حكومة الواقع الجديد

بقلم: فراس ياغي

الدكتور محمد إشتيه مهني وذو فهم مؤسساتي وهو من الجيل القادر على مواكبة مفاهيم الحداثه وعصر الديجتال مرتبطا بالحق الوطني الثابت للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقله، لكن السؤال المطروح الآن، هل مشاكلنا وهمومنا بقدرة الدكتور على ايجاد الحلول لها؟!! وهل المهنيه والوطنيه هي الدواء للداء المُستفحل؟!!!

أعتقد جازما ان الازمة أكبر بكثير من مسألة نوعية رئيس الحكومه المطلوب او طبيعتها او برنامجها، فالازمات متعدده، تبدأ بالصراعات الفتحاويه الداخليه وتمرُّ بالانقسام الذي يتحول تدريجيا لإنفصال، وبقرصنة أموال المقاصه، ولا تنتهي فقط بمشروع الاداره الامريكيه بفرض حلول لا تتماشى بالمطلق مع القانون الدولي وتتناقض بشكل صارخ مع الحد الادنى للحقوق الوطنيه للشعب الفلسطيتي.

ورغم أن الحكومه ولايتها وسلطتها القانونيه لا تتجاوز المناطق المسماه جورا بمناطق "أ" سوى ببعض الصلاحيات المدنيه في منطقه "ب" إلا أن مجرد وجود أزمه ماليه تم إفتعالها وفقا للخطه الأمريكيه لفرض شروطها على الشعب الفلسطيني، تؤكد أن القادم أكبر من الإمكانيات والقدرات في ظل تلك الأزمات المتعدده، حكومة الدكتور إشتيه التي سيشكلها تعكس مفهوم ضيق للتعامل مع الواقع الفلسطيني المتردي لأن النظره إليها ستكون وفق مقاييس حزبيه وفئويه، خاصة من الطرف المسيطر بأمر الواقع على غزه، وهذا سيؤدي بالضروره لتعميق الإنقسام أكثر وأكثر بعد أن تم حل المجلس التشريعي الذي كان يشكل رمزيا وحدة ما بين جناحي الوطن، ومن جهة أخرى فإن تشكيل الحكومه بدون تفاهمات مع الاطراف الفلسطينيه الفاعله والتي حضورها الجماهيري أعمق بكثير من نظرية التجاهل القائمه والتي تضع أصحابها في مفهوم حتى نكران الذات، ستؤدي حتما إلى معضلة في إجراء الانتخابات كنقطه مركزيه في كتاب التكليف وأنها أحد الاسس الجوهريه في برنامج وعمل الحكومه القادمه.

يبدو أن آفاق المستقبل ذاهبه أكثر نحو سياسة التفكك بعد أن إنتهت عملية سياسة الاحتواء التي إستمرت حتى العام 2005، حيث انطلقت عملية التفكيك المجتمعي والفصائلي الفلسطيني منذ الانقلاب الاسود عام 2007، والسيطره على غزه بقوة السلاح، كما أن التفكيك الجغرافي بين غزة والضفه إنتقل لاحقا إلى تفكيك في الوحده الجغرافيه الواحده بعزل قلب الضفه الغربيه القدس بمقدساتها ومحاصرتها وما يجري من تهويد متسارع لها تُوّجَ بنقل سفارة الولايات المتحده واعتراف ادارة البيت الأبيض بها كعاصمه لدولة الاحتلال، وأثناء ذلك كانت تجري بقوة عملية التدمير والتفكيك الذاتي للحركات والمؤسسات الفلسطينيه لدرجة عزوف الجمهور عنها بحيث وصلت نسبة الشباب التي ترفض الحزبيه والتأطير بداخلها إلى أكثر من 75% منهم.

أمام كل ذلك فإن ما جرى من تكليف لتشكيل حكومه جديدة ليس سوى محاولة للإلتفاف على جوهر الأزمه بل الأزمات والتي حتما ستؤسس للإنفصال أكثر من قدرتها على تحقيق ما ورد في كتاب التكليف، فالإنتخابات أصبحت أقرب لأن تحصر في الضفه فقط منها في الوطن ككل، والإنقسام سيتعمق لأن الحكومه خرجت من باب الفرديه لا من باب التوافق او كنتيجه لوحده وطنيه، وفوق هذا كله الأزمه مع الاحتلال في الضفه ستتصاعد مع طرح خطة ترامب إضافة إلى عدم توفر الحلول للأزمه الماليه التي ستتعمق بالتوازي مع الحلول التصفويه القادمه".

ليس بالخبز وحده يحيى الانسان" جملة الدكتور إشتيه ردا على الابتزاز الامريكي-الاسرائيلي، لكن بدون غزة لا معنى واقعي وعملي لهكذا توجه، فقط بوحدة الجغرافيا والوحدة الوطنيه يمكن المواجهه وتحمل الاعباء، وغير ذلك سيبقى أمنيات إذا كانت النوايا حسنة في الأصل.

بقلم/ فراس ياغي