نحن وإعلام الاحتلال

بقلم: عدنان الصباح

بعد هزيمة عام 1967م وسقوط الضفة الغربية وقطاع غزة في قبضة الاحتلال وانقطاع سبل التواصل الخارجي مع العالم إلا من خلال سلطات الاحتلال وجيشه وحاجة السوق المحلي لبدائل للبضائع التي توقفت عن الوصول لأسواق الضفة الغربية وغزة كما كان الحال قبل الاحتلال وجد بعض التجار الفلسطينيين أنفسهم يبحثون عن البضائع الإسرائيلية إما من باب تلبية احتياجات السوق مع غياب البدائل او اعتمادا على هذا السبب للإثراء السريع بغض النظر عن المصالح الوطنية وضرورة مقاطعة الاحتلال بكل الأشكال ولم تستمر هذه الحالة طويلا بعد ان تنبهت الثورة الفلسطينية لهذا الخطر وأصدرت تحذيرها لكل المتعاملين مع بضائع الاحتلال وأعلنت بيانها بواسطة صوت الثورة الفلسطينية حيث سارع التجار فور سماعهم للبيان والتحذير الى التخلص من تلك البضائع حد إلقائها في الشارع في محاولة لنفي تهمة التعاون مع الاحتلال بكل الأشكال المتاحة بما فيها إلقاء أموالهم في الشارع وتركها لمن يريدها بدون مقابل..

في بدايات الاحتلال كانت أي علاقة مع الاحتلال من أي نوع جريمة تصل حد الخيانة بغض النظر عن نوع او حجم او هدف تلك العلاقة ولا عن مستواها وظل الأمر كذلك لأمد طويل كان الفلسطيني يتحاشى الشبهة حتى ولا يقبل التنازل عن عداءه للاحتلال ولا يجرؤ احد على المجاهرة بتلك العلاقة ولم يكن هناك بين الفلسطينيين من يعرف او يهتم او يقبل حكاية التطبيع وهي مصطلح لم يكن له وجود حتى في الخطاب السياسي او القاموس الفلسطيني ايا كان مستواه حين لم كن ممكنا تلوثن الخيانة او تفسيرها او تحويلها لدى البعض الى وجهة نظر وقد كان للثورة الفلسطينية وصمودها وقيادتها للشارع الفلسطيني الأثر الرئيس في ذلك.

لم يعتقد احد ان أوسلو ستغير كثيرا في الأمر خصوصا وان الشعار الذي ساد في بدايات تطبيق أوسلو ظل قائما ومتواصلا مع الخطاب الوطني وحتى مع بعض التغيير في الخطاب الرسمي إلا ان الخطاب التعبوي الثوري حتى في أوساط من قبل أوسلو ووقعوا عليها ظلت هي الأساس الذي لم يتوقف للحظه في كل أشكال الوعي الفلسطيني الشعبي والفصائلي او الحزبي ان جاز التعبير بل ونشطت حركات المقاطعة والدعوة للمقاطعة وأعطت ثمارها في كثير من الحالات خصوصا أثناء الانتفاضة الشعبية الثانية ولا زالت بعض حركات المقاطعة العالمية حتى يومنا تحقق انجازات حقيقية على الأرض وفي مقدمتها حركة ا لبي دي أس التي تحاربها دولة الاحتلال والولايات المتحدة أبشع حرب بسبب من حجم تأثيرها العالمي والنجاحات التي تحققها.

ما دفعني لهذه المقدمة الطويلة هو ما بات يصبح مشهدا مألوفا على صفحات التواصل الاجتماعي المعروفة كالفيس بوك وتويتر ويوتيوب وغير المعروفة منها وخصوصا تلك التي يديرها ما يسمى بمنسق أعمال الاحتلال في المناطق المحتلة وأشهر تلك الصفحات هي الصفحة المسماة ب " المنسق " على الفيس بوك وقد حاولت ان أتابع ما ينشره المنسق وما يسعى إليه من خلال هذا الاهتمام الزائد بوسائل التواصل الاجتماعي او " السوشيال ميديا " والتي على ما يبدو تجد رواجا كبيرا في أوساط شعبنا الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وغزة ففي حين ننشغل نحن في صراعاتنا واقتتالنا وانقسامنا ينشغل الاحتلال وأذرعه بالبحث عن وسائل وطرق ناجحة في اختراق صفوفنا وتدمير وحدتنا الداخلية وخلخلة وطنيتنا بالمفهوم العام والدقيق في ان معا.

