تشهد الأمم المتحدة يوم 15/ 1/ 2019م حفلاً سياسياً وديبلوماسياً لتسلم دولة فلسطين رئاسة (مجموعة الدول 77 + الصين) يحضره الرئيس الفلسطيني أبو مازن على رأس وفد فلسطين، وعدد من وزراء الخارجية للدول الأعضاء وفي مقدمتهم وزير خارجية جمهورية مصر العربية سامح شكري، الرئيس السابق لهذه المجموعة كما يحضره الأمين العام للأمم المتحدة ورئاسة الجمعية العامة في دورتها الحالية.
إذاً منذ 15 يناير الجاري ستتولى دولة فلسطين تنسيق المواقف والسياسات الدبلوماسية لهذه المجموعة في الأمم المتحدة سواء في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو في مجلس الأمن إزاء مختلف القضايا التي تعرض عليهما، كما في مختلف المنظمات التابعة للأمم المتحدة سواء منها العامة والخاصة.
هذا الحدث ليس مجرد حدثاً بروتوكولياً عادياً بالنسبة لفلسطين وإن كان لغيرها من الدول المستقلة لا يمثل الكثير، لكنه بالنسبة لفلسطين الشعب والدولة والممثل يعني الكثير الكثير، ويمثل خطوة سياسية ودبلوماسية بالغة الأثر في مسار القضية الفلسطينية وتأكيد شرعية قيام الدولة الفلسطينية على حدود الأراضي المحتلة في العام 1967م وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين وفق القرار 194 وهو الأساس الذي قبلت عليه دولة فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، وتأتي هذه الخطوة في سياق ما تحمله من مضامين سياسية ودبلوماسية تكرس الإعتراف الدولي بدولة فلسطين وبمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.
كما تنبع أهمية هذه الخطوة السياسية والدبلوماسية من أهمية ما تمثله هذه المجموعة الدولية من وزن سياسي ودبلوماسي وإقتصادي وديمغرافي على مستوى العالم ومن الدور الذي تلعبه في دعم الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني في وطنه ودعم نضاله من أجل العودة والحرية والإستقلال وقيام الدولة وتمكينها من إنهاء الإحتلال الصهيوني وبسط سيادتها على أراضيها المحتلة، والعمل على إعتماد العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، حيث تمثل هذه المجموعة مائة وخمسة وثلاثون دولة من أصل مائة وأربعة وتسعون دولة أعضاء الأمم المتحدة، ما يعني أنها تمثل أكثر من ثلثي أعضاء الأمم المتحدة، ستساند الحقوق الوطنية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني وستعمل على تأكيد العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة ... فالمكاسب السياسية والدبلوماسية التي ستتحقق من هذا الحدث مكاسب بالغة الأهمية في مسار الإنجازات الوطنية المتراكمة لنضال الشعب الفلسطيني بقيادة ممثله الشرعي والوحيد م.ت.ف ... وهذا الحدث السياسي والدبلوماسي سيغضب حكومة المستعمرة الإسرائيلية لما يشكله من ضربة سياسية ودبلوماسية موجعة لجهودها الرامية لمحاصرة م.ت.ف، ولتدمير هدف إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران للعام 1967م، وإستبداله بأية حلول أخرى لا ترتقي إلى قيام الدولة الفلسطينية، بما فيه إدامة إحتلالها وإستيطانها للأراضي الفلسطينية وضمها للقدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وترسيخها ورعايتها لإستمرار الإنقسام الفلسطيني الناتج عن إنقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية الفلسطينية وإستمرار خطفها لقطاع غزة بديلاً عن تحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران بما فيها القدس عاصمة لدولة فلسطين ...
