إن علاقه الشرق والغرب ظاو العلاقة بين الاسلام والمسيحية كانت عبر التاريخ علاقة تتميز في الصراعات والحروب والتنافس فيما بينهما ، فمن لا يذكر الفتوحات الاسلامية ومن لا يذكر الحملات الصليبيه العديدة ؟ هذا هو التاريخ ولكن ولحسن الحظ فإن المؤرخين خبرونا ايضا انه في فترات معينه حاول الشرق والغرب في خلق علاقات غير عدائية وغير تنافسية وغير عدوانيه باسم التعايش السلمي، باسم حسن الجوار والانسانيه و التسامح والعلاقات الأخويه الانسانية القائمة على الاحترام المتبادل والحوار البناء.
ففي شهر سبتمبر من عام 1219 ترجل مشيا على الأقدام الراهب الايطالي الذي يدعى فرنسيس من أسيزي او يعرف بفقير أسيزي ، هذا الراهب الفقير والمتقشف ايمانا منه من ضرورة نهاية فترة الحروب الصليبية ولقاء المسلم في دياره للتعرف عليه وللحوار معه ولبدء علاقة جديدة معه ترجل مشيا على الأقدام حتى وصل الشرق الاوسط والتقى في سلطان مصر مالك الكامل .
يكتب المؤرخون في ان اللقاء كان ودي للغايه فلا السلطان أبدى اي خوف من الإنجيل ولا الراهب فرنسيس أبدى اي خوف من القران كما تخبرنا كتب التاريخ في ان اللقاء كان قائم على الاحترام المتبادل والحوار البناء وان كلاهما لم يحاول إقناع الاخر بمذهبه او بدينه .
مع الأخذ بعين الاعتبار اننا نتحدث عن حقبة تاريخية كانت متميزة من ذروه التنافس والصراع بين الشرق المسلم والغرب المسيحي وانه في تلك المرحلة التاريخيه كان ملوك الغرب ورجال الكنيسة في ذروه قوتهم العسكرية وكانوا بين فتره واُخرى يرسلوا الحملات الصليبية لتحرير القبر المقدس والأراضي المقدسة.
فكان اللقاء الغير مرتقب بين شخصيتين رفيعتين المستوى في اشرق والغرب ومما لا شك فيه في ان الراهب فرنسيس والسلطان مالك الكامل لم يكن سهل عليهم اتخاذ قرار من هذا النوع وخاصة اننا نتكلم عن مرحلة تاريخية كانت المعركة والجيوش والحرب سيدة الموقف ، رغم ذلك شجاعة وقناعة الراهب الايطالي الفقير وشجاعة وقناعة سلطان مصر في بداية مرحلة تاريخية بين الطرفين قائمة على حسن الجوار وعلى التعايش السلمي والاعتراف المتبادل كانت اقوى من جميع الانتقادات والتحديات التي واجهها الراهب الفقير وسلطان مصر .
اليوم وبعد مرور٨٠٠ سنة عن ذلك اللقاء التاريخي يعود ويتكرر لقاء شبيه له، اللقاء حيث أن بابا الفاتيكان والذي أعطى لنفسه اسم فرنسيس على اسم فرنسيس الأسيزي عندما اعتلى كرسي الفاتيكان يذهب الى ديار العرب ـ،حيث يلتقي في زعماء بعض الدول ورجال الدين ويوقعون على وثيقة الخطوة والانسانية في اسم التعايش السلمي والاعتراف المتبادل والحوار البناء بين الطرفين بين الشرق والغرب وكأنهم يريدوا ان يقولوا للعالم اجمع : نعم إن التاريخ يعيد نفسه ببطء ولكنه يعيد نفسه.
طبعا نحن الان ليس في عهد الحروب الصليبية وليس في حقبة ذروه الصراع بين الشرق والغرب لكننا وبدون شك نعيش مرحلة تتميز في نمو الصراع الديني والتعصب والتطرف ذات الطابع الديني والعرقي فكيف لا ونحن نرى يوميا الاعتداءات على أماكن العبادة في الكثير من دول العالم .
إن هذه المحاولة الشجاعة والجريئة التي قام بها بابا الفاتيكان ورجال الدين العرب ورؤوساء بعض الدول في شبه الجزيره العربية يجب ان تحظى بدعم كل إنسان حر بغض النظر عن انتماءه الديني او العرقي لان الوثيقة التي وقعوا عليها قائمة على الاعتراف المتبادل، قائمة على التعايش السلمي والأخوي وعلى نشر ثقافه السلام والحرية والعدالة الاجتماعية .
املنا الوحيد ان لا تنتظر الاجيال القادمه ٨٠٠ عام اخرى لتكون شاهدة على هذا النوع من اللقاءات ، املين ان يتبع هذا اللقاء خطوات عمليه في الشرق وفي الغرب لنشر ثقافة السلام والحرية والتعايش السلمي بداية من الارض المقدسة ، من فلسطين والتي تنزف دما من جراحها منذو عقود عده بمسحييها ومسلميها خاضعة تحت الاحتلال الغاشم لان اي لقاء بين الشرق والغرب وأي اتفاق اذ لم يشمل حريه واستقلال فلسطين سيبقى فقط حبرا على ورق.
بقلم/ د. ميلاد بصير