الفلسطينية صدر فوق 160 قانون أو أكثر. والأصل أن ما صدر من الرئيس أبو مازن من قوانين يجب أن يعرض على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها المجلس التشريعى فأما ان يقرها أو يعدلها أويلغيها وهذا حسب نص القانون الأساسي، وما صدر في المجلس التشريعى بغزة يجب أن يعاد عرضه على المجلس التشريعي بالقراءة الأولى والثانية والثالثة والمجلس التشريعى له صلاحية الالغاء أو ابقاءها أو اجراء تعديلات عليها . هذا هو الوضع الدستوري لهذا القوانين التي أصدرت أثناء فترة الانقسام البغيض، من كلا الطرفين .
أن الانقسام فى فلسطين اصبح انقسام تشريعي وانقسام قانوني وانقسام قضائي وانقسام سياسي الذي تعدى به الامر الى اثار الانقسام البغيض الى النظام السياسي الفلسطينى حيث انه في طريقه لتشكيلة جديدة خلاف لما نص عليه القانون الأساسي المعدل لعام 2005 والى النظام السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية
وأنا أوكد للجميع أن ما حصل من المحكمة الدستورية هو غير دستوري وغير قانوني على مدار فترة الانقسام ، لكن نحن نقول بان الصراع بين طرفى الانقسام فتح وحماس هو صراع سياسي وليس صراع قانوني أو دستوري، لذلك عندما صدر قرار المحكمة الدستورية حول حل المجلس التشريعى واجراء الانتخابات اكدنا للجميع بانه ليس من صلاحية المحكمة الدستورية اصدر مثل ذلك القرار وقلت بانه على قيادة حركة حماس أن تتريث وألا تعمل بردات فعل عنيفة وأن تلتزم وتنفذ قرار المحكمة الدستورية وأن تذهب إلى الانتخابات لأن الحل الوحيد لإنهاء الانقسام البغيض لكل ابناء الشعب الفلسطيني هو إجراء انتخابات فلسطينية بعد الحورات التى لم تتمكن من انهاء الانقسام سواء التي تمت في القاهرة، أو فى بعض الحوارات التي تمت بالعواصم العربية، او الحوار الذي تم في غزة بالشاطئ، حيث أصبح مؤكد لدى الكل الفلسطيني ان الحل الوحيد اليوم هو إجراء انتخابات لكل المراكز القيادية اي تشريعية ورئاسية او للمجلس الوطنى.
ان المجلس المركزي هو الذي أنشأ السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، بكل مؤسساتها، سواء المجلس التشريعي او السلطة التنفيذية اوالسلطة القضائية وكان ذلك بموجب قرار من المجلس المركزي وهو صاحب الولاية لحل المجلس التشريعي وأنا قلت بأنه إذا كان هناك حلًا للمجلس التشريعي فسيكون هناك حلًا للسلطة الفلسطينية كاملةً.
مع العلم بانة يوجد الآن تفكير في أن يعرض مشروع على الأمم المتحدة (الجمعية العامة في الأمم المتحدة) للحصول على قرار اممى بالاعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية وأنا اقول بأن هذه خطوة مطلوبة فى ظل التأيد والتعاطف الدولى الراهن ولكننا سبق لنا وان حصلنا على قرار أممي بإقامة دولة فلسطينية ولكنها دولة غير كاملة العضوية، دولة مراقب وكان لها صلاحيات في مناقشة الشأن الفلسطيني والقضايا الإقليمية والدولية وليس كما كان في عهد منظمة التحرير الفلسطينية عندما كانت مراقب بالامم المتحدة حيث كنا مراقبين ولا يجوز لنا مناقشة أي قضية إقليمية أو دولية أو نطرح اي امر بخصوص الشأن الفلسطينى إلا إذا طرحت اي موضوع خاص بالقضية الفلسطينة كان بالامكان الرد فقط . اليوم هناك مساعي من القيادة الفلسطينية للحصول على قرار بالاعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية، والاصل أن يتم ذلك مع انتهاء الاحتلال الصهيونى أولًا، وأن يتم تقرير مصير الشعب الفلسطيني ثانيا ، وثالثًا: يجب أن يكون لدي الدولة الفلسطينية دستور كاملًا ينص على صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وعلاقة كلا منهم بالاخرى مما يعني كيفية عمل السلطات الثلاث برقابة كلا منهم على الاخري عملآ بمبدأ الفصل بين السلطات والعمل بمبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء ان هذا الفصل لابد أن يكون مرنًا مما يعني أن كل سلطة تراقب السلطة الأخرى . فكيف لنا اليوم ان ناخذا قرارًا أمميًا جديدًا بإقامة دولة وعمل برلمان فلسطيني؟ حيث انه
بإمكاننا بعد أن يتم الموافقة على ذلك أن يكون هناك دولة فلسطينية وأن ينقلب المجلس التشريعي إلى برلمان فلسطيني بنفس الصلاحيات وربما أن يكون هناك توسيع أكبر للمجلس التشريعي في اعضاءه اوصلاحياته وعلاقاته مع البرلمانات الإقليمية والبرلمانات الدولية وحتى فى باب الحريات الذي جاء فيه إعطاء الحريات وحماية بعض الفئات الفلسطينية كالإعلاميين والمسعفين والمثقفين والسياسين في أداء آرائهم والتعبير عنها وفكرهم وثقافتهم ويكون هناك بعض الاضافات على هذا القانون، ولكن أنا أنصح من خلال خبرتي القانونية وعلمي وفقهي في القانون بأن لا نتسرع فى ذلك حتى ولو حصلنا على دولة عضو.
