مؤتمر وارسو.. تمخّض الجبل فولد قزماً

بقلم: فايز رشيد

ضجّة إعلامية كبيرة، رافقت أجواء مؤتمر وارسو مؤخرا، الذي جرى عقده لجمع إسرائيل مع بعض الدول العربية كهدف أساسي، لتمرير السياسات الأمريكية ـ الصهيونية الأخرى في المنطقة، هدفها، اعتبار إسرائيل دولة مقررة فيها، والحفاظ على الأمن الإسرائيلي، تحقيق المزيد من الخطوات التطبيعية بين إسرائيلِ والدول العربية، استبدال الصراع الأساس في الشرق الأوسط ليكون صراعا عربيا ـ إيرانيا.
لم يأت بروتوكول الجلوس في المؤتمر عفويا، فقد حرص منظمو المؤتمرعلى جلوس وزير الخارجية اليمني إلى جانب نتنياهو، وتحقيق لقاءات مصورة بينه وبين وزراء الخارجية العرب، الذين حضروا المؤتمر.
بدوره، اعتبر نتنياهو انعقاد المؤتمر فرصة تاريخية لإسرائيل، وذُهل من هذا الانفتاح الرسمي العربي على الدولة الصهيونية في الجلسة المغلقة، وحرارة الشعور والكلمات التي قالها الحاضرون العرب تجاه إسرائيل، وحقّها في الدفاع عن نفسها.
أكبر المستفيدين من انعقاد المؤتمر، هو إسرائيل، وتحديدا نتنياهو، الذي حرف الأنظار لفترة عن تهم فساده، وإمكانية تقديمه للمحاكمة، كما أنه رفع أسهم حزبه ورصيده الشخصي في الانتخابات التشريعية المقبلة المقررة في التاسع من أبريل المقبل، فقد عاد إلى تل أبيب متباهيا بما حققه من إنجازاته العربية. على صعيد "الإنجازات"، التي حققها مؤتمر وارسو، فقد تبين بما لا يقبل الشك، أن التطبيع مع المسؤولين الرسميين العرب، لا يعني تطبيعا مع الجماهير العربية، ففي اليوم التالي لفض أعمال المؤتمر، قامت مظاهرة مليونية شعبية يمنية رفضا للتطبيع مع العدو الصهيوني، وتأييدا لفلسطين وللمقاومة الفلسطينية. ولو أتيحت الفرصة للشعوب العربية التي التقى وزراء خارجيتها برئيس وزراء إسرائيل، حرية التعبير، لقامت بمظاهرات شبيهة بالمظاهرات اليمنية، ما يعني أنه رغم الحروب البينية العربية، والصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية العربية، ستبقى القضية الفلسطينية قضية مركزية للأمة العربية.
لقد فشل مؤتمر وارسو في جرّ الدول الأوروبية إلى الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، كما في تشكيل حلف ناتو رسمي عربي ـ إسرائيلي في المنطقة لمحاربة إيران. أيضا، أتى المؤتمر وسط أنباء تتحدث عن تأكيد بدء الانسحاب الأمريكي من شرق سوريا، وعن إمكانية إطلاق مباحثات أمريكية مع طالبان لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، ما يعني فشلا أمريكيا إسرائيليا في تحقيق أي إنجازات في أفغانستان، العراق، سوريا وغيرها. ثم إن القمة لم تحضرها روسيا، وهي القطب العالمي الآخر في الحرب الباردة الجديدة، كما أنها لاعب سياسي أساسي في المنطقة، من خلال تواجدها في سوريا. ورفضت أطراف مهمة حضور المؤتمر مثل المفوضية الأوروبية والفلسطينيين وتركيا وقطر، ولم تشارك من القوى الأوروبية بوزير الخارجية إلا بريطانيا.
على صعيد آخر، وبعد توقيع الرئيس ترامب مرسوم حالة الطوارئ لتأمين تمويل قدره ثمانية مليارات دولار لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، فإنه زاد من حدة تناقضاته مع الديمقراطيين وبعض الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس، فالبعض اعتبر ذلك "انقلابا عنيفا" على الدستور، وكتبت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ورئيس الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شامر، في بيان مشترك، أن "الإعلان يزعزع الولايات المتحدة من خلال سرقة تمويلات الدفاع، التي سنكون بحاجة إليها عند وقوع أي طارئ على أمن جيشنا وأمتنا.. الكونغرس سيدافع عن سلطاتنا الدستورية في المجلس وفي المحاكم وأمام الجمهور، بكل وسيلة متاحة". كما أعلن حاكم ولاية كاليفورنيا غافن نيوسوم، عزمه مقاضاة ترامب على خلفية إعلانه حالة الطوارئ، وقال نيوسوم في بيان أصدره، أن ترامب يختلق أزمة ويعلن طوارئ وطنية مصطنعة، في سبيل انتزاع السلطة وتقويض الدستور.
وكان خافيير بيسيرا النائب العام لولاية كاليفورنيا الحدودية مع المكسيك قد صرح بأن ترامب لا يمتلك صلاحية تغيير المخصصات التي يقرها الكونغرس وفق الدستور. وأضاف أن الحال على الحدود المكسيكية لا تنطبق عليها حالة الطوارئ ولا تقارن بأحداث 11 سبتمبر 2001 ولا حادثة احتجاز أمريكيين رهائن في السفارة الأمريكية بإيران. بالتالي، فإن الرئيس ترامب ليس في حالة تؤهله لإعلان الحرب على إيران بسبب مشاكله الداخلية، ثم أن إعلان مثل هذه الحرب، سيؤدي إلى حرق المنطقة، فلن يضمن أحد عدم ضرب أهداف أمريكية في الخليج، ولا ضرب أهداف حيوية في إسرائيل، بالتالي فإن هذا الجمع الكبير، الذي تحقق في وارسو، لا يعني قدرة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها الإيرانية.