يسعى منسق الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة الى تجميل صورة الاحتلال وأدواته وإجراءاته وتقديم سلوكه بما في ذلك جرائمه بصورة مغايرة لواقعها او لأهدافها فهو مثلا يتحدث في احد منشوراته على صفحة الفيس بوك عن مشروع دخول إسرائيل عبر بوابات سريعة تعمل ببصمة العين على حاجز قلقيلية وكذا مشروع باب لباب على حواجز الخليل لنقل البضائع وفي الفيديو المنشور نستمع الى عمال فلسطينيين يتحدثون عن انجاز بصمة العين والتسهيلات التي حققها لهم دون ان ننتبه الى أصل الجريمة القائمة بوجود الاحتلال نفسه ليتحول نظرنا الى انجازات للاحتلال عجيبة غريبة يجعل من الجريمة أمر عادي ومن تجميلها انجازات, هذا الفيديو منشور منذ 23 ساعة الآن " أثناء كتابة هذا المقال " وقد حصل على أكثر من 49 ألف مشاهدة و 22 مشاركة و988 إعجاب وحب ودهشة من قبل مواطنين فلسطينيين و 148 تعليق بعضها يكيل المديح للمنسق والانجاز وبعضها يتقدم بشكاوي والبعض يسال او يقدم طلبا وقد جاءت بعض التعليقات على شكل " كل الاحترام والتقدير " شي رائع " والبعض يطالب بتكرار التجربة نفسها على حواجز أخرى كحاجز قلنديا وكان الحواجز أمر واقع عادي ومقبول من قبلنا والبعض يطالب بحل مشكلته الشخصية كل ذلك دون أي تردد او حتى شعور بالذنب من قبل المشاركين او المعلقين او المعجبين.

منشور آخر على الصفحة عن التعاون الزراعي الإسرائيلي الفلسطيني حصل على 1200 تفاعل وهناك 50 مشاركة و 103 آلاف مشاهدة للفيديو خلال الأيام الخمسة الماضية فقط وفي بوست عن الاستغلال من قبل النصابين للحصول على تصاريح كان هناك 5000 تفاعل 770 تعليق 143 مشاركة وفي فيديو يتحدث عن الإرهاب الحمساوي في غزة كما اسماه هناك 336 ألف مشاهدة و3800 متفاعل بينها 200 هازئ و200 غاضب هذا يعني ان هناك 3400 معجب بما ورد في الفيديو الذي يصف المقاومة بالإرهاب الى جانب ان هناك 688 تعليق مع ان الغالبية المطلقة ضد الفيديو وتهاجم المنسق والاحتلال إلا ان ذلك يعني ان الهدف وصل وهو إجراء نقاش مع المحتل يطال مقاومة شعبنا ووصل الأمر ب 66 مشاركة للمنشور بما يعني المساهمة في تعميمه ومهما كانت الأهداف فتلك جريمة بشعة ان تساهم في نشر ما يريده عدوك.

أكثر من 300 ألف مشاهدة لفيديو في صفحة المنسق مقابل اقل من 900 مشاهدة لفيديو آخر على صفحة احد الفصائل الفلسطينية الرئيسية و 3800 متفاعل لفيديو المنسق مقابل 39 متفاعل للفيديو الفلسطيني 688 تعليق على فيديو المنسق مقابل تعليقان يتيمان على الفيديو الفلسطيني احدهما ملغي والموجود يعارض ما جاء في الفيديو والمصيبة الأكبر ان عدد المعجبين بصفحة المنسق حوالي 517 ألف مقابل 174 ألف عدد المعجبين بصفحات ستة فصائل منضوية تحت لواء منظمة التحرير وعدد المتابعين لصفحة المنسق 527 ألف مقابل 182 ألف متابع لصفحات فصائل منظمة التحرير.

ان علينا جميعا ان ندق ناقوس الخطر اليوم وعلى قوى الشعب والثورة ومؤسساتنا الوطنية ان تتنبه لخطورة ما يجري على الأرض وما يقوم به إعلام الاحتلال وخصوصا على وسائل التواصل الاجتماعي مما يؤكد ضرورة وجود برامج وطنية فاعلة لاستعادة الوعي الوطني ومشاعر الاعتزاز بالانتماء الوطني والقضية الوطنية وان لا تتحول المطالب الحياتية اليومية الى بديل لكل المشروع الوطني وان لا نصل لمرحلة الكفر بالقضية بعد ان اقتربنا من حال الكفر بالفصائل ان بقي الجميع منشغلا بالذات الحزبية ومغمضا عينيه عن حقيقة ما يجري على الأرض وتتحمل القوى والفصائل والأحزاب جميعها المسئولية الوطنية تجاه الأجيال الناشئة قبل غيرها, واحد لن يرحمهم غدا ان هم أمعنوا في إدارة الظهر لمهامهم الحقيقية على الأرض وفي المقدمة مهمة إنهاء كل أشكال الانقسام كونه الصانع الأساسي لكل إحباط يعيشه شعبنا وشبابنا في المقدمة.

بقلم/ عدنان الصباح