هل ستنجح الحكومة الجديدة؟

بقلم: رامي الغف

قبل البدأ في كيفية نجاح الحكومة الجديدة من عدمها، هذه نبذة مختصرة عن رئيس الوزراء الدكتور محمد إشتية والذي ينظر له بأن رجل الإقتصاد وصاحب الخبرة والحنكة السياسية والإقتصادية المعروفة، إضافة إلى صفات أخرى يتمتع بها الرجل كالإستقلالية والقادرة على مسك العصا من المنتصف، وهي صفات جامعة بين الأطراف الداخلية والخارجية الحاضرة بقوة على الساحة السياسية، وهو العالم بدهاليز الأوساط الإقليمية والدولية والدبلوماسية خارج الوطن الفلسطيني.

يقف اليوم الدكتور إشتية أمام مهمة صعبة ومعقده ومطبات كثر، تتمثل برسم مستقبل فلسطين للأجيال القادمة، من خلال حكومة يجب أن تبصر النور قريبا تحدد ملامح المستقبل الفلسطيني القادم.

من المعروف أن الدكتور محمد اشتية والذي كلف من قبل الرئيس محمود عباس بتشكيل الكابينة الوزارية، ليس شخصاً طارئاً على السياسة فهو صاحب حركة مضنية تسير وفق رؤية إستراتيجية واسعة الأفق، جعلت من أسمة يطرح عند كل إستحقاق وطني في الوطن، وعليه يحمل هذا الرجل "العتيق" بين يديه الكثير مما يمكنه من نجاح، ولكن أي نجاح ونحن نعرف حجم التركة الثقيلة التي خلفتها له الحكومات المتعاقبة إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا وتنمويا وماليا، علاوه على الضغوطات والممارسات والإستفزازات التي تُمارس من قبل إسرائيل وغيرها من دول الإقليم للقيادة وللمؤسسات وللوطن والمواطن الفلسطيني، مرورا بحالة الإنقسام والتشظي والتشرذم بين شطري الوطن والمناكفات والضغوطات والتصريحات وغيرها من وسائل الضغط الغير مشروعة، وهذا كله ممكن أن يهدد عمل الحكومة القادمة.

وهنا يتبادر السؤال المرة تلو الاخرى عما يحسب هل بالإمكان نجاح هذه الحكومة؟ وحقيقة القول أن الحكومة الجديدة وبما يتمتع بها شخصية رئيس الوزراء الجديد وما سيلعبه من دوراً مهماً في حل بعض العقبات ومظالم المواطنين، وتكون ملبيَة لرغبات المواطنين وتطلعاتهم المستقبلية، شريطة ذلك عدم التدخل في شؤون الحكومة وجعل رئيس الوزراء يعمل وفق برامج ومدد زمنية هو فرضها على نفسه وتقييم عملة بشكل إيجابي وفق معارضة تسمى بالمعارضية الإيجابية لا التهديم والحديث بالإعلام شي وفي خلف الكواليس شي آخر، لإلهاب حماسة الجماهير وتكوين رأي عام يناهض عملية التنمية والبناء والإصلاح المنشود.

إن النجاح المرتقب والذي يتطلع الية المواطنين، يجب أن يلامس ويغير من الواقع المزري والبرامج والإستراتيجيات السابقة التي إتبعت طيلة السنوات المنصرمة، وما له من مردوداتْ سلبية على حياة المواطن وحرمانة من الكثير من الفرص وخاصة توفير فرص العمل والقضاء على الفقر والبطالة، وهذه احدى مؤشرات التغيير إن أراده رئيس الوزراء والتقرب من المواطن وبناء دولة المؤسسات، لذلك يحدونا الأمل في قادم الأيام ونتوسم الخير، واليوم ننتظر إستكمال الكابيِنه الوزارية وطرحها للثقة وبعدها يكون لنا موقف تقيم حقيقي وإيجابي لعمل الحكومة.

