اتفق مع من يقول أن الحكومات تشبه شعوبها، مع فارق الأمنيات، لأن ذلك ليس قدرا في حال تمسك الانسان بفريضة التغيير المُغيبة لدى الأفراد والجماعات، رغم كل ما يحيط واقعنا العربي من كوارث وهوان ما بعده هوان.
الفلسطينيون تقريبا أصبحوا بلا ظهير، مكشوفين أمام أنفسهم أولاً، وأمام الرئيس الامريكي ترامب، الذي صنع مسافة فارقة بين العلاقة مع العرب، والعلاقة مع الفلسطينيين، في حسابات مختلفة ضمن تقسيم لا يمكن الحديث بعده عن البعد القومي، حتى على مستوى الجماهير التي أُدخلت نفق الأزمات الاقتصادية والغلاء المعيشي في مشهد " نفسي .. نفسي" مع بقاء مشاعر غير قادرة على التأثير.
القيادة الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير اختارت في عام 2019، ثلاثة أعداء هم الادارة الامريكية، والاحتلال الاسرائيلي، وحركة حماس، ترى انهم اجتمعوا مع وسطاء عرب من أجل ولادة قيصرية لشبه دولة في غزة، وحكم ذاتي محدود في الضفة الغربية، وحقوق دينية محدودة في القدس، مع امتيازات اقتصادية تتضاءل بمرور الوقت على طريقة الوعود التي قُدمت لجنوب السودان وأكراد سوريا والعراق.
القيادة الفلسطينية أمام هجمة "صفقة القرن" الامريكية، قررت التمسك بشرعية منظمة التحرير، وعينها على قرار دولي بشرعية دولة، لكنه قرار أسير توافق الخمس الكبار المفقود في مجلس الأمن بفعل الفيتو الامريكي، رغم تصويت 156 دولة مؤخرا لصالح تأييد حل الدولتين، أغلبية دولية ستذهب قريباً للاختبار في مجلس الأمن ومدى قدرتها على التعامل مع الفيتو الأمريكي المُنتظر لصالح نتنياهو، الذي قرر إجراء انتخابات مبكرة لتحصين ائتلاف قادر على تجاوز الفلسطينيين، والقفز نحو الخليج، ومواجهة أي ضغوط دولية "ما" لصالح الحقوق الفلسطينية، وربما متطلبات أمريكية لصالح الفلسطينيين لإحداث توازن "ما" في "صفقة القرن" لإرضاء الوسطاء العرب.
حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، تجد نفسها بلا شرعية قانونية بعد حل المجلس التشريعي، وخطوات السلطة لاستحداث مؤسسات تعتمد على شرعية منظمة التحرير الفلسطينية بالتوافق مع السعودية ومصر بهدف عرض تصور نهائي للمصالحة مع حماس، أو إجراء انتخابات جديدة بإشراف عربي تعيد ترتيب التوازنات التي حدثت نتيجة انتخابات 2006.
وقد تجد حركة حماس نفسها أمام قرار عربي في قمة مارس المقبل، تجبرها على اتخاذ قرارات بعيدا عن العلاقة مع ايران وقطر في مواجهة الرباعية العربية السعودية ومصر والامارات والبحرين، وهو اختبار مفصلي للحركة المحاصرة في قطاع غزة.
حسب مؤشرات المشهد: مطلوب من الرئيس الفلسطيني قرارات جريئة ومن حماس مواقف جديدة، فيما سيتمكن نتنياهو من مواصلة سياسية التنكر للحقوق الفلسطينية المدعومة بإرادة رخوة من العرب وأوروبا وروسيا والصين، واستغلال حالة العداء الخليجي لإيران لإحداث المزيد من التقارب مع عرب الخليج، طبعا في حال أفلت نتنياهو من أربعة كمائن أمام القضاء الاسرائيلي بتهم الفساد له ولزوجته وتركيز الاعلام الاسرائيلي على نشاط أبناءه، فضلا عن مدى قدرته على ثلاثة جنرالات أسسوا أحزاب اسرائيلية جديدة استعدادا لانتخابات أبريل المبكرة.
سواء بقي ترامب أو رحل كما يتنبأ البعض، واضح جدا أن الولايات المتحدة الامريكية لن تفرط في دعمها اللامتناهي لإسرائيل، لكنها ستقدم حوافز للفلسطينيين تستند على الوقائع على الأرض التي انشاءها الاحتلال خلال 25 عام من التفاوض من أجل التفاوض.
إنه عام الوضوح والحقيقة في فلسطين، في مشهد عام تبرز فيه محاولات العرب وقف الانهيارات بأي ثمن، وفي أوروبا سيكون اختبار قدرة الاتحاد الاوربي على التماسك أمام قوة أمريكا، وصعود الصين وروسيا.
بقلم: عامر أبو شباب