الإخوان المسلمون.. لم يحذروا أو خُدعوا.. النتيجة واحدة!

بقلم: سري سمور

عقب نشر المقال السابق (الإخوان المسلمون.. أوهام ولدغ من ذات الجحر) ثمة من وجه إلي أصابع العتب واللوم؛ من أكثر من زاوية، منها أنني قد قسوت على الإخوان وهم في وضع أحوج ما يكونوا فيه إلى لين الكلام ولطافة النصح، ومنها أنني هاجمت الإخوان فقط ولم أقترح حتى ولو حلا كاملا أو جزئيا للمأزق، وأن كلامي مبني على اتهامات لا وقائع وحقائق.

قلت: ما ترونه قسوة أراه إظهارا للحقائق بصورة لا رتوش ولا تجميل فيها، فالتجميل ومحاولة خداع الذات وخداع القريب والبعيد كان من الأسباب التي أوردتنا المهالك، وأما الكلام اللين والنصح اللطيف، فالله يشهد كم سمعوا وقرأوا منه ولكنهم كما في التعبير الشعبي (ذان من طين وذان من عجين) وأما الحلول والاقتراحات، فأنا لم أنتهي من وصف الواقع، والإشارة إلى الداء وتشخيصه، واقتراح الدواء يأتي لاحقا، وأنا لا أملك وصفات سحرية، والأولى بمن كانوا يعتبرون أنفسهم يحملون مشروع أستاذية العالم، وأقصد القادة منهم، أن يقدموا حلولا وأفكارا خلاّقة.

وأود الإشارة إلى أنني لا آخذ شيئا على محمل الجد، ولا أركن إلى تحليل أو برنامج وثائقي أو كتاب أو مقال أو غير ذلك، وأعتبر كل هذا منقوصا حتى نسمع شهادات المخطوفين وعلى رأسهم الرئيس المنتخب الأسير د. محمد مرسي، وبعد الاستماع له وهو في وضع عادي يكون الحكم والنظرة إلى الأمور، هذا شيء اعتقده وأرد به على كثير ممن يسلكون الرجل والجماعة بألسنة غلاظ، ولكن حين أقول بأن الإخوان لديهم أوهام فهذه حقيقة، وعندما قلت إنهم لم يتعلموا من كارثة 1954 ولدغوا من ذات الجحر فهذه حقيقة لا تنتظر شهادة حيّ أو ميت!

ويقول الكاتب والباحث في التاريخ والحضارة الإسلامي (محمد الهامي) في منشور على صفحته في فيسبوك: "الإسلاميون، والإخوان على وجه الخصوص، اختاروا أن يُخْدَعوا، وقد تواترت لدى قياداتهم أنباء الانقلاب واستعداداته من أطراف متعددة، ولكن صناع القرار لم يحبوا أن يصدقوا، لأن التصديق بهذا سيحملهم على التفكير في المواجهة، فاختاروا أن يستسلموا لخداع السيسي".

كلام الهامي بأن الإخوان يعلمون بأن التحضير جارٍ لتنفيذ انقلاب، أكده أكثر من مصدر، أما تحليله ورؤيته لسبب عدم تصديق هذه المخططات بأنه فرار من المواجهة، فأمر قد نختلف أو نتفق مع الأستاذ محمد الهامي حوله، ولكن دعونا نرى كيف كانت الإشارات بارتباك في المشهد السياسي والمسار الثوري، كان يفترض بالحركة الأكثر تنظيما، والأعظم تجربة، والخاسر الأكبر المتوقع فيما لو لم تنجح الثورة أن يتنبهوا له وأن يتجنبوا خداع أنفسهم، أو أن يسمحوا لكائن من كان بخداعهم.

فقد كانت الإشارات قوية بأن المسار لم يكتمل بتنحي حسني مبارك وحتى بمحاكمته؛ فقد ألغيت نتائج الانتخابات البرلمانية، رغم المشاركة الواسعة فيها، ولا أدري أي عقل وراء خوض انتخابات رئاسية دون حسم ملف الانتخابات البرلمانية، وذلك بإصلاح ثوري شامل صارم للمنظومة القضائية التي أسسها نظام ثار الناس عليه، وهي منظومة صارت سيفا مسلطا على نتائج الثورة وأهمها الانتخابات؟!

وقد رُفِض مرشح الإخوان للرئاسة (خيرت الشاطر) ليتم استبداله بما كان يقال عنه في الإعلام (استبن) وهو (محمد مرسي)، وهذا مؤشر على أن الأمور ليست على ما يرام. وكان يجب النظر بريبة وتحفز إلى هذا الرفض وعدم الاقتناع بغلافه البيروقراطي، فمثل هذا الرفض من أجهزة الدولة العميقة، يعني بالضرورة -يضاف له ما ذكرنا عن انتخابات مجلس الشعب- أن الثورة لم تحقق أهدافها، وقد تكون الخدعة والملهاة هي أن (عمر سليمان) هو الآخر قد رفض ترشحه في المقابل، ومثل هذه الخدعة هي والله ثلمة كبيرة، بل عار وشنار، فثمة فرق بين مرشح ناتج عن قوى الثورة وقد كان سجينا عند النظام، ومرشح أو مرشحي النظام الذين طالبت الجماهير بإسقاطهم واعتبرتهم الوجه الآخر لمبارك وهم فعلا كذلك.

