من الواضح بأن هناك تزامناً بين قمتي وارسو واستانة في الرابع عشر من شباط الحالي، وجدول أعمال القمتين سيتركز على الملفين السوري والإيراني، وكذلك محاولة أمريكا تسويق ما يسمى بصفقة القرن، والسعي لشرعنة التطبيع ما بين العديد من الدول العربية وإسرائيل.
امريكا تستهدف من قمة وارسو التي دعت لها، إيجاد أكبر حشد دولي داعم لموقفها من طهران، فهي تحاول شيطنة ايران وإظهارها بأنها تشكل خطر على السلم العالمي وأمن وإستقرار المنطقة، وكذلك طرح أفكارها ورؤيتها لما يسمى بالحل للقضية الفلسطينية، من خلال حل إقليمي يتم فرضه على القيادة والشعب الفلسطيني، ولذلك سترسل مبعوثها للعملية السلمية في المنطقة غرينبلات وصهر الرئيس كوشنير الى خمس دول خليجية عربية لتمويل الشق الاقتصادي من هذه الصفقة المسماة بصفقة القرن، صفعة العصر، وشطب القضية الفلسطينية، ولذلك دعت السلطة الفلسطينية لحضور هذه القمة، ولكن السلطة رفضت اعتذرت عن الحضور، وقالت بأنها لم تخول أحداً للتحدث باسم فلسطين، وحذرت من أي لقاءات تطبيعية عربية – إسرائيلية تعقد على هامش مؤتمر وارسو.
أمريكا لم تنجح في تأمين هذا الحشد الدولي لقمتها حيث أعلنت روسيا والصين وتركيا وأوروبا مقاطعتها لهذه القمة، وستنحصر الإستجابة في دول ما يسمى بحلف الناتو العربي- الأمريكي ودولة الإحتلال الاسرائيلي والعديد من دول اوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، ورغم المحاولة الأمريكية للقول بأن الهدف من هذا الإجتماع ليس التحشيد ضد ايران، فنحن نعتقد بأن الهدف المركزي لهذا الإجتماع، كيفية مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة وتعزيز نفوذها، وكذلك مواجهة الأذرع العسكرية للمقاومة العربية والإسلامية في المنطقة، والتي تعتبر جزءاً منها أذرع لإيران في المنطقة مثل حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي العراقي، والحوثيين في اليمن وحركات المقاومة الفلسطينية وبالذات حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وكذلك ضمان أمن اسرائيل وتفوقها العسكري في المنطقة.
وبالمقابل فإن قمة أستانة التي ستعقد في منتجع "سوتشي" الروسي بين زعماء روسيا وإيران وتركيا، في صلب جدول اعمالها الملف السوري، والإنسحاب الأمريكي من شرق الفرات، والدستور السوري الجديد الذي ستجري على أساسه الإنتخابات، وفي هذه القمة سيكون الطرح واضح ومحدد بان تركيا فشلت في تحقيق التعهدات التي قطعتها،بسحب الأسلحة الثقيلة للجماعات الإرهابية، وبالذات جبهة النصرة، او ما يسمى بهيئة تحرير الشام، ولذلك سيكون الخيار العسكري، هو الراجح من اجل تحرير ادلب من الجماعات الإرهابية، بمشاركة الجيش السوري ودعم وإسناد القوات الجوية الروسية، وكذلك من أجل تبديد المخاوف التركية بإقامة كيان كردي مستقل، يشكل تهديد لأمنها وإستقرارها، فإن الطرح في هذه القمة سيركز على إحياء اتفاقية أضنة لعام 1998 بين سوريا وتركيا، وبما يلغي الأطماع التركية في الأراضي السورية بإقامة ما يسمى بالمنطقة الامنة بعمق 20كم في الأراضي السورية، وكذلك فإن الإنسحاب الأمريكي من شمال شرق الفرات، يعني ان القوات السورية ستحل محل القوات الأمريكية المنسحبة من سوريا.
مجمل التطورات في المنطقة يشير الى ان التفرّد الأمريكي في المنطقة يسير نحو الأفول، فالمشروع الأمريكي في المنطقة يتعثر ويترنح، والمخابرات الأمريكية (السي آي أيه) ومراكز البحث الإستراتيجية وقيادات من رجال المخابرات الأمريكان السابقين، اختلفت/وا بشكل واضح مع الرئيس الأمريكي ترامب في تقييماته للأوضاع، ففي سوريا قالت تلك الأجهزة والقيادات، بأن سوريا انتصرت وستستعيد كامل الجغرافيا السورية مع نهاية 2019، وبأن العقوبات على طهران لم تنجح لا في زعزعة الإستقرار فيها ولا إسقاط النظام، بل سيتجه النظام نحو ايجاد نظام اقتصادي ومالي بعيداً عن الهيمنة الأمريكية.
