سطرت المرأة الفلسطينية ملاحم بطولية عبر محطات تاريخ القضية الفلسطينية، ومنذ فجر التاريخ والمرأة الفلسطينية تناضل إلى جانب الرجل وواجهت المحتلين بما تمتلكه من قوة، والتاريخ يزخر ويسطر البطولات السامية للمرأة الفلسطينية، ويكفيها فخرا أنها مربية الأجيال وصانعة المناضلين والثوار الأحرار .
في هذا المقال نبرق بالتحية الكبيرة لأرواح الشهيدات الفلسطينيات والجريحات والأسيرات والأمهات الثائرات اللواتي قدمن الكثير لفلسطين منهن خنساوات فلسطين أم نضال فرحات رحمها الله وخنساء فلسطين أم رضوان الشيخ خليل، وأم الشهيد أحمد جرار وأم الشهيد مهند الحلبي والأسيرة المحررة أم الشهيد صالح البرغوثي وأم الشهيد محمد أبو خضير وأم الشهيد باس الأعرج وغيرهن الكثير وسجل الشرف حافل وكبير بأسماء خنساوات فلسطين لا يتسع المقام لذكرهن .
وقد قام كاتب السطور بإعداد دراسة تاريخية توثيقية لدور المرأة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال الصهيوني منذ عام 1976م وحتى عام 1994م رصد فيها الدور السياسي والدور العسكري والدور الاجتماعي والدور الثقافي والفكري، ورصدت الدراسة دور مؤسسات المرأة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال، حيث سطرت تاريخا عريقا في مقاومة الاحتلال الصهيوني وكان لها دورا عسكريا وسياسيا وتربويا وثقافيا و اجتماعيا، وكان أول نشاط سياسي للمرأة الفلسطينية عام 1884م، في مدينة العفولة احتجاجاً على إنشاء أول مستوطنة يهودية، حيث خرجت مجموعة من النساء الفلسطينيات في مظاهرة تعبيراً عن رفضهن لإنشاء المستوطنة، وفي زمن الاحتلال البريطاني (1917-1947م ) شاركت المرأة الفلسطينية في المظاهرات والاعتصامات وكتابة العرائض السياسية وإرسال البرقيات الاحتجاجية رفضاً للمخططات الصهيونية، وكان للمرأة الفلسطينية نشاطٌ اجتماعيٌ وخيريٌ بارز، وعملت على تأسيس عددٍ من الجمعيات والاتحادات النسائية ذات أهداف خيرية، وقامت الجمعيات النسائية الفلسطينية بزيارة الأسرى ورعاية أسرهم، وتقديم العون لأسر الثوار، وقامت بفتح المدارس لأبناء الشهداء بشكل خاص وتنفيذ برامج لمحو الأمية بشكل عام.
وكان للمرأة الفلسطينية دور بارز في الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م ، حيث وقفت المرأة تدافع عن أرضها ووطنها وتقدم العون للثوار، و في نكبة فلسطين عام 1948م برز دور المرأة في العمل الاجتماعي والإغاثي وحماية الأسرة الفلسطينية من التشتت والضياع جراء مجازر النكبة.
وبعد عام النكبة واحتلال كامل أرض فلسطين عام 1976م واصلت المرأة الفلسطينية نشاطاتها العسكرية والسياسية وتأسس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ولجان المرأة الفلسطينية في الفصائل الفلسطينية التي كان لها دور اجتماعي وفكري وسياسي وشاركت في كافة المسيرات والمظاهرات خلال الانتفاضة الأولى والثانية كما تطور العمل المؤسساتي للمرأة الفلسطينية في التسعينات من القرن الماضي .
وللمرأة الفلسطينية سجل حافل في أعمال المقاومة العسكرية ضد العدو الصهيوني منذ ستينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وقد نفذت عدد من العمليات العسكرية البطولية، فقد شاركت الشهيدة المناضلة شادية أبو غزالة في تنفيذ العديد من العمليات الفدائية ضد الاحتلال، واستشهدت في 28 نوفمبر 1968م حيث كانت تعد في بيتها قنبلة لتفجيرها في عمارة "إسرائيلية " (بتل أبيب)، فانفجرت القنبلة بين يديها مما أدى لاستشهادها، كما قامت المناضلة عايدة سعد في 16/3/1969م بإلقاء قنبلتين على سيارات للجيش الإسرائيلي متوقفة أمام مركز الشجاعية وأصابت ثلاثة جنود ، وتم اعتقالها وحكم عليها بالسجن عشرين عاما، ولا ننسى المناضلة ليلى خالد من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي شاركت في خطف طائرة تابعة لشركة العال الصهيونية في 28 أغسطس 1969م، وقامت المناضلة نعمة الحلو من مخيم جباليا في تاريخ 24/10/1972م بتنفيذ عملية عسكرية ضد إحدى الدوريات العسكرية في مخيم جباليا، ولا ننسى المناضلة دلال المغربي التي استشهدت في 11 مارس 1978م خلال عملية فدائية، وسجل العمليات العسكرية للمرأة الفلسطينية في كافة محافظات الوطن كبير ولكن ما ذكرته نماذج قليلة.
وقامت المرأة الفلسطينية بتنفيذ الكثير من العمليات الاستشهادية البطولية، ونذكر هنا الشهيدة فاطمة النجار من مخيم جباليا أم الفدائيات التي استطاعت تنفيذ عملية استشهادية رغم كبر سنها وتفجير نفسها في عدد كبير من الجنود خلال اجتياح جباليا عام 2006، ولا ننسى الاستشهاديات ريم الرياشي، وهبة دراغمة، وآيات الأخرس، وهنادي جرادات، ودارين أبوعيشة وميرفت مسعود وغيرهن مما قدمنّا أنفسهن في سبيل الله ومن أجل الدفاع عن فلسطين .
ولا ننسى ما تتعرض لها أسيراتنا الماجدات في سجون الاحتلال الصهيوني من أقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي والإيذاء اللفظي، وهناك في سجون الاحتلال حسب الإحصائيات الرسمية 49 أسيرة يقبعن حاليا في سجن "الدامون"، من بينهن 20 أسيرة أم، و6 أسيرات مصابات بالرصاص خلال عمليات الاعتقال، نسأل الله لهن الفرج القريب العاجل.
لا تتسع الكلمات ولا السطور للكتابة عن نضالات المرأة الفلسطينية إنما هذا شيء يسير وكلمات قليلة في الدور الكبير للمرأة الفلسطينية وهي من أوائل نساء العالم في الجهاد والنضال والعمل السياسي ومقاومة الاحتلال.
قلم/ غسان الشامي