بعيداً عن الإستثمار والإستخدام والشيطنة لما يجري في قطاع غزة من حراك شعبي يرفع شعاراً مطلبياً،ألا وهو "بدنا نعيش"،فنحن على ثقة بان الجماهير التي تقود هذا الحراك،هي نفس الجماهير المناضلة والمضحية والمقدمة للشهداء والجرحى في مسيرات العودة والإرباك الليلي والمسير البحري وغيرها،والبعض يرى بأن هذه المظاهرات والإحتجاجات السلمية الشعبية حول قضايا مطلبية لها اجندات سياسية،وهي تريد حرف البوصلة عن إتجاهها ومسارها،وهذه الشعارات رفعتها سلطتي رام الله وغزة في وجه المتظاهرين في اكثر من قضية مطلبية وسياسية تظاهرت الجماهير من اجلها ومارست القمع والتنكيل والإهانات والضرب والإعتقال وتشويه السمعة الوطنية والأخلاقية بحق المتظاهرين،نحن ندرك بأن الوضع الكارثي في قطاع غزة،ليس نتاج فقط حكم حماس الذي يرزح تحت حصار ظالم منذ عام 2007،والأخطاء التي ارتكبتها حماس في علاقتها وحكمها للشعب هناك ،بل نرى بأن جذر المشكلة والوضع الكارثي في جوهره يحمل المعنى والمضامين السياسية ،فالإحتلال يضاف لهما الإنقسام المكرس والمشرعن والحصار المشاركة فيه عدة اطراف محلية وعربية واقليمية ودولية على شعبنا هناك،مسؤولة عن هذه المشكلة،والتي بقيام حماس بسلسلة من الإجراءات والتشريعات فاقمت من ازمة الوضع الإقتصادي والمعيشي للسكان،والذي هو بالأساس صعب وقاسٍ،فوجدنا غلاء وارتفاع أسعار،وابتكار اساليب جديدة في الجباية،وفرض ضرائب،دفعت بالسكان الذين يعيشون وطأة ظروف اقتصادية صعبة منذ فرض الحصار في عام 2007،وما تلا ذلك من ثلاثة حروب شنت على شعب محاصر في اعوام 2008 -2009 و 2012 و2014 إلى التحرك الشعبي السلمي للإحتجاج على ما وصلت اليه الأمور ،فالمواطن تحمل انقطاع الكهرباء والماء وعدم وجود بنى تحتية وخدماتية وتدني الخدمات الصحية والطبية وفقدان الأدوية وغيرها،وبقي المواطن صامداً ومضحياً،رافضاً بان تقايض حقوقه الوطنية والسياسية بمشاريع اقتصادية وتسهيلات تقدم للسكان،ولتشتد معاناة هذا المواطن وتزداد صعوبة من بعد سلسلة الإجراءات العقابية المالية والإدارية التي اتخذتها السلطة الفلسطينية بحق شعبنا وأهلنا في القطاع،تحت شعار اعادة قطاع غزة لحضن الشرعية الفلسطينية ورفعت شعارات ،إما التمكين الكامل وتسليم السلطة من "الباب للمحراب"،او لتتحمل حكومة حماس كل شيء،وجميعنا سمعنا شعار " يا بتشيلو يا بنشيل".