وهنا تتناغم قوى الشد العكسي الفلسطينية وتحالفاتها المقيتة عربياً ودولياً مع المستعمرة الإسرائيلية في التشكيك في مثل هذه الخطوة وغيرها من الإنجازات التي حققتها وتحققها م.ت.ف بقيادة الرئيس أبو مازن ... ما يجعلنا نتوقف ملياً أمام الخطوات التي سعت حركة حماس بالتنسيق مع حكومة المستعمرة الإسرائيلية وبالرعاية القطرية لتغذية وإدامة الوضع الراهن لقطاع غزة وتقديم الدعم المالي له من البوابة الإنسانية لما أحدثته سياسات الأمر الواقع التي يرضخ تحت وطأتها قطاع غزة منذ إنقلاب حركة حماس وحرف بوصلة النضال الفلسطيني عن التوجه نحو تأكيد الدولة الفلسطينية ومشروعيتها على كامل الأراضي المحتلة للعام 1967م، إلى المسألة الإنسانية التي أحدثتها لقطاع غزة حارفة الأنظار عما يحصل لمدينة القدس من استيطان وضم، وإنتشاراً للإستيطان في ربوع الضفة الفلسطينية ذلك ما يمثل الهدف والمطمع التوسعي للمستعمرة الإسرائيلية ... ولم تتورع قوى الشد العكسي عن التشكيك في مجمل الإنجازات الوطنية ومنها هذا الحدث الهام على طريق الحرية والإستقلال وكسر سياسات الإحتلال على أرض الواقع من خلال النضالات والمواجهات الشعبية اليومية في القدس وفي جميع أنحاء الضفة الفلسطينية، وفرض العزلة السياسية والدبلوماسية الدولية عليه ...
وفي الوقت الذي باتت فيه حكومة المستعمرة الإسرائيلية تضيق ذرعاً بهذه الإنجازات السياسية والدبلوماسية للقيادة الوطنية والشرعية للشعب الفلسطيني بقيادة الرئيس أبو مازن وفق ما عبر عنه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي (جلعاد أردان) بكل صلف ووقاحة بأن (الكابينت ناقش مصير عباس، وسيكون مشابها لمصير عرفات .. ونفكر بمنعه من العودة إلى الضفة ..الخ) يظهر مدى الضيق الذي باتت تعانيه حكومة المستعمرة الإسرائيلية من تلك الإنجازات والسياسات التي تلتزم بها القيادة الفلسطينية في مواجهاتها مع حكومة الإحتلال وإجراءاتها التعسفية،الشيء المحزن أن يتوافق هذا الغيظ من حكومة الكيان الصهيوني مع المواقف التي أعلنتها ما يسمى (كتلة حماس في المجلس التشريعي المنحل) وما أرسله رئيس كتلتها أحمد بحر إلى البرلمانات العربية والدولية وإلى الأمم المتحدة من برقيات مسمومة تطالب بنزع الشرعية عن الرئيس الفلسطيني أبو مازن وإعتباره مغتصباً للسلطة وفاقداً للشرعية، وتطلب منها وقف التعامل معه، ما لم تقدم عليه حكومة المستعمرة الإسرائيلية للأسف تقدم عليه حركة حماس .. بدلاً من أن توقف هذه المهاترات السخيفة التي تدل على ضيق الأفق السياسي والدبلوماسي وتتوجه لإنهاء إنقلابها وتلتزم بما تم الإتفاق عليه من إتفاقات غايتها إستعادة الوحدة السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني وإنهاء الإنقسام، وإزالة آثار إنقلابها المشؤوم الذي جرَّ الويلات على قطاع غزة وعلى مجمل القضية الفلسطينية ... وحرف بوصلة النضال الوطني عن إتجاهها الصحيح، هكذا تقع في خندق واحد مع حكومة الإحتلال في مواجهة القيادة الوطنية للشعب الفلسطيني للأسف.
رغم كل ذلك فإن القضية الفلسطينية ستبقى عصية على التصفية والإندثار وستبقى فلسطين الرقم الصعب في معادلات المنطقة، وبكل ثقة وإقتدار نقول أن الشعب الفلسطيني سيواصل طريقه الشاقة والصعبة من أجل إنهاء الإحتلال والإستيطان وإنتزاع حقوقه المشروعة بمختلف وسائل الكفاح، فدولة فلسطين قادمة لا محالة والإحتلال زائل لا محالة، ولا تنازعوا فتفشل ريحكم ..!
الآية: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾.
سورة الأنفال (الآية 46).
د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
E-mail: pcommety @ hotmail.com
الرياض 14/01/2019م الموافق 08/05/1440هـ
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس