كمن ينفخ في قربة مقطوعة أو كمن يعبئ الماء في الغربال ... هذا هو حالنا ونحن ننادي ونناشد ونرجو من قوى الشعب وقادته وفصائله أن يعودوا إلى رشدهم ويقدموا مصلحة الشعب والوطن على مصلحة الحزب والفصيل على قاعدة أن الحزب والفصيل وجدوا أصلا من الوطن والشعب ولهم وحين لا يبقى وطن ولا شعب لن يبقى حزب ولا فصيل ولا عشيرة, وما يجري في فلسطين حاليا بكل أشكاله تكريس غريب للتفكك والانقسام وبعيدا عن القسمة حتى فنحن لا نفعل غير أن ننقسم في حين يقتسم الأعداء الوطن ليس معنا ولكن فيما بينهم, وفي حين ننشغل نحن بشرعية فلان الشخص أو فلان الجماعة وبالمكائد لبعضنا البعض وبفرض القطيعة بيننا وبين شعبنا وبلادنا بحيث تصبح القدس حكاية الأعداء منفردين يفعلون بها ما يشاءون مكتفين بإعلان رفضنا وكفى الله المؤمنين شر القتال, ولا تبقى غزة لأحد ولا الضفة لأحد ونعتقد خاطئين أننا نمسك بالأرض بهذا الشكل أو ذاك سواء في الضفة أو في غزة ولا فرق على الإطلاق بين ما يجري هنا وما يجري هناك فغزة محاصرة من الجميع ومغلقة بأقسى أشكال الحصار والعزل وليست الضفة بأحسن حال من حال غزة فهي أيضا محاصرة من كل جانب ومفتاح أبوابها بيد الاحتلال فقط يفتحها وقت يشاء وكيف يشاء ويغلقها وقت يشاء وكيف يشاء ويستبيحها حيث ووقت يريد دون أن يردعه احد.
عدوى الانقسام لم تقتصر على الضفة وغزة بل طالت العدوى ذاك الجزء المنسي من الوطن في الجليل والمثلث والنقب والشاطئ وكان قرار انسحاب حزب الطيبي من القائمة العربية المشتركة مسمارا جديدا في نعش الوحدة الوطنية الفلسطينية التي يحلم بها شعبنا ناهيك عن غياب وحدة الأرض التي باتت تغيب حتى من أغانينا.
علينا اليوم أن نترحم على تلك الأيام التي كان قاموسنا السياسي فيها يزخر بمصطلحات النشوة الوطنية حين كانت دولة الاحتلال تحمل أسماء مثل " الكيان المصطنع " وتعبير " الدولة المزعومة " و " الكيان الصهيوني " وفي أحسن الأحوال دولة الاحتلال وحين كنا نتبجح بتسميتهم بأبناء القردة والخنازير وقد أصبحنا اليوم غير قادرين على تسمية أنفسنا ولا بلادنا فلا اسم لغزة ولا اسم للضفة ولا اسما يوحد ما تنازلنا عنه من أراضي احتلت عام 1948 ولم تعد القدس شطرا لنا وشطرا لهم بعد أن أضاعوا من على الأرض علامات الانشطار حين انشطرنا نحن فيما بيننا بكل مكان.
لا احد في رام الله سيسمع اليوم بعد أن جلس تحت يافطة قرار المحكمة الدستورية بلا دستور ولا احد في غزة سيسمع اليوم بعد أن استراح على مقاعد تشريعي محلول دون حل وسحب الشرعية بلا شرعية عن رئيس ألغاهم أصلا قبل أن يجدوا طريقا لمجلسهم ودون أن يترك لهم فرصة الإتيان بشرعية الاجتماع عددا وبذا أصبحنا في الضفة برئيس وبلا تشريعي وفي غزة بتشريعي وبلا رئيس وزدنا الطين بلة حين قرر الطيبي أن يأتي على آخر أمل لدى المنسيين من الشعب والوطن بان انهارت وحدة أهلنا هناك ولو في قائمة لكنيست الاحتلال, ولا زال كل طرف من أطراف قسمتنا وتقسيمنا يصر على انه الأحق والأكثر حرصا على وطن صار لزاما علينا أن نبحث عن آليات لإعادة توحيده ولو على الخرائط بعد أن أكلت المستوطنات منه ولا زالت كل ما تريد بما يكفي لتمزيقه وطمس صورته العربية وتغيير ملامح ترابه لتصبح بلون الأعداء ولمن لا يعرف الحقيقة تلك عليه أن يسافر من زعتره باتجاه رام الله أو سلفيت أو القدس وبين وادي النار باتجاه الخليل ليدرك جيدا انه لم يعد بإمكانه أن يقرأ صورة وطنه ولا أن يتعرف عليها إلا بإتقان قراءة يافطات ما لم يتبقى من بلادنا بالعبرية التي تملأ الطرق ومع ذلك لا زلنا جميعا نتبجح باسم الوطنية والحرص على الوطن.
مقطوعة كل القرب في غزة ورام الله وحتى في الجليل والمثلث والنقب والشاطيء في حين غابت قبلة القدس عن قبلاتنا فلا احد سيسمع ولا احد يريد أن يسمع ويبدو أن لا أحد باتت لديه الرغبة حتى بان يصرخ بأن جريمة إضاعة الوطن وتمرير جريمة العصر الترامبية تمضي قدما ليس على أيدي الأعداء بل على أيدينا نحن وبإرادتنا نحن وبادراك واضح منا فجميعنا يعلم حق العلم أن الاحتلال يريد دولة فلسطينية في غزة وجزء من سيناء لينفذ بها شعاره دولتين لشعبين بإضاعة القدس إلى الأبد وفرض نوعا من الإدارة الذاتية المقيدة في مناطق الضفة الغربية المقطعة الأوصال بطرق ومستوطنات تتنامى يوميا بينما تتنامى في أوساطنا القطيعة والفرقة والانشغال بتحقيق النصر للأعداء بصناعة انتصارات الوهم للقبائل لتي تسمى زورا فصائل الوطن والشعب والتحرير بعد أن أدار الجميع ظهره كليا للوطن والشعب والقضية بحيث أصبح لكل قبيلة منا قضيتها وشعبها ووطنها ولو في الوهم, وبالتالي يبقى السؤال هل هناك من سيسمع الحقيقة وهل هناك من سيصحو على الحقيقة وهل هناك من سيقبل بان يعلو الوطن والشعب على القبيلة لتعلو القبيلة حقا لا وهما إن هي جعلت هدفها الحقيقي وحدة الوطن والشعب ومواصلة الكفاح للحرية لا للضياع.
بقلم/ عدنان الصباح