تختلف المعركة الانتخابية في اسرائيل هذه المرة عن سابقاتها من حيث الشكل والقوة ومتغيرات الخارطة الانتخابية فلعلها اكثر حدة وضراوة وشراسة بسبب ظهور احزاب جديدة وتحالفات جديدة في مشهد سياسي نادر الحدوث في تاريخ الدولة العبرية , لم يعد نتنياهو اليميني الوحيد الذي يتصدر المشهد ولم يعد النجم الوحيد في اسرائيل الذي تسلط عليه الاضواء بعد سقوط نظرية الامن الخاصة وفشل كل محاولاته لتحقيقها, وبعد تهم الفساد التي شوهت مسيرته السياسية واصبحت تهدد مستقبله السياسي اكثر من اي وقت مضي , فقد ظهرت قيادات مهمة على الساحة السياية واقتحمت القصرعلى نتنياهو واصبحت تزاحم نتنياهو على الكرسي وباتت تهدد وجودة في الحكم بل وتحرق مستقبله السياسي برمته وقد ينتهي به الامر هو وزوجته في احد السجون الاسرائيلية الى جانت اولمرت , ومع تراجع نجم نتنياهو باتت الانظار تتجه اكثر فاكثر الي تلك النخب العسكرية التي عملت طوال الفترة الماضية واليوم تتقدم للجمهوربعد عملها في صفوف الجيش لتدخل المؤسسة السياسية دون ان تتخلي بالمطلق عن فكرها الامني والعسكري الذي تربت في مدرسته .
لا اعتقد ان نتنياهو بحلفه الجديد مع حزب "كاخ كاهانا" المتطرف وتشكيلة القوي اليهودية اليمينية من البيت اليهودي والاتحاد القومي والقوة اليهودية يستطيع ان ينجو ويستطيع الصمود امام حزب الجنرالات الجديد والقوي بعد تشيكل قائمة موحدة باسم "كحول لفان" ضمت غينتس رئيس حزب "مناعة لاسرائيل" ولبيد رئيس حزب "يش عتيد" الى جانب غابي اشكنازي وموشىه يعلون، ما كان متوقعا ان يذهب نتنياهو الى ابعد من ذلك فلن يدخر اي فرصة يستطيع فيها عقد تحالفات حتي مع الشيطان ليفوز في الانتخابات القادمة ويعهد له تشكل الحكومة من جديد . اليوم احتدمت معركة الاتهامات بين نتنياهو غانتس لتصل ان يتهم نتنياهو بيني غانتس ويائير لبيد بتلقي دعم من النظام الايراني في هذه الانتخابات وقد بث نتنياهو فيديو دعائي يبدو وكأنه تم أخذه من الإذاعة الحكومية الإيرانية، جاء فيه إن "غانتس هو بديل". وهذا يعني ان الحرب الانتخابية بدات وسخة في اسرائيل فقد ارتفعت الساعات الاخيرة حدة الاتهامات لنتنياهو وغانتس حول التعامل مع ايران والحصول على معلومات مهمة بعد اختراق هاتفة الخليوي واتهمه بحضور تابين لمقاتلي حماس في غزة مما دعاي غانتيس زعيم ابيض ازرق لاتهام نتنياهو بتلفيق الكذب في محتوي الفيديو الدعائي .
حزب العمل الذي بدت شعبيته تضمحل وتصل الى مستوي غير مسبوق من التلاشي امام كتلتين وتحالفين كبيرين على الساحة الانتخابية الاسرائيلية يراقب عن بعد الحرب الانتخابية الوسخة بين الرأسين الليكود وابيض ازرق ويستقي منها الدروس والعبر , لكنه لا يستطيع ان يناطع بينهما بسبب ضعف جمهورة على الارض وافتقاره لبرنامج انتخابي مقنع للجمهور الاسرائيلي حتى الان . لكن قد تكون اهمية كتلة حزب العمل واي تحالفات ان حصلت في اللحظة الاخيرة لا حظوظ لها الان لان حظوظ حصول هذه الكتلة على مقاعد تؤهلها لتشكيل الحكومة الجديدة معدومة في ظل التنافس الحاد والضاري بين كتلة نتنياهو والجنرالات , ويمكن للعمل ومن سيتحالف معه بعد الانتخابات تشكيل قوة ينجذب اليها الجنرالات عند تشكيل الحكومة ليعوض افي غباي بعض الخسارة التي مني بها حزبه بسبب خروج تسيفي ليفني من تحالف العمل. اما الاحزاب العربية في اسرائيل التي ستدخل الانتخابات بقائمتين الجبهة العربية للتغيروالتجمع الديموقراطي سيؤثر على كل من القوة اليهودية وتكتل الجنرالات بسبب قانون القومية العنصري الذي اقرته حكومة اليمين واعتقد ان تفكيك القائمة العربية المشتركة سوف يفقدها ايضا بعض المقاعد في الكنيست قد تكون لصالح كتل اخري غير نتنياهو والجنرالات .
لم يعد يمتلك نتنياهو اي اوراق يدخرها عشية الانتخابات يكون له واقع السحر على الجمهور الاسرائيلي اذا ما كشفها مثل اعادة الجنود الاسري من غزة لاهلهم فهو قد لا يتجرأ على فتح هذا الملف الان علنا لانه سيدفع اثمان لا يرغب ان يستخدمها ضده قادة حزب ابيض ازرق الذين يخوضوا معركة ضارية امامه , نتنياهو يولي الان اتفاق تهدئة طويلة الامد الاهمية الكبري لاستدامة الامن والاستقرار لسكان حواف غزة دون حرب ودون خسائر وهذا ما يفسر قبول صواريخ الخطأ وولم يرد على عملية سلفيت الموجعة لذلك لم يركز الاعلام عليها كثيراً . بيني غانتس يعارض الاتفاق مع حماس ويعارض دفع اثمان للتهدئة معها ويرفض رفع الحصار , ويعارض ادخال الاموال الى غزة التي يعتبرها اموال تدفع علي غرار الاموال التي تدفع لعصابات المافيا ولم يتعرض لموضوع انهاء الصراع على اساس حل الدولتين , قد يرضي هذا التشبية الناخب الاسرائيلي الذي يرغب بتجريب الحزب الجديد وقد يعتبر نفسه امام حزب جديد يستطيع اقناعه بما يطرح من اصلاح اقتصادي وسياسي وخطة لتحقيق السلام مع الفلسطينين لجلب الامن ليس لحواف غزة وانما لسائر البلاد باعتبار ان هؤلاء الجنرالات هم من لديهم القدره على فهم معادلات السياسة والحرب ويمكنهم ان يتخذوا القرار المناسب خلال اي مواجهة جديدة مع غزة .كل هذا يسبر اغوار الناخب الاسرائيلي الذي يتطلع دائما الى ما هو جديد على الساحة السياسية , لذا فانني اعتقد ان حزب الجنرالات بات صاحب الحظ الاوفر بالفوز باكثرية في مقاعد الكنيست الاسرائيلية وقد يكون الاقدر على تشكيل حكومة وسط ويسار بالاتفاق مع باقي الاحزاب الليبرالية في اسرائيل .
بقلم/ د. هاني العقاد