واضح بأن الحلف الروسي- الصيني- الإيراني يتعزز، ويتشكل هناك كارتيل للغاز يضم روسيا والصين وفنزويلا والجزائر، سيكون بديلاً عن النفط، وهذا يشكل عامل قلق وإزعاج لأمريكا، ولذلك نشاهد التدخل السافر الأمريكي في الشأن الداخلي الفنزويلي، تحت يافطة وذريعة إشاعة ما يسمى بالديمقراطية، والإعتراف برئيس الجمعية الوطنية المؤقتة خوان غويدو رئيساً لفنزويلا، تلك الحجج والذرائع التي استخدمتها أمريكا للتدخل في شؤون أكثر من 147 دولة وتغيير 85 نظام حكم غير موالي لها، ولعل تجارب العراق وليبيا ماثلة أمامنا، حيث جرى تدميرهما تحت ذرائع الديكتاتورية وامتلاك أسلحة الدمار الشامل للعراق والديكتاتورية للنظام الليبي الراحل، نظام العقيد معمر القذافي.
الرئيس الأمريكي يتخبط ويواجه فشلاً كبيراً في السياسة الخارجية وهزائم لمشاريعه، وفي الداخل حالة من فقدان الثقة ما بين الرئيس وإدارته، ولم يعد مصدر ثقته وقراراته سوى مندوبه في الأمم المتحدة المتطرف جون بولتون وصهره اليهودي جاريد كوشنير، ولذلك لا أعتقد بأن قمة وارسو ستشكل خشبة انقاذ له من أزماته وهزائمه، فهو يختلق المشاكل ويستعدي الكثير من الدول، والتي كان آخرها الإنسحاب من اتفاقية الصواريخ متوسطة المدى مع روسيا، وبناء الجدار العازل على الحدود الأمريكية مع المكسيك، والتدخل الفظ والوقح في الشؤون الداخلية لفنزويلا والتهديد بغزوها وتغيير نظامها رغم إرادة شعبها.
نحن نتفهم ألالاعيب ورقص أردوغان على الحبال والقفز من مقطورة والركوب في أخرى، واللعب على وتر الخلافات الروسية – الأمريكية، ولكن لا اعتقد بأن قمة سوتشي ستعطيه الفرصة لكي يستمر في ممارسة هذه السياسة، بعد أن فشل في تنفيذ التزاماته في سحب الأسلحة الثقيلة من ما يسمى بجبهة النصرة وانسحابها من خطوط الإشتباك لمسافة عشرين كليو متر، وبات من الضروري الحسم لوجودها في ادلب عبر الحل العسكري، وخصوصاً انها قامت بالعديد من الإعتداءات ضد الجيش السوري، بل وأطلقت طائرات مسيرة نحو قاعدة "حميم" الروسية.
أعتقد بأن المرحلة القادمة حتى شهر نيسان القادم، ستكون هناك خارطة ومشهد جديد للمنطقة، فأمريكا ستكون قد أنهت انسحابها من شمال شرق الفرات، واسرائيل تكون قد أجرت إنتخاباتها المبكرة، وها هو لبنان ينجح في تشكيل حكومته بعد تعطيل متعمد دام تسعة شهور من قبل حلفاء أمريكا والسعودية، ولم ينجحوا في تشكيل حكومة تحجم من حضور محور المقاومة فيها، مما استدعى توبيخاً أمريكياً لفريق الرابع عشر من آذار.
كل الدلائل والمعطيات تؤشر الى أن أمريكا، لم تعد قادرة على فرض رؤيتها ومشاريعها على دول المنطقة، فهناك قوى عالمية تشق طريقها عسكرية وإقتصادية، روسيا والصين، نحو قطبية عالمية جديدة، ولا نبالغ القول، حين نقول بأن عهدة سيطرة الدولار على التعاملات التجارية العالمية في طريقه الى الأفول، حيث بدأت روسيا والصين وايران وتركيا بإستعمال عملاتها المحلية في التبادل التجاري، وبما ينهي هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي، وكذلك ايران وتركيا تترسخان كقوى إقليمية في المنطقة، وبما يفقد اسرائيل هيمنتها وتفوقها على المنطقة.
بقلم/ راسم عبيدات