ومن هنا يجب على الحكومة الجديدة أن تكون على عاتقها بناء أساس جديد مع الكل الفلسطيني، وتمتين العلاقات الخارجية مع المحيط العربي والدولي، والسيطرة على جميع مفاصل الوطن، ولا يمكن تحقيق أي نوع من أنواع الإستقرار في الوطن، ما لم يتم توزيع الأدوار بمهنية وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الفئوية والعشائرية والحزبية لمواجهة جميع أشكال التحديات، فنحن لا نعيش وحدنا في جزيرة منعزلة بعيدة عن أنظار العالم، على العكس تماما، فما يحدث في الوطن الفلسطيني يحظى بإهتمام ومراقبة المجتمع الدولي، نظرا لما يتمتع به هذا الوطن من أهمية سياسية وإقتصادية وجغرافية وبشرية، كذلك لحداثة التجربة الديمقراطية فيه والتي كان يفترض أن تكون نموذجا يحتذى في الشرق الاوسط عموما، والعالم العربي على وجه الخصوص، ولكن تعثر هذه التجربة بل اخفاقاتها المستمرة، دفعت المجتمع الدولي إلى الإستخفاف بالكينونة الفلسطينية وشعبها، بحيث إنها أوصلتها إلى التعامل مع فلسطين وشعبها بعيدا عن مقاييس التعامل مع الدول المحترمة من ندية والتزام.

إن المواطن وبعد مرور أكثر من اثنى عشر عاما من المشاهدات والمتابعات اليومية المستمرة من برامج التحليل ونشرات الأخبار والأمسيات السياسية أصبح يعي تداعيات الأمور وتأثيراتها على الواقع الحياتي، ولم يعد خافياً على أبسط الناس التخبط والعشوائية وعدم الجدية في إدارة الملفات الاقتصادية والتنموية والمالية في مؤسسات الوطن، بل ان المواطن العادي أصبح عالماً بالأسباب الموضوعية للمشاكل والأزمات الموجودة وعلى دراية بطرق الحل والمنهج الذي على الحكومة اتباعه إذا أرادت التعامل بواقعية مع كافه الملفات وخاصة الملف الإقتصادي والتنموي، وبالرغم من إعداد الخبراء والباحثين الإقتصاديين والذين ملئوا الدنيا دراسة وتحليلاً عن أسباب التراجع الاقتصادي، وعن تصدعات سوق العمل المحلي تحت اقدام الاستيراد الخارجي، وعن تصاعد مستويات البطالة وتعاظم مستوى الطبقات المسحوقة تحت خط الفقر، ومع كل الصراخ بضرورة مغادرة النهج الإتكالي على المنح والمساعدات والهبات من هذه الدولة أو تلك، والبحث عن مصادر تمويل أخرى تحقق التنمية المستدامة، وتفعيل باقي القطاعات الإنتاجية وبالرغم من كل التحذيرات من تقلص حجم الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري بحيث أصبح لا يرى بالعين المجردة، ولا تزال الحلول كما عهدناها ترقيعية ووهمية، إن كان هناك من حلول أصلاً.

إن الساحة الفلسطينية اليوم تعاني ألم المخاض العسير لولادة هذه الحكومة التي نأمل من كل قلوبنا أن لا يكون الوليد مخنوقاً بحبل المحاصصات والإصطفافات السريرية كما هو حال التجارب السابقة، وأن نشهد ولادة حكومة تحديات إقتصادية وسياسية واعية لواقع الأزمات المحلية وبعيدة عن الشكل السياسي التقليدي الذي رافق كل الحكومات المتعاقبة، وان يأخذ التراجع الالإقتصادي والمعيشي للمواطن النصيب الأكبر من حساباتها، وأن تحمل في طياتها أفكار ورؤى وإستراتيجيات لبناء القاعدة الإقتصادية التي لم يعد منها بد، إذ بلغ صبر المواطنين حدودها القصوى، وان تسفر الأمور عن حكومة قوية إقتصادية تنموية تعمل على دفع عجلة الاقتصاد الى الامام بعد ان عجزت السياسة عن دفع عجلة الاقتصاد طوال هذه الفترة.

إن المنطق والعقل السليم يوجب على الحكومة الجديدة أن تعيد حساباتها جيداً، وتبدأ بقراءة موضوعية للمشهد الفلسطيني المعقد، فإن المتابع للتطورات الداخلية يلاحظ نفاذ صبر المواطن، وعدم ثقته بالمخرجات والوعود من هنا وهناك، إن هذا النهج من اليأس إن استمر، وبهذا المستوى من تراجع الخط المعاشي للمواطن وتفاقم معدلات الفقر والبطالة، وهو ما يتطلب بضرورة الإسراع بالحلول الاقتصادية الحقيقية والواقعية، فأنه سيقودنا لا محالة إلى مهاوي سحيقة قد لا يكون من الحكمة الوصول لها.

آخر الكلام:
يجب الضرب بيد من حديد على كل فاسد عنيد، مناع للخير معتد أثيم.

 

بقلم/ رامي الغف