“عملية سلفيت“ ..تعيد ترتيب الأولويات الوطنية

بقلم: جبريل عودة

الضفة الفلسطينية مستودع الإستشهاديين , صاحبة الإمتياز في الرد السريع , لا يهدأ ثأرها بل هو دائم التوقد غضباً في وجه المحتلين , بطولاتها استثنائية في توقيتها ونتائجها وأثرها العميق , تضرب بقوة مفاصل المنظومة الأمنية الصهيونية, رجالها رهن إشارة المسجد الأقصى المبارك , لا يتركوه وحيداً ولا تغفل أعينهم عن حراسة الوطن والمقدسات , يتسابق فرسان الضفة في القدس, الخليل , رام الله , نابلس , طولكرم , جنين وسلفيت , نحو الشهادة فينالوا النصر والظفر, على عهد الشهداء - وأخرهم إبن سلفيت الشهيد البطل محمد شاهين الذي إستشهد بتاريخ (13-3) – يجدد المقاومين النية بإقتفاء الأثر , فلا يضل من يتبع خطوات الشهداء, بوصلتهم واضحة الإتجاه , وخيارهم محل إجماع , وطريقهم آمنة لا عوج فيها ولا زلل .
بتوقيت البطولة كانت سلفيت صباح الأحد ( 17- 3) تتحدث بلهجتها الفلسطينية الأصيلة , تلفظ الغرباء وتصفع الأعداء وتذيقهم كأس المنون بيدي رجال الله , ثلاثة عمليات بطولية متنقلة يعلن فيها الرشاش السيادة الفلسطينية المطلقة , يبدأ الفدائي الهمام عمليته من مفرق مستوطنة آرائيل بالإنقضاض على جندي صهيوني مسلح ليطعنه ويصادر سلاحه , وتبدأ نزهة المقاوم في أرضه السليبة يعيدها لها الحرية عبر فوهة الرشاش يطارد به قطعان المستوطنين وجنود الإحتلال ليوقع فيهم قتلى وجرحى , ينتقل البطل المقاوم إلى تقاطع مستوطنة "جيتي أفيخاي" لينفذ عمليته الثانية بإطلاق النار ويصيب عدد من المستوطنين وجنود الاحتلال في المكان بينهم الحاخام العسكري "احيعد اتنغر"، المسؤول في المدرسة الدينية العسكرية في مستوطنة "عيلي" ، التي تخرج منها عدد كبير من القيادات العسكرية في الجيش الصهيوني , المحطة الثالثة من العملية الفدائية الجريئة كانت على مفترق مستوطنة "بركان" , حيث زدادت خسائر الإحتلال وإرتفع عدد القتلى الصهاينة وكانت الإصابات بالغة الخطورة , ويحاول الإحتلال إخفاء خسائره الكبيرة وما خفي كان أعظم.
عملية سلفيت البطولية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ,سلسلة الرد الثوري الفلسطيني ستتواصل ولن يستطيع الإحتلال التنبؤ بها أو الإستعداد لمواجهتها , فهي سلوك طبيعي في حياة شعبنا الرافض للإحتلال , حيث نرى الإلتفاف الجماهيري والإحتضان الشعبي لخيار المقاومة من خلال الفرحة العارمة والبهجة التي سرت سريعاً في مجتمعنا الفلسطيني منذ الخبر الأول لعملية سلفيت , فلقد تابع شعبنا تفاصيل العملية البطولية بكل إهتمام , كما وُزعت الحلوى في الشوارع إبتهاجاً بالعلمية البطولية .
وبالإمكان أن نستخلص بعض الإشراقات التي أنارت بها عملية سلفيت البطولية , لعلنا نهتدي بها في طريقنا نحو إعادة تصويب المشهد الفلسطيني نحو معركته الرئيسية وتناقضه المركزي ضد الإحتلال الصهيوني , فلقد شكلت رصاصات المقاوم الثائر في عملية سلفيت تأكيداً على بوصلتنا الوطنية الممهورة بالدماء والبطولة والتي تؤشر على أن المقاومة خيارنا الإستراتيجي في تعاملنا مع الإحتلال الصهيوني , كما وتعتبر عملية سلفيت البطولية تذكيراً للفلسطينيين بأولوياتهم الوطنية في مواجهة الإحتلال والإستيطان حيث رسالة العملية الواضحة والجلية تفيد بأن المقاومة المسلحة مدخلاً أساسياً لمنظومة وطنية شاملة من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى و التصدي للمؤامرة والمشاريع المشبوهة .
لقد خطت لنا عملية سلفيت البطولية , بروحها المفعمة بالتحدي والإصرار على إنتزاع الحقوق والدفاع عن المقدسات التي تتعرض لمخطط التهويد , عبر العمل المقاوم الذي يعتبر الوسيلة الأكثر إيلاماً للعدو , والتي تجعله يعيد حساباته ولا يفوز بإحتلال خالي من التكاليف الباهظة, فالإستيطان ما تضخم في الضفة المحتلة وما توسعت المستوطنات الا بعد أن تكفل البعض بقمع المقاومة لصالح مشاريع سياسية زادت الأوضاع مأساوية ,وأعطت الإحتلال فرصة ذهبية ليستفرد في القدس والضفة وفقاً لمخططاته الإستيطانية التهويدية التي تسعى لطمس الهوية الفلسطينية وتصفية القضية الوطنية.
وأمام ما تتعرض له قضيتنا الفلسطينية من إستهداف في ثوابتها ومعالمها المركزية ,إستعداداً للإنقضاض عليها وتصفيتها , وقد إنكشفت أنياب الغدر الأمريكي والكيد التآمري والخذلان بالهرولة التطبيعية , فلم يعد أمامنا كشعب فلسطين الا التمسك بوحدتنا ومقاومتنا , فهما طريق الخلاص الوطني والضمانة الحقيقية لحفظ القضية وإستكمال طريق التحرير .

بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني
17-3-2019م