عظيمة بعظمة ما قدمت من تضحيات ومن ممارسة سياسية وحدوية
شكل تاريخ الثاني والعشرين من شباط من العام ١٩٦٩ محطة مفصلية في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية، وفي مجرى الصراع مع العدو الصهيوني عبر استقلال التيار اليساري المسلح الذي عنون بانطلاقته صيغة نضالية جديدة رسم فيها معالم المرحلة التي ستتسم لاحقا باستراتيجية مواجهة من نوع فريد، حملت فكرا سياسيا معززا بالبندقية الثورية وفهم عميق لطبيعة إدارة الصراع مع العدو الصهيوني بمقاربة واقع العمل الثوري لكيفية إدارة الصراع بمختلف عناوينه..
وبرغم كل الظروف التي لم تكن تميل لصالح فلسطين، فقد تمكنت الجبهة الديمقراطية من ان تفرض نفسها كأحد الأعمدة الثورية التي نهضت بواقع الشعب الفلسطيني المشرذم لتنقله من حال الى حال، وهو الذي عانى من محاولات عديدة لطمس نضاله الوطني وهويته الوطنية، من خلال إعادة تجميع الشتات الفلسطيني متسلحا بهويته الحضارية والتاريخية والوطنية ضمن إطار سياسي جامع شكل القلعة الحصينة كان عنوانه البيت الفلسطيني الذي مثلته منظمة التحرير الفلسطينية..
فمن العمل العسكري النوعي الى البرنامج السياسي والوطني والاجتماعي الذي رافق عملية التطور السريعة لاداء المواجهة والمجابهة، صاغت الجبهة الديمقراطية مسار عملها الثوري مستنبطة قواعده الرئيسية من الحركة الجماهيرية الفلسطينية وطبيعة تكوينها الذي رافق واقع الاحتلال واللجوء. وكان للنضال الاجتماعي والاقتصادي النصيب الأوفر من اهتمام قيادة الجبهة الديمقراطية باعتباره المسلك السليم في تطوير الحركة الجماهيرية وتحشيدها في مسار سياسي واعي يضع نضال الحركة الجماهيرية على سكة المسار الوطني التحرري مخصصة لتلك البرامج النضالية القطاعية التي تتعامل مع مختلف القطاعات بحسب المكان والتحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها عملية التحرر وتقرير المصير. وبهذا، فان هذه المنلسبة، الذكرى الخمسون للانطلاقة، لا تقاس بعدد ايامها وسنينها، بل بمقدار ما حققته من تطور في خارطة النضال التحرري الفلسطيني وفي خارطة العمل السياسي والعسكري والجماهيري الواعي والمسؤول الذي جعل من الجبهة الديمقراطية حزبا عريقا، وقائدا لاهم مشاريع التحرر والنضال ضد قوى الاحتلال والاستبداد التي غرست انيابها في قلب المنطقة العربية ومجرى تطورها الطبيعي..
وحفلت مسيرة الكفاح الجماهيري والعسكري للجبهة الديمقراطية بالكثر من العطاءات واغنت هذه المسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال ادبيات العمل الوحدوي باعتبارها السلاح الاقوى في يد الجماهير الفلسطينية وقوى التحرر الفلسطينية. فآمنت الجبهة، ومنذ بداياتها، بالعمل المؤسساتي الديمقراطي الذي يشكل ضمانة للشراكة الوطنية، ولم يغب استحقاقا وطنيا مفصليا في حياة الثورة الفلسطينية إلا وكانت للجبهة الحصة الأكبر في بلورة عنوانه من خلال برامجها النضالية الوحدوية المدعومة بقوة الفعل الجماهيري مستنبطة بحنكة القيادة الرصينة متطلبات المرحلة المبنية على الوقائع الملموسة ومجريات التطور الاقليمي والدولي، فكان للجبهة الديمقراطية شرف شرعنة العمل السياسي الفلسطيني ووضعه على خارطة الاهتمام السياسي العالمي بإطلاقها للبرنامج المرحلي الذي شكل علامة فارقة من حيث الطرح والاستراتيجية والأداء، معززة اياه بالعمل العسكري الهادف والذي توجته بجبهة مواجهة عريضة نموذجها الذي ما زال بارزا حتى الآن في عملية معالوت - ترشيحا النوعية، بحيث أصبحت البندقية الناطقة الرسمية بلسان البرنامج السياسي. تلتها سلسة من العمليات البطولية التي صبت في سياق الهدف الثوري المراد تحقيقه فاربكت قيادة الاحتلال الإسرائيلي لما حملته من فكر سياسي هادف مسلحا ببندقية ثائر..
لم تكن قضية اللاجئين وحق العودة ونموذجها عشرات المخيمات الفلسطينية في قاموس العمل الوطني للجبهة الا قلاعا ثورية دافعت عنها الجبهة الديمقراطية بكل بسالة مقدمة في سبيلها خيرة قادتها وكوادرها الذين سقطوا في قافلة مشرقة ومشرفة على أبواب تلك المخيمات منعا لمحاولات شطب مكانتها ولما ترمز اليه من شاهد على الجريمة التي اقترفت بحق الشعب الفلسطيني، ولا زالت حتى اللحظة تقدم خطابا سياسيا متوازنا وتدعو على الدوام الى التوازن في العمل السياسي واعطاء الجماهير الفلسطينية في جميع مناطق تواجدها حق المشاركة في العملية الوطنية، نقيضا لما رسمه اتفاق اوسلو من تجاهل احيانا لهذه القضية الهامة وتواطىء في احيان اخرى..
واليوم تكمل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عامها الخمسون مسلحة بإرادة الجماهير الفلسطينية ومستندة لفكرها السياسي الوحدوي الثوري، وهي تخوض معركة الدفاع عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني المهددة بالتصفية من قبل الحلف الصهيوني - الأمريكي من خلال ما بات يعرف بصفقة القرن، متقدمة ببرنامجها النضالي البديل وبرؤيتها السياسة المتزنة الهادفة لإخراج الحالة الفلسطينية من عنق الزجاجة التي حشرت بداخلها بعد أكثر من ربع قرن من المفاوضات العبثية التي رافقت اتفاق أوسلو وما نتج عنه من كوارث وطنية طالت مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية.. وهي اليوم اكثر تصميما واندفاعا على المضي قدما على درب النضال والكفاح والتضحية مسلحة بعزيمة شعبها المناضل الذي يأبى الا ان يكون عظيما في عملية التحرر الوطني..
فالمجد لهذه الجبهة العظيمة بعظمة ما قدمت من تضحيات ومن ممارسة سياسية وحدوية ورصينة نحتاج اليوم في هذه المناسبة التي نطمح ان يكون عامها النضالي الجديد عام انهاء الانقسام والوحدة..
عاشت ذكرى انطلاقة المارد الأحمر وتاج اليسار المقاتل، ومدرسة العمل السياسي المسلح.
بقلم/ جهاد سليمان