ويربط محللون استراتيجيون كثيرون بين مؤتمر وارسو، الذي ادّعى منظموه أنه لتحقيق الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، والمواقف المتطرفة للرئيس ترامب التي تنسف هذا الاستقرار، في مسألتين، تتمثل الأولى، في أنها جاءت مع اعتراف ترامب،على النقيض من كل من سبقه من رؤساء جمهوريين وديمقراطيين، بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، حيث افتتحت السفارة الجديدة ابنته  إيفانكا وزوجها جاريد كوشنير، الذي يوصف بأنه عراب صفقة القرن.
والثانية تمثلت في انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع بين إيران والدول الست الكبرى. وقد نال نقل السفارة للقدس رفضا عربيا ودوليا واسعا، كما نال انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي رفضا وتنديدا عالميين واسعين. مستوى حضور مؤتمر وارسو يدلل على فشل الإدارة الأمريكية عالميا، عندما يتعلق الأمر بالموقف من الفلسطينيين ومن إيران. يقول أندرو ميلر المسؤول السابق في الخارجية ومجلس الأمن القومي لصحيفة "بوليتيكو" أن مستوى تمثيل الدول المشاركة في المؤتمر يعكس عدم اكتراث كبير بمؤتمر وارسو، و"إن أي إدارة أخرى كانت ستسعى لعقد مؤتمر شامل بخصوص مستقبل الشرق الأوسط لكنا شاهدنا مستوى مرتفعا من المشاركة".
وحول فشل المؤتمر، قالت الخبيرة بمؤسسة راند البحثية داليا داسا كاي، في مقالة لها بدورية "نيو ريببليك"، أن إدارة ترامب لم تستفد من تجارب الماضي عند التخطيط لمؤتمر وارسو، فقبل ثلاثين عاما قاد وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر جهودا كبيرة لجمع أطراف النزاع العربي الإسرائيلي في مؤتمر مدريد، لكن طريقة إعداد هذا المؤتمر وتحديد أهدافه لا يمكن أن ينتج عنه إلا الفشل، حسب رأيها. أما مراسل صحيفة "هآرتس" في واشنطن آمير تيبون فانتهى لخلاصة مفادها: أن "صفقة القرن" لن تعقد بين الإسرائيليين والعرب، بل بين نتنياهو وقوى اليمين المتطرف الإسرائيلي، حيث سيحمي نتنياهو مستوطنات اليمين الإسرائيلي، كي يدعمه أمام ما يتعرض له من اتهامات ومخالفات قانونية وقضائية. ولم يحدد بومبيو – خلال لقاءات صحافية أجراها إبان انعقاد المؤتمر – كيف يمكن تقييم نجاح أو فشل المؤتمر، ودفع ذلك بالسفير الأمريكي الأسبق لدى إسرائيل دانيال شابيرو للقول في تغريدة على تويتر "إن مؤتمر وارسو يعكس لحد كبير عزلة جهود إدارة ترامب في جهودها ضد إيران".
أما الباحث بمعهد ويلسون والمسؤول السابق بالخارجية ديفيد أرون ميلر، فغرد مؤكدا أن المؤتمر يكشف ضعف أمريكا وليس قوتها. أما مما لا شك فيه، أن الولايات المتحدة، أرادت مؤتمر وارسو أيضا، للتهيئة لتمرير صفقة القرن، فقد سخر جاريد كوشنر، ما يسمى بمبادرة السلام العربية، التي أطلقتها قمة بيروت عام 2002 واعتبرها شيئاً من الماضي، كما ذكر بومبيو: أنه سيكون صعباً إحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بدون مواجهة ايران، وأكد نتنياهو على أن "تقرير المصير في "أرض اسرائيل" الكامِلة ـ فلسطين التاريخية- هو حق حصري "للشعب اليهودي". كل هذه تشكل إشارات واضحة على أن حكاية الخطر الإيراني، ليست إلا ستارا وذريعة للإجهاز على حقوق الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته. فهل هذا ما يريده أيضا بعض العرب؟ الذين يؤمنون بأن أمتنا بقيت في الماضي.
من جانبه، فإن أحد مهندسي صفقة القرن جيسون غرينبلات غرّد قائلا: الفلسطينيون تَركوا العرب والمسلمين وحدهم في مواجهة الخطر الإيراني! فالمفروض وفقا له، أن يؤسس الفلسطينيون جحافلهم ويوجهوها لمحاربة إيران، أو يعملوا تحت إمرة نتنياهو، وأن يباركوا احتلال إسرائيل لوطنهم.
خلاصة القول، إن الولايات المتحدة لم تحقق شيئا ملموسا في وارسو، وأما المطبعون العرب فسيسجل التاريخ على صفحاته السوداء جهلهم بالعدو، الذي سيستغلهم، ونودّ التذكير، أن معاهدة كمب ديفيد وبعد مرور عقود عليها فشلت في جعل التطبيع أمرا واقعا بين الشعب المصري العظيم ودولة الكيان الصهيوني، رغم العلاقات الوثيقة بين الرؤساء المصريين منذ السادات وهو من وقع الاتفاقية وصولا إلى الرئيس الحالي السيسي، الذي يتفاخر بعلاقات مصر الأمنية الوثيقة مع الكيان الصهيوني. وعلى ذلك قس. إسرائيل بعدوانيتها الدائمة ومذابحها، وأطماعها وصلفها واستيطانها وأحلامها التوسعية، ستظل جسما غريبا في منطقتنا العربية.

فايز رشيد
كاتب فلسطيني