لا يمكن أن تدار السياسة الفلسطينية على طريقة سيري فعين الله ترعاكي. والاعتماد على قناعات فلسطينية شاملة، تأخذ بعدا قدريا، بأن التاريخ سينصفهم، وأن إسرائيل إلى زوال، وأن الأرض كلها والحقوق كلها ستعود يوما إلى أصحابها.
وبالرغم من هذه القناعات الشاملة والراسخة، إلا أن الفلسطينيين لا يمكنهم أن يظلوا مشلولي اليد ومسلوبي الإرادة، إلى الحد الذي يقوض يوما بعد آخر المقومات المادية والبشرية، التي تجعل من زوال إسرائيل أمرا ممكنا خلال آجال قريبة. تفترض هذه القناعة أن يكرس الفلسطينيون بكل أطيافهم، كل ما يملكون من إمكانيات، لتمكين وتعزيز صمود المواطن الفلسطيني على أرضه باعتبار ذلك أبسط وربما أهم، الواجبات الوطنية.
لقد فشل الفلسطينيون حتى الآن في امتحان جدارة الحكم، في ظل وقوع واستمرار الانقسام الفلسطيني، واستنزاف القوة، وتراجع دور المؤسسات الوطنية الجامعة سواء بالنسبة للمنظمة كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني أو السلطة الوطنية رغم أنها بلا سلطة حقيقية. وفشل الفلسطينيون أيضا في امتحان الديمقراطية، بعد أن تم الانقلاب عليهم ما نجم عن ذلك، سلطتان في الضفة وغزة، تخوضان صراعا مريرا ضد بعضهما على حساب الحريات العامة والفردية.
وفشل الفلسطينيون في الاحتفاظ بالهوية الوطنية الجامعة، فعدا عن عدم قدرة منظمة التحرير على لم يشمل كل الفلسطينيين بكل أطيانهم السياسية والإيديولوجية، فإن أحد أبرز تداعيات الانقسام، يكمن في محاولات حماس، تقويض شرعية التمثيل الفلسطيني الوطني، واستمرارها عمليا وبلغة الأمر الواقع، في تقديم نفسها كبديل عن المنظم، إسرائيل المدعومة كليا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. تشن حربا ضروسا، على كل ما له علاقة بفلسطين والفلسطينيين حقوقا و وجودا وقضية لتنفيذ مخططاتها التوسعية العنصرية في أسرع وقت ممكن، مستغلة التشرذم الفلسطيني، والتفكك والضعف العربي، وما يمكن اعتباره تواطؤا أو عجزا دوليا.
الفلسطينيون كلهم بكل أطيانهم واتجاهاتهم، يدركون المخاطر التي تنطوي عليها صفقة القرن، التي لم يعد ثمة حاجة لانتظار إعلانها، بعد سلسلة القرارات الخطيرة التي اتخذتها إدارة ترامب في موضوع القدس، واللاجئين، ومنظمة التحرير، والدعم المالي، مما استدعى رفضا شاملا لتلك الصفقة، ورفض التعامل مع الإدارة الأمريكية قبل ان تتراجع وهي لن تتراجع عما أقدمت وبصدد الإقدام عليه.
الموقف الفلسطيني الصلب من سياسات الحلف الأمريكي الإسرائيلي، له كل الاحترام، وهو موقف يستمد قوته، من قوة الحق الفلسطيني المستند إلى القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، لكن وسائل وأشكال مواجهتهم لتلك السياسات، ما تزال، مشوشة، مشرذمة، وضعيفة إلى حدود تدعو للقلق والأسى.
الفلسطينيون كلهم على قناعة بأن صفقة القرن، تستهدف فرض السلام الاقتصادي، وعزل غزة تماما عن الضفة، وتحويل التجمعات الفلسطينية إلى جماعات في الضفة والقدس والشتات والمهاجر وفي إسرائيل، ولإقامة الدولة في غزة، ومصادرة الضفة الغربية، لكنهم بالوقائع التي يفرضها الانقسام، يسهلون تنفيذ هذا المخطط، رغم كل صراخهم ضد هذا المخطط.
لست بصدد استعراض كل محطات الفشل والضعف في السياسة الفلسطينية، ولا استهدف القيام بمراجعة شاملة، هي تحتاج إلى مقام آخر، لكن ما جرى مؤخرا خلال هذا الشهر، يعبر على نحو مؤلم، عن مدى انحطاط السياسة الفلسطينية. في وارسو، انعقد مؤتمر متزامن مع حوار على مخرجات مؤتمر وارسو، الذي دعت إليه الولايات المتحدة. وحضرته ستون دولة بما في ذلك عشر دول عربية. مؤتمر وارسو، شكل نجاحا لنتنياهو وحكومته، وحضرته ستون دولة بما في ذلك عشر دول عربية. مؤتمر وارسو، شكل نجاحا لنتنياهو وحكومته، فيما شكلت اجتماعات موسكو فشلا للسياسة الفلسطينية التي لم تنجح في ترتيب البيت الفلسطيني، حتى يكون مؤهل للاستفادة من الدعم السياسي الروسي. عاد نتنياهو متفاخرا بنجاحاته، لكي يعزز وضعه في العملية الانتخابية، وعاد الفلسطينيون بمزيد من التشرذم، ومزيد من التوتر والاشتباك والصراع فيما بينهم. إسرائيل تخوض حربها ضد الفلسطينيين بكل شراسة، فيما يرتبك الفلسطينيون، ويخسرون جزءا من قوتهم في صراعاتهم الداخلية، فأي سياسة هذه، وأي استراتيجية للمجابهة، وصيانة الحقوق؟
طلال عوكل