قد تكون الكنتنة هي ظاهرة سلوك عشائري او قبلي او مذهبي ا فصائلي يلعب لاعبيها في داخل الايقونة المجتمعية الواحدة بثقافات مختلفة ، وهذا ما يبطل او يفسد اي برامج وطنية من تنمية وتحقيق اهداف موضوعة لرقي المجتمعات، وهذا ما تعاني منه كثير من المجتمعات العربية التي تحتوي مكوناتها لكل تلك العناصر السابقة.
في الحالة الفلسطينية قد تختلف هذه الظواهر عن سابقتها في بعض الدول العربية ، بعد التلاشي النسبي للظواهر السلبية التي نتجت عن ما بعد النكبة عام 48م من لغة تدارجتها الالسنة بين ما هو مواطن ولاجي وما بين مدني وفلاح وبدوي، قد تكون نكسة 67م تاثيرا كبيرا على هذا الانفصام المجتمعي وثقافته وبروز فعل الاحتلال وسلوكه كمحتل ضد الانسان الفلسطيني بشكل عام والمستوطنات التي تمثل طوقا امنيا على مدن الضفة وقراها بالاضافة الى الحالة التي تفرض نفسها الادارة المدنية الاسرائيلية على واقع الحياه في المحافظات الشمالية والتي تفرض نوعا من المصالح مع الاحتلال وان اخذت شكلا وسلوكا ايضا بممارسة السلطة وبرنامجها ومصالحها في البقاء ، وكانت انطلاقة الثورة الفلسطينية على انقاض الحركة الحزبية الفلسطينية بكل توجهاتها القومية واليسارية والدينية، حيث كانت نقطة اللقاء للجميع على تحرير فلسطين وكنس الاحتلال، فكانت ديمومة التفاعل بين كل تلك اللغات واللهجات العصبية.
لم تكن ظاهرة الفصائل في ذاك الوقت ظاهرة سلبية اذا ما اخذنا في الاعتبار توجهاتها الوطنية من ثورة وكفاح مسلح ومنطلقات تحررية، اجتمع عليها الشعب الفلسطيني وحاضنه لتلك الفصائل اينما وجد هذا الشعب، ولكن مع تطور الاداء ظهرت اسهم السلبيات اكثر رواجا في داخل الفصائل من ناحية وناحية اخري فيما بينها من تناقضات سلوكية وبرمجية، فلم تستطيع منظمة التحرير مثلا توحيد الثقافة السياسية والامنية، بل تشتت الفكرة تحت وطأة المال السياسي والرجل الاقوى في حمل المخلاة ، وبذلك التدني والهبوط المتسلسل والمتتالي للبرامج الوطني، فلم تعد غابة البنادق هي غابة البنادق التي تحدث عنها ابو عمار، ولم تعد قضية تحرير فلسطين التاريخية هي عصب الفكر الفصائلي الجامع.
تحدث ابو عمار قبل منتصف الثمالنينات على ان المنطقة مقبلة على كنتنة اي دول كنتونية في داخل الدولة الواحدة او الجتمع الواحد بل تسللت الى عمق التكوين الداخلي للفصيل في دوائر لمراكز اللقوى والتوازنات والصراعات .... استقراءات ابو عمار صحيحة اذا ما قارنا هذا الاستقراء بواثقع المنطقة الحالي ومحاولات اجهاظ ايقونة الدول وولادة ايقونات كنتونية جديدة.
ولكن قد اخفق ابو عمار في تحقيق حلم الوحدة الفلسطينية على الهدف ، هدف الحل المرحلي ، او هدف التحرير لفلسطين التاريخية ، كما اخفق الان كل من ابو عمار وابو مازن في ابرام ما يسمى "" سلام الشجعان " الذي على اساسه تم التنازل عن ميثاق منظمة التحرير والاستغناء عن الفكرة التي اتت من معاناة الشعب الفلسطيني من تحت اثار اللجوء وفقدان ارضه واقامة كيان سياسي امني عسكري صهيوني على ارضها.
بعد خمسين عاما من النضال تفسخت الرؤيا السياسية والوطنية والامنية والثقافية واداة هذا التفسخ فصائل منظمة التحرير وفصائل خارج منظمة التحرير التي تقتات على المال السياسي الخارجي الموجه....بالاضافة الى ايقونة السلطة المرتبطة مع الاحتلال بموجب عدة اتفاقيات وتفاهمات وتستمد حياتها على روح المعونات من المانحة والدول العربية.
يكاد يكون كنتون السلطة بجيش الموظفين سواء في القطاعات الامنية او المدنية هو من اكبر الكنتونات في الساحة الفلسطينية ولكن اقلها شعبية بالمقاييس الوطنية والتاريخية للمطالب الفلسطينية... تليها الفصائل واكبرها فتح السلطة وحماس والجهاد، اما فصائل اليسار التي اضعفت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في فصائل مناكفة تفتقد للفعل المؤثر نتيجة فقدانها للتمويل المستقر واعتمادها على امزجة صاحب المخلاة الاكبر وهو رئيس السلطة والصندوق القومي.
جمهوريات الكنتة الفلسطينية تعمل في عمق المكون الشعبي للشعب الفلسطيني وعمادها على المال السياسي، فلا رؤية سياسية ثابته، بل تخضع وبشكل كبير للمتغير السساسي في المنطقة وجهات التمويل، كل له اتباعه وكل له تابعيه وجمهورة ونشاطاته الاجتماعية والثاقفية والتي يسعى كلل منهم للحفاظ على وجوده وقوته ومصادر تمويله، وفي انهيار برنامج وطني يسود الواقع فيه الشرذمة والكنتنة والجهوية والمناطقية الجغرافية
قد تكون جمهوريات الكنتنة الفلسطينية المنبثقة عن وجود الفصائل هي ولادة الظرف السياسي وشروطه وافاقه التي تبتعد رويدا رويدا عن قضية التحرير وقبول الواقع وهي المدرسة الاقوى التي تمثلها السلطة ورئيسها والمنتفعين فيها، ومن هنا نحن بحاجة ان يعترف اصحاب تلك الجمهوريات بانهم سبب تازم الواقع الفلسطيني، فلا سبيل امامنا للخروج من هذا الواقع الرديء الا بزوال ظاهرة الكنتنة وتحقيق وحدة وطنية اندماجية لكل الفصائل تحت لواء جبهة واحدة وتاحديد مصادر التمويل بما يتوافق مع برامجنا الوطنية، فغير مقبول ان يساق ابناء الشعب الفلسطيني كالخراف امام وطئة تاثير المال السياسي ليكبر من يكبر من قادة الفصائل ويتكرش من يتكرش، وتزداد ظاهرة الارانب السمينة على حساب الشعب وظاهرة الكتنتنة، ولذلك حق5يقة لابد من فتحها فكريا ووطنيا الى متى تبقى ظاهرة الكنتنة الفصائلية توثر تاثيرا مباشرا على حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقاففية والوطنية
بقلم/ سميح خلف