إضاءة تربوية ...دور الأسرة في تنشئة الطفل الجزء الأول

بقلم: حكمت المصري

لا ينكر أحد منا أننا نعاني من أزمة تربوية في قيمنا وسلوكنا، نتيجة لظروف كثيرة وقعت وفرضت علي المجتمع الفلسطيني بطريقة ممنهجه ومقصودة ، كان أكثرها واخطرها الظروف التربوية المتعلقة بتنشئة الأجيال ، فكما هو معلوم يقع عاتق بناء الفرد منذ نعومة أظافره على الأسرة أولا فقد قال علية الصلاة والسلام : (يولد المولود على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)
فالمرحلة الأولي من حياة الطفل مفصلية، يستطيع من خلالها الحصول علي الأسس التربوية السليمة ، يكتسب اللغة، يتعلم الحديث، كيفية التعامل، الآداب والسلوكيات العامة والعبادات و لذلك تعتبر هذه المرحلة من اخطر واهم المراحل التي تحتاج لتظافر جهود الأبوين معا ، مع ضرورة متابعه سلوكيات وتصرفات الطفل داخل وخارج المنزل ومعالجه ومتابعة سلوكياته الخاطئة وتقويمها بشكل مرحلي ممنهج ، مع ضرورة مراقبة استخدامه للوسائل التكنولوجية المختلفة والتي بدأت تغزو حياتنا بشكل مريب وسريع فأصبحت وكأنها امر واقع ، خصوصا الفضاء الأزرق ممثلا بالفيس بوك وبرامج اليوتيوب وبالتحديد أفلام الكرتون المدبلجة الأجنبية ، هذه الأفلام تحتوى على العديد من المشاهد والقيم والسلوكيات التي تتنافي مع ديننا وعاداتنا وتقاليدنا ، بالإضافة إلي أنها تغرس لديهم أفكار ومبادئ خاطئة وتزيد من السلوك العدواني لديهم ، لذك يجب الحذر منها ، ويعتبر من الخطأ الجسيم أن نترك أطفالنا للتلفزيون بشكل دائم، لأن أصول التربية الصحيحة أن الطفل له ساعتان فقط أمام التلفزيون، ويجب أن تكون تحت إشراف الأب والأم، ويتخللهما حديث وتعليمات إرشادية منهم بشكل هادئ ومنظم، لأن معظم برامج الأطفال الآن غير عربية وتنشر مفاهيم تخالف تقاليدنا وعاداتنا.
ومن الضروري شغل وقت الطفل بأنشطة حقيقية، مثل الألعاب والرياضة، والموسيقى، والفن، والهوايات التي تبنى شخصية الطفل وتوجهه بشكل صحيح بعيدا عن الأفكار الغريبة التي تمحو شخصيته إن لم تكن تدمرها.
ومن المهم جدا أن نسعي لتعزيز المفاهيم والقيم عند أبناءنا من خلال القدوة بالسلوك وقد أوصانا ديننا الإسلامي بذلك، فمعظم آيات القرآن الكريم تحتوي علي العديد من النصائح التربوية الهامه ومن أهمها سورة لقمان ، فآيات هذه السورة ضرورية جدا تتعلق باكتساب سلوكيات إسلامية في التعامل ، أيضا أهمية الاقتداء الحسن بالسنة النبوية فقد قال الله في كتابه العزيز "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" فالسنة النبوية الشريفة مليئة بالدروس والعبر الخاصة بالتربية والاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن ، فالمجتمع الغربي يهتم بهذا الشأن خصوصا الشعب الألماني فمعظم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة منتشرة في الأماكن العامة والمدارس والجامعات والمستشفيات ووسائل النقل للاقتداء بها .
ويعتبر معرفه هذه السلوكيات مهم ولكن الأهم إن يمارسها الآباء والأمهات حتى تصبح من عاداتهم اليومية ليكونوا قدوة لأبنائهم، لذا سأقص عليكم قصة تربوية دائما ما أقوم بذكرها أمام الأطفال والهدف منها هو اكتساب سلوك الإحسان إلى الفقراء والمساكين ومساعدتهم من خلال المقارنة بين سلوكيين تربويين مختلفين. القصة الأولي تتحدث عن رجل ذهب إلى السوق ووجد رجلا يبيع التين.فسأله بكم تـبـيـع كيلو التين؟ فأجابه البائع العجوز: بسته شواكل يا سيدي. فقال له: آخذ ٢ كيلو بعشر شواكل أو أذهب؟
فأجابه البائع العجوز: تعال خذها كما تريد، عسى الله أن يفرج عنا، وتكون استفتاحية خير لأني لم أستفتح لحد الآن. فأخذها ورحل وهو يشعر بالنصر، فركب سيارته الفارهة وانطلق ﻻصطحاب زوجته إلى أحد المطاعم، جلس وطلب ما طاب لهما، ومن ثم تناولا القليل وتركا الكثير، وفق ما تقتضيه قواعد البريستيج. وبعدها ذهب لدفع الحساب، وكانت الفاتورة بقيمة مائة وتسعون شيكل، فأعطاه مائتي شيكل وقال لصاحب المطعم: دع الباقي لكم .
قد تبدو القصة عادية لصاحب المطعم، ولكنها مؤلمة كـثـيـراً لبائع التين.
الـخـلاصـة هـي أننا في بعض سلوكياتنا نـسـتـقـوي عـلـى الـمـسـاكـيـن والـفـقـراء عندما نشتري منهم! ونكون كرماء مع من لا يحتاجون كرمنا .
في الجانب المضيء : أتذكر مقولة لأحد الأغنياء يقول فيها :
بعد الصلاة كان أبي يشتري من بضائع البسطاء بأغلى الأثمان رغم أنه لا يحتاجها ويزيد علي سعرها ، وكنت أنزعج منه من هذا التصرف ، وعبّرت له عن انزعاجي إلى أن قال لي أبي :
هي صدقة مغلّفة بالعـزّة يا ولدي !
دعونا نقارن بين القصتين:
بين تربية النفاق الاجتماعي، وتربية البصيرة النافذة والقدوة الحسنة
فكونوا قدوة حسنة لأبنائكم. فتربيتهم أمانه في أعناقكم.

الدكتورة حكمت المصري