أزمات وإضطرابات ومشاكل وهموم تعيث في المجد الفلسطيني، وتبعث المدى والقلق المصيري المضطرب في أحداث لها أبعاد وجذور وطرقات، فأصبح المترقب للمشهد الفلسطيني يرى الهشاشة في الموقف والرداءة في التعبير والقصور في العمل.
نار مستعرة تخفيها بعض القوى الوطنية والسياسية بالرماد الداكن الذي يغطيها لفترة وجيزة ليجرفها ويطفي لهيبها عواصف ملتهبة، فالمحن لا تنجلي والحذر في ترقّب في زوايا كثيرة من أسقفيات هذا الوطن الذي عصفت به أزمات شتى فمن أزمة الانقسام الى أزمة الحروب والأرهاب والتطرّف الصهيوني الى الأزمات الإقتصادية التي يعيشها المواطن الفلسطيني الى أزمة الحصار المفروض على الاراضي الفلسطينية برا وبحرا وجوا.
في البداية أود أن أشير الى أن الوطن الفلسطيني مقسّم الى فصائل واحزاب وقوى وحركات وفئات وهذه حقيقة تفرض نفسها على جملة من الحقائق لا يمكن التغاضي عنها ولكل حزب منهاج عمل وبرنامج سياسي، قد تكون هناك مشتركات تظهر الى العامة ولكن المضمرات كثيرة شئنا أو أبينا، وما زالت كل الأطراف ترى في نفسها المخلّص والمنقذ للوطن وللمواطن الفلسطيني الذي أصبح الشماعة التي تعلَّق عليها كل الإخفاقات السياسية والتدهور في مرحلة يغيب فيها إدراك ومفاهيم الإدارة النموذجية.
ولاشك ان دور الاحزاب والقوى السياسية في الازمة الفلسطينية هو دور كبير واساس، فمن السهل التملص والقاء المسؤولية على الاخرين، وهذا امر مضحك مبكي، فنحن لا نقلل من تراكمات الماضي والتدخلات من هنا وهناك وخاصة من بعض الدول الاقليمية واستهدافها المستمر للمشروع الوطني وللقضية الفلسطينية، ولكن نقول ان التحجج بذلك هو حجة اضافية على القوى السياسية والاحزاب وليس ذريعة تتذرع بها، فاذا لم يكن واجب الاحزاب والقوى مواجهة هذه المؤامرات وتفكيكها واحباطها، فما هي واجباتها اذن؟ واذا لم يكن واجب القوى السياسية تعبئة الشعب وحماية وصون حقوقه وتحقيق مصالحه وتوفير الخدمات له وتعزيز التفافه حولها، فما هي واجباتها اذن؟ واذا لم يكن واجب القوى السياسية والاحزاب توحيد الصف لا تمزيقه كما تفعل، واذا لم يكن واجب القوى السياسية والاحزاب حشد الحلفاء والاصدقاء في الداخل والخارج، لا البناء على الخلافات فما هي واجباتهم اذن؟
واذا تجاوزنا الايجابيات والمكاسب التي تحققت، لنقف عن الاخطاء والسلبيات فنقول أن هذه الأحزاب والقوى الوطنية والسياسية تتحمل المسؤولية في عدم ادارة شؤون الوطن بالشكل الراشد والمنهج السليم المطلوب الذي تتبعه التجارب الناجحة وفي عدم تفعيل القوانين والدستور والعمل المؤسساتي، اضف الى عدم اتباع مناهج التغيير والاصلاح طوال 13 عاماً مضت، لنراكم على اخطاء وسياقات الماضي البائسة، اخطاء وسياقات ممارساتنا وخططنا الجاهلة والفقيرة والتي برهنت الايام ان هذه الخطط لم تقد سوى الى زيادة ترهل مؤسسات الوطن وفسادها وعجزها عن حل اي اشكال حقيقي، او القيام باي اصلاح جدي.
إن المشكلة ليست في الاشخاص بل في المناهج والنظم، وعندما تكون المناهج والنظم صحيحة في تنشأة اجيالنا وفي استخدام طاقاتنا وافكارنا وفي ادارة مؤسساتنا، فان الاشخاص سيأخذون مواقعهم بشكل صحيح، وستتمكن الانظمة والمناهج الصحيحة من فرز العاجزين والفاشلين وغير الاكفاء.
فها هم ابناءنا وبناتنا وشبابنا وشاباتنا يغادرون الوطن ويعملون في مؤسسات في الخارج تعمل وفق الانظمة والمناهج الصحيحة فيتقدمون على اقرانهم، رغم ان الكثير منهم كان مهملاً عندما كان يعمل في البعض من منظوماتنا الفاشلة، فالاصلاحات منهج ووقت وتراكم بناءات وارتباط حلقات ولا يمكن تحقيقه لا بالاماني ولا بالخطط غير المدروسة.
إننا نقف اليوم في مفترق طرق وعلي القوى الوطنية والسياسية والاحزاب التي تقود الشأن الوطني، من واجبها اليوم ان تقدم الحل، والحل هو مزيج من ضغط الرأي العام لكي تصلح القوى والاحزاب نفسها، وتصبح خادمة للشعب لا قيّمة عليه، وتعيد تقييم تجربتها الماضية لتتخلص من الكثير من الاورام والمناهج الخاطئة التي تراكمت لديها، والعمل وفق مناهج تصلح اوضاع المجتمع والانسان، وتضع الوطن على سكة التطور والانطلاق، ومحاربة الفساد والترهل والفقر والجهل والمرض والتخلف والبطالة، والتخلص من عبودية التبرعات والهبات والمنح، واطلاق نشاطات القطاعات الحقيقية وتوفير فرص العمل وزيادة القيم المضافة، هذا من جهة ومن جهة اخرى الالتزام بالقانون وبالشرعية والدستورية والعودة الى النظام الانتخابي للوصول لتشكيل حكومة قوية، بعيدة عن الالتفافات والاصطفافات والمحاصصات، لا دور فيه للاحزاب والقوى السياسية الا في مساحاتها المسموحة، ونقصد بها المجالس التشريعية والتنفيذية والعمل الاجتماعي والجماهيري، اما خارج ذلك فالجميع سواسية ومواطنون لهم ذات الحقوق الخاصة والعامة، يحصلون عليها دون هويات حزبية ووساطات.
آخر الكلام:
الامتحان القادم سيكون صعباً للحكومة الجديدة القادمة، ولأن صاحب الشيء أحق بحمله، فللشعب أحلام يتمنى تحقيقها وأن تكون لهم وصفة شفاء، وخيرات متوفرة وفيرة، وفتح مبين، واحتفال يصلح في كل زمان ومكان، لتبدو الحكومة الجديدة كالنخلة الباسقة حتى لو رماها الأقزام بالحجر، فإنها لا تُنزَّل إلا رطباً جنياً.
بقلم/ رامي الغف