من يمرر صفقة القرن: حماس أم عباس؟

بقلم: أيوب عثمان

أنا لست حمساوياً، كما أنني لست فتحاوياً ولست عباسياً، لكنني فلسطيني أباهي وأفاخر بفلسطينيتي التي هي فوق «الفتحاوية» وفوق «العباسية» وفوق «الحمساوية» بكثير كثير. ولأنني كذلك، ولأن ما يسمى «صفقة القرن» قد أصبحت الشغل الشاغل للشعب الفلسطيني المحاصر، فأصبحت حديث الصباح والمساء دفاعاً واتهاماً بين عباس وحماس، فقد جال في فكري أن أحاول الإجابة عن السؤال الذي جعلته لهذا المقال عنواناً: «من يمرر صفقة القرن: حماس أم عباس؟». ولأنني أرى أن أفضل إجابة عن هذا السؤال هو أن أوجه مجموعة من الأسئلة الاستنكارية التي لا تنتظر إجابات من أحد، ذلك أن إجابات هذه الأسئلة تحملها الأسئلة ذاتها.

وعليه، فهل الذي يمرر صفقة القرن هو من يعلم علم اليقين أن فلسطين لا ولن تستعاد إلا بالمقاومة والتضحية والفداء والدماء، أم من يؤمن أنه لا سبيل ولو إلى جزء من فلسطين إلا بالتوسل للجلوس إلى المفاوضات حتى وإن فشلت المفاوضات؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو من واصل المطالبة وما يزال – منذ اجتماع الفصائل في القاهرة في مارس 2005 – بتفعيل وإعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية وتطويرها، أم من ظل يواصل إدارة ظهره لهذا المطلب منذ عام 2005 حتى اللحظة مروراً بما تم الاتفاق عليه في القاهرة عام 2011 وفي عام 2017،  مواصلاً جهده دون كلل أو ملل لتقسيم حركة فتح بين غزة والضفة ثم تقسيمها إلى فتح في مواجهة فتح في غزة؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو من لا يتنازل عن حق العودة ومن يؤمن أن فلسطين هي للشعب الفلسطيني، أو ذلك الذي تنازل عن حق العودة ويؤمن أن «إسرائيل وجدت من أجل أن تبقى وليس لأن تزول»؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو من يتمسك بالمقاومة ويؤمن بها سبيلاً وحيداً للتحرر والانعتاق، أم ذلك الذي يسخر منها حتى أنه يصف بالعبثية صواريخها؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو من يعارض التنسيق الأمني ويطالب بوقفه، أم ذلك الذي يؤمن به ويعتبره مقدساً؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو من واجه حروباً ثلاثة في غزة، أم ذلك الذي لم تطأ قدماه أرض غزة ليشد من أزرها ويؤكد على صلابتها في مواجهة الحروب عليها؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو من يتمسك بالثوابت الفلسطينية، أم ذلك الذي يكره حتى مصطلح «الثوابت»، متذرعاً بأن السياسة لا تعرف لغة الثوابت، وإنما متغيرات، ناسياً أو متناسياً أن الحديث عن «الثوابت الفلسطينية» ليس أمراً سياسياً فحسب، وإنما هو أمر وطني فلسطيني لا يجرؤ أي وطني فلسطيني أن يدير ظهره له أو أن يبيعه.

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو من رفض اتفاق أوسلو منذ ربع قرن وما يزال، أم ذلك الذي ما يزال متمسكاً به على الرغم من اعترافه واعتراف كبير مفاوضيه غير مرة بفشله؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو من يتمسك بالمقاومة أم ذلك الذي يصر على البقاء في معسكر المفاوضة والتنسيق الأمني والمساومة، متباهياً باتفاقه بنسبة 99% مع الأجهزة الأمنية لدولة الاحتلال التي تحتل أرضه وتقتل شعبه؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو أولئك المحاصرون المرابطون في قطاع غزة أم ذلك الذي يحاصر قطاع غزة ويعمل على إفقار أهله وإذلالهم بإنزال شتى أنواع العقوبات المتصاعدة عليهم؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو من التزم بتفاهمات بيروت في يناير 2017 في شأن المجلس الوطني، أم ذلك الذي أدار لها ظهره، فعقد المجلس الوطني في رام الله منفرداً في إبريل 2018؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو من وقع على اتفاق المصالحة في القاهرة في أكتوبر 2017، أم ذلك الذي رد على ذلك الاتفاق بمواصلة ارتكاب جريمة العقوبات ضد غزة وأهلها؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو من واصل المطالبة بعقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، أم ذلك الذي واصل الرفض وما يزال؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن من يعمل على رحيل الاحتلال وبكل وسيلة يقارعه، أم ذلك الذي يمتهن كرامة شعبه إذ يعترف بأنه «رئيس سلطة بلا سلطة» وأنه «تحت احتلال بلا كلفة»، بل إنه «تحت بساطير الإسرائيليين»؟!

