ساق الله.. في قديم الزمان ..كان للكاتب شنة ورنة وقيمة وشان ..!
في العصر اليوناني سطعت على البشرية شموس سقراط وارسطو وارشميدس
و في العصر الجاهلي كانت القبيلة تقيم الافراح والليالي الملاح اذا ما بزع فيها نجم شاعر.. فهو سيفها الذي يذود عنها دون دم وهو وزير اعلامها.. الاشهر من كل شيوخها يتغزل بحسانها ووديانها ويبكي اطلالها ويهجو اعداءها ويمدح ولاتها.. متنغنغا بالعطايا والمزايا والجواري!.
وقد برع من الشعراء من برع وبدع من الكتاب من بدع وتواتر بهم الرواة فعرفنا قيسا وجميلا وزهيرا وعروة وجريرا وابي فراس .والخنساء..وعرفنا فيما بعد الخطباء والبلغاء والادباء كابن المقفع وابن برد وشيخ الساخرين الجاحظ !
صحيح ان نهايات بعضهم كانت جرفا او شويا او شنقا أو خوزقة ولاتقل ابشاعة عما حدث للشيوعي الحلو و السعودي خاشقجي في عصرنا الحديث الا ان مكانة الكاتب قديما كانت بشكل عام عالية جدا ولا وجه لمقارنتها بمكانة كاتب اليوم واذا كان لابد من مقارنة فلتكن بين ذهب وخشب !
الكاتب في قديم الزمان كان معززا مكرما له كاريزما كالمتنبي و له صدر المكان رأسه برأس الملوك واهل الجاه والسلطان يخشى الجميع لسانه ويتمنون مدحه ومكانه .. أما كاتب العصر والأوان .. فهو صعلوك مهان أو قل من عامة الناس .. لا مكانة خاصة له ولا احترام .. ذيل باهت في الغالب وشاهد زور لحصان سياسي جاهل غرور..!
هو تماما ك(بياع ترمس) على ناصية السرايا لا وجود له غاب او حضر.. او كمتقاعد ثرثار يفترسه الاهمال والزهايمر حاملا قصاصات بوح وقهر.. يعرضها على المارين الباحثين عن عطايا المائة والشاكرين الحامدين نعماء امير قطر.. فيتهمه المتعالون .. بالعته والثرثرة ويتصارخون عليه (ياشيخ روح ناااام ) في مشهد انحطاط كأنه المسخرة!
والسؤال الذي يلح على الخاطر :لماذا هذا التدني في السعر والقيمة بين ماض وحاضر؟
الاجابة ببساطة ودون فذلكة .. ان الكاتب في زمن الفاقة والحاجة الا ما ندر.. رفع الراية البيضاء و ارتضى ان يكون تابعا وظلا للسياسي الذي يسرح ويمرح في vip ونثريات وبدل غربة وسفريات وفنادق وأضواء وكاميرات ومناسف وسمك الشاطئ والكباب! بينما الكاتب الصعلوك لايجد حتى فرشوحة فلافل من وراء الساسة الاحباب .. قانعا ب وظيفة أ و كبونة أو ما ستر.. فالجوع كافر ..الكاتب المشبع بالقهر يبحث عن سند وظهر! فالادب والابداع في سطوة رقصة الكيكي والدولر لا يقدم علبة حليب لرضيع او ربطة خبز لاسرة تضيع !
قبل أيام كنا في بيتنا الموبوء كسائر مؤسسات الوطن بفيروسات الفصائلية والهيمنة والفهلوة والاقصاء!
وكان في ضيافتنا رجل والرجال قليل! رجل يكاد يكون هو الحارس الوحيد للضاد بين السياسيين الجهلة الذين يهينون في اان الوطن واللغة والمواطن العدمان!.. وهو الى الادب والادباء اقرب .. وبعيدا عن المجاملات والرسميات اللزجة صارحته بتحديات ومعانيات الكاتب في عزه وفي عجزه! وماعليه من مسئوليات وطنية وما له من استحقاقات ادمية ! .. في الوقت الذي نواجه فيه مؤسسات انقسامية موازية يغدق عليها في سبيل بناء خلافة او امارة اوحتى ربع حارة ! بينما نحن نكاد نتسول لتوفير شيكلات من هناك وهناك للمواصلات والفعاليات ..!
ونصحنا الرجل بوضوح ان نرفع صوتنا عاليا.. ونقاتل بشكل حضاري من اجل ان يستعيد الكاتب مكانته وحقوقه ودوره....! والله عفارم عليه وكثر خيره لانه الوحيد من سأل وزار بينما معظم الفصائل لاحس ولاخبر! كنت انظر الى اولئك الكتا ب الموظفين المؤدبين جدا والخائفين على بقية الراتب بعد ان القوا مرافعاتهم الجميلة الخجولة ..اولئك الذين انتخبوا خصيصا بارادة مطبخ الفصيل وتقلدوا الأمانة لانهم فقط عبد السميع وعبد المطيع وعبد المهيمن وعبد الفضيل !
تذكرت من سبقوني الى الاخرة استاذي وملهمي غسان وناظم حكمت وزملائي عبد الحميد طقش وزكي العيلة ومحمد ايوب وعثمان خالد .. شتان بين الثرى والثريا واسمع في اخبار الصباح عن اغتيال شهيد كربلاء الكاتب العراقي (علاء مجذوب) ويمر الخبر بصمت لان الجزيرة لامأرب له فيه! ولأننا مشغولون بتفاهاتنا !
تنهيدة مقهور ومقموع ومحارب وابتسامة ساخرة تحت يا فطة ضخمة لحرية التعبير..قررت أمرا ما وأنا أهمس لنفسي كما همس سعد زغلول يوما شدي عليا اللحاف ياصفية !
: مفيش فايدة !
توفيق الحاج