كلما زار قياديون من فصائل فلسطينية مختلفة، عاصمة عربية، خصوصاً القاهرة، كان هاجس الصحافيين والمراقبين، السؤال عن ملف المصالحة والوساطات والعقبات، واحتمالات التوصل إلى تفاهمات بشأن إنهاء الانقسام.
خلال الأسبوع الأخير تواجد قياديون من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ولحق إلى القاهرة، شخصيات قيادية من الجبهتين الشعبية والديمقراطية ثم من حركة فتح، لكن وجود تلك القيادات كان لأسباب مختلفة ليس من بينها الحوار، ولا ملف المصالحة أو التهدئة.
ما عدا وفدي حماس والجهاد الإسلامي، كانت الشخصيات القيادية من الفصائل الأخرى، قد التحقت باجتماع برلماني عربي، فهي ليست مدعوة من الجهة التي تتابع ملفي المصالحة والتهدئة، لكن وجودهم في القاهرة، يشكل فرصة للقاءات روتينية مع من يتابع الملف الفلسطيني من جهاز المخابرات المصرية.
هذا يعني أن المخابرات المصرية، وإن لم تطو دورها في متابعة ملف إنهاء الانقسام، لكنها تبدو وكأنها فقدت الأمل في تحريك هذا الملف بعد جملة من الإجراءات والقرارات، ومثلها من ردود الفعل السلبية التي صدرت عن حركتي فتح وحماس.
الدعوة التي وصلت إلى حركتي حماس والجهاد، كان الدافع إليها بحث ملف التهدئة مع إسرائيل، بعد التفاهمات التي توصلت إليها القاهرة بحضور ملادينوف مع قيادة حركة حماس، والتي كانت إحدى نتائجه فتح معبر رفح في الاتجاهين، وتوسيع دائرة التجارة بين مصر وقطاع غزة بعيداً عن أنظار ووجود ودور السلطة الوطنية.
هكذا تنتقل التساؤلات الحائرة، إلى موسكو التي بدأت الوفود الفلسطينية من عشرة فصائل الوصول إليها تلبية لدعوة من طرف معهد الاستشراق تلتقي خلالها بوزير الخارجية الروسي لافروف.
في التصريحات الرسمية الصادرة عن الروس وهي قليلة، يجري الحديث عن بحث سياسي في الأساس، فبالرغم من أن روسيا أعلنت غير مرة، اهتمامها بمعالجة ملف الانقسام، إلاّ أنها هذه المرة تتوخى الحذر الشديد إزاء إطلاق وعود بشأن هذا الملف، إلى جانب ذلك لا يمكن تجاهل التصريحات التي صدرت وتصدر عن قيادات فتحاوية، تؤكد عدم وجود فرصة للحوار مع حركة حماس في موسكو، وأن حركة فتح لم تغير من رؤيتها لكيفية معالجة ملف المصالحة، وهي تعزز مصداقيتها تجاه هذا الموقف عبر إجراءات وقرارات ذات طبيعة عملية.
إذا كانت موسكو لا تعوّل لا كثيراً ولا قليلاً على إمكانية النجاح في تحريك ملف إنهاء الانقسام، الذي لم تنجح في تحريكه القاهرة التي تتمتع بكل عوامل التأثير والاهتمام، فما الذي يدفع الروس لدعوة عشرة فصائل، وليس فقط فتح وحماس؟
في واقع الأمر، لا تملك موسكو، رغم موقفها التاريخي الداعم للحقوق الفلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة، لا تملك قوة الضغط والتأثير التي تملكها القاهرة في التأثير على مجريات الحدث الفلسطيني الداخلي، أو حتى ما يتعلق بالعلاقة مع الاحتلال.
نلاحظ التزامن بين لقاءات موسكو، وما يسمى مؤتمر وارسو الذي دعت لانعقاده واشنطن، لبحث ما يسمى ملف الشرق الأوسط وتحضره إسرائيل وعدد من الدول العربية غير معروف حتى الآن فضلاً عن أطراف دولية فيما أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية مقاطعته.
المقاطعة الفلسطينية لمؤتمر وارسو، لا تأتي على خلفية موقف فلسطيني سابق بوقف الاتصالات واللقاءات مع الولايات المتحدة وإنما بالإضافة إلى ذلك، بسبب طبيعة النوايا والأهداف التآمرية التي تقف وراء هذه الدعوة، وتستهدف تعميق سياسة مصادرة الحقوق الفلسطينية، وتجنيد الأموال العربية خصوصاً، والسياسية، لتغطية متطلبات "صفقة القرن".
هذا التزامن بين لقاءات موسكو، ومؤتمر وارسو، ينطوي على أبعاد استراتيجية، وبداية اصطفافات سياسية، على خلفية الموقف من قضايا الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، وليس الموقف من سورية، وإيران وكل هذا الملف.
لو كان الأمر بالنسبة لمؤتمر وارسو، يتعلق بالملف الإيراني أساساً كما يشيع الداعون إليه، لكان سلوك روسيا مختلفاً، بدعوة أطراف أخرى غير الفلسطينيين.
هذا يعني أن التزامن لم يكن وهو ليس تزامن الصدف، ففي وقت سابق كانت الدعوة الروسية موجهة لحركة حماس فقط، ثم جرى توسيعها، وتغيير موعدها، حتى أصبحت في التوقيت ذاته، الذي ينعقد خلاله مؤتمر وارسو.
لا أحد يعرف بالضبط آلية الحوار الذي سيجريه الجانب الروسي، مع الفصائل الفلسطينية، إن كان سيكون جماعياً، أم مع كل فصيل على حدة، لكن ذلك لا يقلل من أهمية اللقاءات وأبعادها.
معلوم أن روسيا وضمن حسابات، التزمت الهدوء نسبياً إزاء، الاعتداءات التي مارستها إسرائيل ضد سورية، بدعوى إرغام إيران على مغادرة وإنهاء وجودها العسكري في سورية، وكانت قبل ذلك تطالب بإبعاد إيران عن خط المواجهة بين سورية وإسرائيل، ومعلوم أيضاً أن ثمة تفاهمات أمنية روسية إسرائيلية، سمحت لإسرائيل بمواصلة ضرباتها، دون أن تسمح روسيا بتفعيل منظومة صواريخ اس 300، غير أن هذا الموقف تغير تدريجياً، منذ استهدفت إسرائيل الطائرة الروسية، إلى أن أطلقت روسيا تحذيرات لإسرائيل في حال التمادي في اعتداءاتها ولذلك نلاحظ توقف الاعتداءات الإسرائيلية على سورية منذ أسابيع.
وباعتقادنا فإن الدعوة الروسية للفصائل تندرج تحت هدف توسيع روسيا لدورها وتفعيل وجودها بما يتجاوز دورها في سورية إلى الملف الأكثر تعقيداً وهو ملف الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي.
لا شك في أن روسيا تنظر بعين الخطورة لطبيعة وأهداف الحلف الأميركي الإسرائيلي والتي تتركز في ملف الصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي وملف إيران، سورية وحزب الله.
ولذلك فإنها لا تستطيع مواصلة تجاهل دور الفلسطينيين في هذه الصراعات، وذلك انطلاقاً من مصالحها وليس فقط من موقفها التاريخي.
لقاءات موسكو ستقول نحن معكم بقوة، ولكن عليكم أيها الفلسطينيون أن تستعيدوا قوتكم من أجل مواجهة مخططات الحلف الأميركي الإسرائيلي.
بقلم/ طلال عوكل