وهل الذي يمرر صفقة القرن هو من يؤمن بالمصالحة أم ذلك الذي يتظاهر بالسعي إليها بغية دفن التهدئة كما يفتعل السعي إلى التمكين بغية قتل المصالحة؟

وبعد، فماذا عمن أعلن منذ نحو سبع سنوات، وتحديداً في 22/10/2011 في مقابلة مع قناة دريم (2) المصرية بالقاهرة، قائلاً: «لو أن اثنين فما فوق من الشعب قالا: يسقط أبومازن، فسأكون أنا الثالث ولن أبقى»، ما يعني – بل يؤكد – أنه يقول ما لا يفعل؟! ألا يمرر صفقة القرن من هذه صفاته؟!

باختصار، فإن من يرفض صفقة القرن لا يحاصر قطاع غزة ولا يخنق أهله فلا يقطع رواتبهم ولا ينزل عقوبات ما تزال آخذة في التصاعد عليهم، ولا يشيع الفوضى والانقسامات في حركة فتح، بل يعمل على توحيدها، ولا يقوم بحل المجلس التشريعي فتنقطع الصلة السياسية الوحيدة بين غزة والضفة،ولا يسحب الموظفين من معبر رفح، الأمر الذي يؤدي إلى إغلاقه، فتنقطع الصلة السياسية مع مصر فضلاً عن انقطاع الصلة الجغرافية الوحيدة معها ومنها إلى العالم، ولا يعلن عن انتخابات تشريعية فقط، دون الرئاسة على الأقل، كما لا يعلن عن انتخابات تشريعية يعلم علماً يقينياً أن إجراءها في القدس ليس أمرا يسيراً.

أما آخر الكلام، فليس أغرب ولا أعجب من أن يعلن عباس عن رفضه لصفقة القرن، في ذات الوقت الذي يعمل بكل الجد والاهتمام والمثابرة على تعزيزها عبر القطيعة مع قطاع غزة على نحو يؤدي – بالحتمية – إلى الانفصال بين غزة والضفة، وهو ما تستهدفه صفقة القرن تحديداً.

فعباس الذي أسس لأوسلو هو ذاته الذي أسس لصفقة القرن عبر »وثيقة عباس – بيلن» قبل نحو ثلاثة وعشرين عاماً إنه يعلن عن رفضه لصفقة القرن وهو يعلم يقيناً أن صفقة القرن ليست اتفاقية بين طرفين هو أحدهما، ويطلب إليهما التوقيع عليها، وإنما هي مجموعة من الإجراءات والمسارات والقرارات الهادفة إلى إنهاء القضية الفلسطينية عبر إسقاط حق العودة وتصفية قضية اللاجئين ( وقد صرح ترامب أن عدد اللاجئين الفلسطينيين أربعون ألفاً فقط)  ووقف الدعم المالي عن وكالة »الأونروا» لإنهائها وعن مستشفيات القدس (وقد حدث هذا فعلاً) وعبر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بعد أن تم الاعتراف الأمريكي بها عاصمة أبدية لدولة الاحتلال (وهو ما تم بتاريخ 6 ديسمبر 2017).

فإعلان عباس رفضه المجرد صفقة القرن لا يعني شيئاً، ذلك أن رفضه غير المقترن بفعل عملي يواجه مؤامرة تصفية القضية الوطنية الفلسطينية ليس إلا عملاً دعائياً لا حقيقة عملية له ولا طائل منه. هذا فضلاً عن أن عباس الذي حل ضيفاً على ترامب قد قال شيئاً مخالفا لرفضه في 20/9/2017 وتم نشره في 3/7/2018 وهو كالآتي: »أنا سعيد جداً أن أكون هنا مع الرئيس دونالد ترامب وأشكره شكراً جزيلاً على إتاحة الفرصة لكي نلتقي معه للمرة الرابعة خلال العام الأول، وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على جدية فخامة الرئيس أنه سيأتي بصفقة العصر... صفقة العصر للشرق الأوسط خلال العام أو خلال الأيام القادمة، إن شاء الله. مرة أخرى سيادة الرئيس نعتمد عليكم». إذاً، فالرئيس عباس مع صفقة القرن وليس ضدها كما يدعي وكما يروج الدائرون في فلكه البعض، بل هو يؤكد اعتماده على نجاح الرئيس ترامب لإتمامها.

بقلم/ أيوب عثمان