اليوم نحن نحتاج إلى برلمان ذات نظام جامع لكل المجالس التشريعية ومن الممكن أن يكون المجلس التشريعي هو النواة للبرلمان القادم بعد أن يتم توسيع أعضاء المجلس التشريعي، وتطوير النظام الداخلي للمجلس التشريعي، وهذا يكون مستندًا إلى القانون الدستوري، ولقد كان هناك لجنة دستورية حيث كنت أحد أعضاء هذه اللجنة لوضع دستور لدولة فلسطين يتماشي مع المعايير الدولية والإقليمية في هذا الدستور ، لكن حتى هذه اللحظة لم يتم إقراره رغم أن لجنة الصياغة قد أنهت عملها في هذا القانون.
نحن بحاجة ماسة إلى أن يكون هناك سلطات دستورية تحكم فى فلسطين سواء سلطة تنفيذة، أو تشريعية، أو قضائية وتركيز السلطة في سلطة واحدة فيه إفساد كبير جدًا للحياة السياسية والدستورية والقانونية .
هناك فكرة إذا أعلن عن قيام دولة فلسطين كاملة العضوية أن يكون هناك مجلسًا تأسيسيًا، ونحن بالمناسبة لدينا أكثر من مجلس ذات طابع تشريعي .
أولًا:المجلس الوطني، ثانيًا:المجلس المركزي، ثالثًا: المجلس التشريعي والأصل أن يكون الثلاث مجالس ببرلمان فلسطيني واحد موحد يشمل الداخل والخارج لكل ابناء الشعب الفلسطينى لذلك أنا أرى أن يبقى الأمر على ما هو عليه لحين أن يتم تحرير فلسطين وإنهاء الاحتلال وتقرير المصير وإقامة الدولة بشكل وطني وسياسى و ديمقراطي حسب المعايير الدولية وميثاق الأمم المتحدة حيث أصبحت فلسطين عضوا في الأمم المتحدة والتزمنا بكل المعايير والنصوص القانونية الموجودة في ميثاق الأمم المتحدة. الآن نحن لو تجاوزنا هذه المجالس الثلاثة وأنشأنا مجلسًا رابعآ اوبرلمان اومجلسًا تأسيسيًا سيكون هناك تشتيت للفكر الدستور والقانوني والوطني والنظام السياسي الفلسطيني بشكل عام، لذلك أتمنى قبل أن نقدم على مثل هذه الخطوة أن نجمع أهل العلم والخبرة والاختصاص، و الحركات والفصائل، وأن نأخذ رأي جميع الفئات التي تحمل المشروع الوطني الفلسطيني ولديها قدرة على تطوير الوضع السياسي الفلسطيني ووضع استراتيجية وطنية، سياسية، دستورية، قانونية لكيفية إدارة هذه المؤسسات. نحن لا نريد أن نقفز في الهواء وأنا أعتبر مثل هذه الخطوة قفز في الهواء وأتمنى على الجميع التريث. مع العلم بان المجلس المركزي والمجلس التشريعي يعتبران جزء من المجلس الوطني فلذلك نحن يمكن أن نعمل دراسة الآن حول كيفية وضع نظام موحد بقانون دستوري واحد لكيفية جعل هذه المجالس الثلاثة في جسم قانونى واحد بعد أن يتم إنهاء الاحتلال وتقرير المصير وإقامة دولة فلسطين، لكن اليوم المطلوب هو ترميم وتجديد الدماء والقيادات في الأجسام الثلاثة سواء المجلس الوطني أو المركزي أو التشريعي حتى يتم فرز قيادة فلسطينية جديدة لإنهاء الانقسام أولًا، ولتوحيد الجغرافيا الفلسطينية ثانيًا، ولتوحيد المشروع الوطني الفلسطيني ثالثًا، ولتوحيد القانون رابعآ لأن مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء والفصل بين السلطات من اهم المباديء الدستورية والتى نسميها القواعد الذهبية التى لايجوز المساس بها ونحن دائمآ نؤكد بأنه لو كان هناك أي مساس بأي قاعدة دستورية أو أى خدش الى أية قاعدة دستورية يكون قد اقترف جريمة دستورية وهي جناية لا تسقط بالتقادم.