البعض في تبريره لقمع الجماهير والتنكيل بها وسحلها واعتقالها ونشر المظاهر المسلحة في الشوارع والطرقات،يجد ذلك ضرورياً من اجل حماية الأملاك العامة والممتلكات من التخريب،وبأن هذا الحراك مسيس ويحمل أجندات سياسية ويريد أن يحرف البوصلة عن اتجاهها،ونحن نقول هنا بان حق المواطنين في التجمع والتظاهر والمسيرات الشعبية السلمية والتعبير عن رأيها وحماية حقوقها الشخصية والجمعية،يجب ان تكون مصانة ومكفولة،وأية تجاوزات او خروقات لتلك القواعد والأسس بالإعتداء على الممتلكات العامة،يستدعي تطبيق سلطة القانون،وليس القمع والتنكيل بوحشة وخلق الحجج والذرائع،والشعب الذي صبر وصمد وتحدى وضحى وما زال يضحي ويدفع الثمن من دمه،لن يقبل بحرف البوصلة او السير في طريق مشاريع سياسية من شأنها مقايضة حقوقه الوطنية بمشاريع وتحسين للأوضاع الإقتصادية،ولذلك لا يجوز استخدام شعار دعوة الجماهير الى اطاعة الأوامر الإلهية دون ربط ذلك بالآية الكريمة من سورة البلد" ألم نجعل له عينين ولسان وشفتين" وكذلك قولة تعالى في صورة البقرة " وعلم آدم الأسماء كلها.والمقصود هنا انه على سلطة حماس ان لا توظف الدين لخدمة اجنداتها ومصالحها،وهي عليها أن تعترف بانها أخطات بحق الشعب والجماهير،التي وقفت معها وساندتها وحمت حكمها ودافعت عنها،في كل المحطات،وعليها أيضاً ان تحاسب كل من اعتدى على جموع المحتجين بطريقة وحشية ،فنحن نتفهم التخوف بان هناك اطراف محلية واسرائيلية وعربية واقليمية ودولية،تريد ان تركب الموجة وتسيس وتستخدم هذا الحراك،بعض هذه الأطراف تريد ان يتعمق النزاع والشقاق والإنقسام الداخلي ولتصل الأمور الى حد الإحتراب الداخلي،والبعض الآخر يريد ان يوظف ذلك لخدمة مشروعه السياسي،وربما تتقاطع مصالح اكثر من طرف وجهة،بأن المطلوب في النهاية الوصول الى تمكين حماس من السلطة شريطة تسليم سلاح المقاومة .
الحراك الشعبي والذي يرفع شعارات مطلبية "بدنا نعيش" غير مرتبط باجندة سياسية ،ولا يحوز شيطنة هذا الحراك وقمعه والتنكيل به،بل لا بد من العمل على الإستجابة الى المطالب المرفوعة،عبر الحوار والتفاوض وبمشاركة القوى السياسية والمجتمعية في القطاع،بدل كيل الإتهامات لها والتحريض عليها،ويجب ان توضع المصالح العليا للوطن فوق المصالح الفئوية والخاصة ،وحماس ليست احرص من غيرها على القضايا الوطنية ومصلحة الوطن والمواطن.
شعبنا وقضيتنا تمران في أخطر مراحلهما،فمن الواضح بأن أمريكا ومعها دولة الاحتلال وقوى عربية وإقليمية تنضج صفقة القرن،لتعلن عنها بعد الانتخابات الإسرائيلية،والضغوط الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية الغربية تتكثف على الأطراف العربية من اجل تطويعها ومساهمتها في صفقة القرن،حيث مهمتها بالأساس مواصلة الضغط على القيادة الفلسطينية للإستجابة لها ،وتمويل الشق الاقتصادي منها،وحجم المبالغ المالية المرصودة لبعض الأطراف العربية في ظل ما تعيشه من ظروف وأوضاع اقتصادية صعبة،قد تُغريها بالموافقة عليها،والحالة الفلسطينية المشتبكة والمتصارعة داخلياً والمنقسمة والمتشظية على ذاتها ،هي الأخرى قد تمكن من تطبيق حل إقليمي يفرض على الشعب الفلسطيني.
في ظل هذه المخاطر وفي ظل ما يصرح به نتنياهو علناً وجوهراً بان هناك 22 دولة عربية ولا حاجة لدولة فلسطينية جديدة،وبأن حق تقرير المصير فقط لليهود،وبان إسرائيل وطن قومي لليهود،دون أي اعتبار لحقوق شعبنا ومطالبه،وكذلك تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان بنزع صفة الاحتلال عن الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان،فهذا يعني أن أمريكا مصممة على المضي قدماً في عدوانها على شعبنا الفلسطيني،والهدف تصفية قضيته وتفكيك مشروعه الوطني.
ومن هنا فإنني أدعو حركة حماس وقيادتها الى ان تراجع سياساتها ومواقفها من الحراك الشعبي،بالإستجابة الى نبض الشارع وهموم الناس وقضاياه المطلبية،بعيداً عن لغة التخوين والشيطنة ،والمشاريع السياسية المشبوهة،ولكن عليها وعلى جميع القوى والفصائل الحية في قطاع غزة،ان تبقى حذرة تجاه أية اجندات أو ركوب موجة الحراك الشعبي والسلمي من أي جهة تريد توظيفه سياسياً خدمة لأجنداتها ومصالحها.
القدس المحتلة – فلسطين
17/3/2019
بقلم/ راسم عبيدات