ثم كيف يسمح لشخص من صلب نظام حسني مبارك وهو (أحمد شفيق) أن يكون مرشحا بل هو مرشح قوي لانتخابات قامت على أساس أنها نتاج ثورة ضد نظام كان ركنا من أركانه، بل هتف حتى الأطفال ضد مبارك وشفيق وعمر سليمان، كيف مرّ هذا؟! كيف تم التساهل أو التغافل مع هذه المعطيات والمؤشرات الخطرة؟! وقبول اللعب في ميدان النظام المفخخ؟

كيف تم تجاهل تحذيرات (حازم صلاح أبو إسماعيل) وربما حتى الشك به من قبل الإخوان، والثقة بمن يدهم ما زالت ملطخة بدم الإخوان وغيرهم؟ وكيف تنبه الشيخ حازم إلى وكر سحرة فرعون العصر، أي مدينة الإنتاج الإعلامي التي كانت بوق الثورة المضادة وأبرز أدواتها، بينما غض الإخوان الطرف، ولم يسعوا حتى أن يدخلوا إعلام (التوك شو) بحجة تكلفته الباهظة؟

ومما زاد الطين بلة -بعد الانقلاب- خروج محمد أحمد الراشد (عبد المنعم العزي) بكتاب يحلل فيه ما جرى تحت عنوان (الردة عن الحرية) الذي حتى كتابة هذه السطور يعتبر عند أوساط إخوانية مرجعا لتحليل الثورة المضادة وتفسير دوافع وآليات الانقلاب العسكري.. ومنهم من يحاججك بما جاء فيه، مما يدل على حالة لا نضوج وقصور في الوعي وعدم معرفة طبيعة مجتمعهم ولا الدول التي يعيشون فيها ولا مؤسساتها البتة، وهذا ما يفسر حالة التخبط والارتباك والانشقاقات وكافة المشكلات التي وقعوا ويقعون فيها.

وإذا كان ثمة نفي بأن كتاب (الردة عن الحرية) ليس معتمدا فأنا إضافة ليقيني بأنه كان أشبه بوثيقة وتعميم داخلي في أوساطهم، أدعوهم إلى إخراج نص يفنّد الخرافات والترهات التي احتواها، وهذا لا يعني أنني أنتقص من قيمة الراشد ودوره وتاريخه، ولكن هذه القيمة والمكانة شيء، والترهات و(الخراريف) التي سطّرها واعتمدها إخوان من هنا وهناك شيء آخر مغاير تماما.

ومنذ اندلاع الثورات العربية، في 2011 وثمة كذبة وفرية يجري ترديدها؛ وهي أن إدارة باراك أوباما عقدت تحالفا مع الحركات الإسلامية (المعتدلة) ومنها الإخوان لتسليمهم الحكم في البلاد العربية، مقابل أن يلتزموا بالتزامات الحكام الذين كانوا يتبعونها (أظن لا شك بتبعية زين العابدين ومبارك والقذافي للغرب، أم هل من تشكيك؟!).

ولكن الإخوان لم ينفوا هذه الكذبة التي استخدمتها قوى سياسية أصغر حجما وتأثيرا منهم، ولكنها شعرت بالغيرة الشديدة منهم، وصارت ترددها وتقول بأن الإخوان حصلوا على مباركة هيلاري كلينتون، وفبركوا قصصا عن اجتماعات يعقدها قادة الإخوان في مصر وتركيا والعالم العربي مع الأمريكان لتسلم زمام الأمور، وظل الإخوان صامتين؛ وكأنهم –ببلاهة وحمق كالعادة-أرادوا أن تنتشر هذه الإشاعة وأن يصدق الناس هذه الكذبة، فيقبل الأمريكان بهم فعلا، ومن جهة أخرى يحذر من يتآمر عليهم، فيظن أنهم (مدعومين).

وهذا أمر جرّ عليهم الويلات، فبالطبع لو كان الأمريكان يريدون الإخوان ما كان لجيش مصر ولا لجيوش المنطقة كلها أن تخرج مرسي من قصر الرئاسة؛ فالانقلاب أمريكي-إسرائيلي بامتياز، ولكن حتى مع كل ما جرى وبسبب عدم قوة إعلام الإخوان، وانعدام النفس الثوري الفاضح لأمريكا وأدوارها وعملائها في داخل مصر وخارجها، وتفضيلهم التورية والكلام الغامض وأحيانا غض الطرف، فقد أُلبسوا من عملاء أمريكا -إضافة إلى عوام أغبياء- تهمة العمالة لأمريكا، وذاقوا وبال أمريكا وما زالوا يذوقونه حتى اللحظة.

أو بعد كل هذا، وهو غيض من فيض يقال بأنني أتجنى على الإخوان وأرميهم بتهم باطلة؟ ولكن على الإخوان أن يجيبوا على سؤال مركزي: هل يريدون فقط أن يعترف بهم النظام الدولي القائم، أم أن لهم نهجا ثوريا حقيقيا على هذا النظام؟ الإجابة عن هذا السؤال تحدد مصير كل شيء يخص الإخوان من رأس الهرم إلى قاعدته، ومصير المنطقة بأسرها.. فالإسلام لن ينتهي بنكوص الإخوان أو فشلهم، وسنة الاستبدال قائمة!

سري سمور
كاتب ومدون فلسطيني