نحن نملك دستور مؤقت ، والقانون الأساسي يعتبر بحكم الدستور والنظام السياسي لمنظمة التحرير هو مكمل للدستور مما يعني أن القانون الأساسي والنظام السياسي لمنظمة التحرير هو الدستور الفلسطيني ولكن يحتاج إلى تطوير وإلى تعديلات وتوضيح بعض الصلاحيات وخاصةً في العلاقة الناظمة بين السلطات الثلاث في الدولة والحقوق والحريات المنصوص عليها لكل أبناء الشعب الفلسطيني وأهم شرائحه. نحن نؤكد دائمًا على أن القانون الأساسي لابد لأن يتم توحيده (القانون الأساسي الذي صدر في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية مع النظام السياسي في منظمة التحرير) لكى نخرج بدستور واحد وموحد وهناك مشروع دستور موجود تم عمله من خلال اللجنة الدستورية التى تم تشكيلها ولكن كان لنا بعض الملاحظات على هذا القانون الدستوري وهو كان من الواجب أن يكون في جو وحدوي وبيئة فلسطينية موحدة وقد كانت المحكمة الدستورية في ظل الانقسام والقوانين حتى التي صدرت في ظل الانقسام عمقت الانقسام بشكل كبير فلا نريد أن يصدر قانون دستوري الآن أو إنشاء هيئة أو برلمان أو لجنة دستورية أو تأسيسية في غياب الوحدة الوطنية لأن الوحدة الوطنية تعتبر هي الحامية والحاضنة للمشروع الوطنى الفلسطيني سواء كان القانون الاساسي الذي اسس المجلس التشريعي أو المجلس الوطني أو المجلس المركزي، الذي تاسس بناء على النظام السياسي لمنظمة التحرير .
علينا اليوم أن نخرج من عنق الزجاجة بإجراء انتخابات لكل المؤسسات التشريعية الوطنية سواء لرئاسة أو التشريعي أو المركزي أو الوطني ومن هنا ستأتي الوحدة الوطنية والقيادة الموحدة وبعد ذلك نصيغ المشروع الدستوري والنظام السياسي الذى يخدم المشروع الوطني ويخدم أبناء شعبنا الفلسطيني.
أنا أقول أنه لابد من اجراء انتخابات حتى ولو كان قرار المحكمة الدستورية غير قانوني أو غير دستوري حتى لا يصبح هناك جهة أو منطقة تجري فيها انتخابات ومنطقة أخرى لا تجري فيها انتخابات فإذا لم تجرى انتخابات في كل المناطق والمحافظات الفلسطينية سيكون هناك انفصال وهذا أخشى ما أخشاه بأن ينقلب الانقسام إلى انفصال وأنا حذرت من هذه القضية كثيرآ ولذلك أنا طلبت من قيادة حركة حماس أن تلتزم وتتماشى مع قرار المحكمة الدستورية وأن يتم إجراء الانتخابات حتى لاينفصل قطاع غزة عن الضفة الفلسطينية وأن يكون هناك تنفيذ لصفقة القرن ولأن صفقة القرن من أهدافها الاستراتيجية فصل قطاع غزة عن الضفة الفلسطينية والصراع الحقيقي ليس في غزة هاشم، ولكن الصراع في الضفة الفلسطينية وفي القدس والمستوطنات ومشروع الأبرطهايد في الضفة الفلسطينية على أشده وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، لا نريد أن نفرح على دويلة في غزة ويضع المشروع الوطنى الفلسطينى فى ظل هذا الانقسام او الانفصال .
هذا طبعًا مشروع خطير جدًا ويجب أن ننتبه وألا يتحمل أي طرف فلسطيني لوحده هذا القرار المصيري فى حياة شعبنا البطل . لابد أن يلتزم الجميع بقرار إجراء الانتخابات سواء في الضفة الفلسطينية أو القدس أو قطاع غزة حتى نوحد ويتوحد الكل الفلسطيني ونوحد الأراضي الفلسطينية المحتلة ونوحد القانون الفلسطيني ونوحد القضاء الفلسطيني ونوحد مؤسساتنا الدستورية ونوحد قياداتنا الفلسطينة
بقلم/ د. عبدالكريم شبير رئيس التجمع الفلسطيني والخبير في القانون الدولي