الشهيد عمر أبو ليلى ..نموذجاً للمقاوم الأسطوري وملهماً للأجيال

بقلم: جبريل عودة

قمرٌ جديد يبزغ في سماء فلسطين بطولة وفداء , ينير الدروب المعتمة بآثام التنسيق الأمني في الضفة المحتلة , يبدد كل الأوهام التي تُسوق في سراديب السياسية المظلمة , ويضئ سراج الحقيقة بدمائه الطاهرة , يصنع المعجزة الفلسطينية فلا شيء مستحيل , أمام إرادة التضحية من أجل الغايات الكبرى ,الوطن المحاصر كان حاضراً في وجدان الفارس الإستشهادي المُطارد للإحتلال البطل عمر أمين أبو ليلى ذو الثمانية عشرا ربيعا من بلدة الزاوية قرب سلفيت , لم يقعده عجز الواقع بقيود اللاهثين خلف السراب الصهيوني , ولم يتأخر عن الفعل المقاوم , ولو بسكين المطبخ , خرج البطل الشهيد عمر لم يستسلم لزوابع التضليل أو صناع العوائق والتخذيل أمام مسيرة مقاومة شعبنا , ترك الشهيد عمر كل الأعذار والمبررات ولم يقبل بالقعود , فالأسباب والدافع الوطنية جعلت من الإقدام في ميدان العمل الفدائي هو الخيار لشهيدنا البطل , ليصنع لنا ببطولاته النموذج الفلسطيني الفريد بجهاده وإستشهاده , لقد كان الشهيد عمر بمثابة الكف التي تحارب المخرز , كان رجلاٌ بأمة بل كان جيش عرمرم بروحه وإقدامه , فعله المقاوم كان الإستثناء عن كل العلوم العسكرية , حيث معية الله حاضرة في تحركات الشهيد عمر, فلا شيء يخضع لحسابات البشر القاصرة , إذا وجد الإيمان كان النصر حتمياً, فمنذ تنفيذه لعمليته البطولية المركبة على ثلاثة مراحل , في أعقد النقاط الأمنية الصهيوني الرابضة على قلب الضفة المحتلة , أوقع شهيدنا برصاصاته القتلى والإصابات في صفوف الإحتلال ومستوطنيه , وتجاوز كل الحواجز العسكرية , وأفلت من الطوق الأمني لمنطقة سلفيت , وإستطاع التغلب على المطاردة الساخنة برا وجوا , وهو الذي لم يكن خريجا للكليات العسكرية ولم يسجل أنه تلقى أي تدريب عسكري , وهو بذلك يشكل معجزة فلسطينية قابلة الميلاد مجدداً من رحم البطولة والإنتماء للقضية .

ما يقارب من ثلاثة أيام من المطاردة الساخنة , بكل الأسلحة الصهيونية المتطورة في هذا المجال , كيان بأكمله وجيش بكافة معداته يطارد شابا فلسطيني , قادة العدو الصهيوني من رأس الهرم السياسي والعسكري والأمني , يتابعون عملية ملاحقة ومطاردة الشهيد عمر , فالثأر من الشهيد والإصرار على تصفيته محاولة صهيونية بائسة لطمس نموذجه البطولي , وتخويف الآخرين من أقرانه أن يلحقوا أثره ويتبعوا طريقته في إذلال الجيش الصهيوني , ألا يعرف الإحتلال بأن الشهادة ميلاد جديد ؟ , وأن إرتقاء الشهداء إعلاء للمنارات الثورية من أجل هداية أجيال الشباب نحو ميادين العزة والثورة , لترشدهم نحو مسارات المقاومة والصمود وتزيدهم ثباتاً ورسوخاً في ميدان المواجهة .

إرتقى البطل عمر أبو ليلى شهيدا في بلدة عبوين شمال رام الله المحتلة , بعد أن خاض إشتباك مسلح ضد ثلاثة كتائب من القوات الخاصة الصهيونية , تمت محاصرته في منزل مهجور ولم يستسلم , فهذا الخيار لن يكون وارداً البتة في عقل بطلنا الشهيد عمر والذي تنقل بين الفخاخ العسكرية المنتشرة على طريق المستوطنات , وهو شاهراً السلاح يصطاد به فرائسه بكل كبرياء , فالمقاوم لا ينحني لمكبرات الصوت التي تنعق بالتهديدات بلغة عربية ركيكة , بل ينصت قلبه وعقله لنداء الخلود وجائزة الرضى بنيل الشهادة مقبلا غير مدبرا , فكان ما أراد ليصطفيه الله عزوجل شهيداً جميلاً سعيداً مسعراً لحرب التحرير , وملهماً لأجيال النصر القادم , تنزف دمائه الطاهرة لتغوص في الأرض المباركة كصك إمتلاك أبدي لوطن الأجداد , فالشهداء يمتلكون المكان والزمان فلا يزاحمهم أحد , لهم الكبرياء والمجد والذكر الجميل , ولعدوهم الهزيمة والعار كل العار لمن خذلهم.

لقد إستطاع الشهيد الأسطوري عمر أبو ليلى ,أن يصفع منظومة الأمن الصهيونية وأن يعري الجيش الصهيوني الذي أصبح أضحوكة بمشهد جنوده المرعوبين ,أمام شابا فلسطيني يحمل في يديه الحق الناصع والحجة الدامغة, فالهزيمة هي مصير الصهاينة في فلسطين والانكسار هو مآل كيانهم الغاصبة , فالمقاومة تحصن الحق وتؤسس للمعركة الفاصلة ,هذه وصية شهيدنا عمر مواصلة المقاومة , تلك الوصية التي أراد أن يسجلها لنا بحروف من دمائه وآيات من جهاده لتبقى للأجيال خالدة , فلا تنسى التضحيات ولا تغفل الوصايا , ولا تترك البندقية ولا تستسلم للمحتل , رحمك الله يا عمر وأسكنك فسيح الفردوس الأعلى , فلقد كفيت وأوفيت .

بقلم/ جبريل عوده