كيف تواجه السياسة الفلسطينية التوجه العالمي اليميني؟

بقلم: عماد شقور

بعد تسعة ايام، يوم 30 آذار/مارس الحالي، يصادف الذكرى السنوية الـ43 لـ"يوم الارض"، والذكرى السنوية الاولى لانطلاق ما اعتبره "الانتفاضة الفلسطينية الثالثة"، المباركة، مثل الانتفاضة الفلسطينية الاولى المباركة، التي قادت الى مكاسب فلسطينية غير مسبوقة على مدى اكثر من قرن من الصراع العربي/الفلسطيني الصهيوني، وعلى مدى اربعة عقود من الصراع الفلسطيني/العربي الصهيوني. هذا عنوان وموضوع لمقال جدير بان يُكتب ويُنشر.
بعد تسعة عشر يوما، يوم 9 نيسان/ابريل المقبل، يتوجه الإسرائيليون الى صناديق الاقتراع، مع انتهاء معركة انتخابات حادة، وربما غير مسبوقة، لاختيار اعضاء الكنيست المقبلة، وما ستحمله نتائج تلك الانتخابات من تأثيرات بالغة، على مجمل جوهر وشكل مسارات ومحطات صراعنا المقبلة، مع إسرائيل والحركة الصهيونية. هذا عنوان وموضوع لمقال ثانٍ جدير بان يُكتب ويُنشر.
قبل سبعة ايام، يوم الخميس الماضي، 14 آذار/مارس الحالي، انطلقت في قطاع غزة "ثورة الجياع والمهانين" في غزة، تحت شعار "بدنا نعيش"، وهي ثورة شباب وصبايا قطاع غزة، في ما وصفته الباحثة الإسرائيلية، والمحاضِرة في كلية العلوم السياسية في جامعة حيفا، رونيت مرزان، (والتي خدمت من قبل في اجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلية)، في مقال لها في هآرتس امس الاول، الثلاثاء، بانه ثورة شباب غزة على "ثلاثة آبائهم": الأب الخاص، وهو اب العائلة، الذي يخجل به ابناؤه، فـ"يخصيهم"، للتعويض عن رجولته المجروحة، بعد ان تعرّض هو بدوره لـ"الخصي" من "الأب السلطوي" (حماس)، (وهو، اي "الأب السلطوي" الذي يحتقره شباب غزة)،و"الأب" الذي يقمعهم بدوره للتعويض عن "رجولته المجروحة"، جرّاء الاهانة التي يتعرض هو لها من جانب "زوج الأُم" الإسرائيلي. وهم، (أي شباب غزة)، يسعون للانتقام من "زوج الأُم" الذي يحتلّهم ويصادر حريتهم وحقهم في الحياة بكرامة. هذا عنوان وموضوع لمقال ثالث جدير بان يُكتب ويُنشر.
اليوم، الخميس، تعقد قمة ثلاثية في تل ابيب، حيث يلتقي زعماء إسرائيل واليونان وقبرص: رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ورئيس الحكومة اليونانية، أَلِكسيس تسيبراس، والرئيس القبرصي، نيكوس أناستاسيادس، برعاية العرّاب الأمريكي، ممثَّلا بوزير الخارجية، مايك بومبيو، لتعزيز التعاون العسكري بين الدول الأربع، الذي وصل حد اقامة سلاح الهندسة في الجيش الإسرائيلي جهاز رادار بحري متطور في جزيرة كريت اليونانية، قادر على المراقبة والرصد لمسافات بعيدة ومساحات واسعة جدا. [نذكر في سياق الحديث عن هذا التحالف، ان الرد العربي، في مرحلة النهوض التي قادها جمال عبد الناصر، وفي المرحلة التي كانت فيها تركيا جزءاً من الطوق الإسرائيلي للحدود الشمالية للعالم العربي، ان عبد الناصر بنى تحالفا قويا مع اليونان، لتطويق الطوق الإسرائيلي، ودعم بشكل فاعل ومؤثر وحاسم ايضا، الثورة القبرصية بقيادة الزعيم القبرصي، المطران مكاريوس، للتحرر من الاستعمار البريطاني، في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، وحتى تحرير قبرص في صيف العام 1960]. هذا عنوان وموضوع لمقال رابع جدير بان يُكتب ويُنشر.

    لا تكمن الشجاعة في مواجهة السياسة الأمريكية في التسرّع والتسابق على موقع السبّاق في رفض "صفقة ترامب". تكمن الحكمة وكامل الشجاعة السياسية، في مواجهة "صفقة ترامب"، في التريّث والتروي

جرأة الفدائي الشجاع الشهيد، عمر ابو ليلى، ابن الـ19 عاما، الذي طعن جنديا في جيش الاستعمار الإسرائيلي، واستولى على سلاحه، وقتل واصاب، بهذا السلاح الإسرائيلي، عددا من قطعان المستعمرين/المستوطنين الإسرائيليين عند حاجز مستعمرة اريئيل المقامة على اراضي الدولة الفلسطينية، هي ايضا، وبالتأكيد، جديرة بأن تكون عنوانا وموضوعا لمقال خامس جدير بان يُكتب ويُنشر.
غير هذه العناوين والمواضيع، تتكدّس عناوين اخرى لا يتسع المجال لتسجيلها وسردها. لكنني اضع كل هذه المواضيع جانبا، مؤقتا، والى ان تحين فُرَص التركيز عليها، حيث تُخلي مكانها لاعتمادي عنوانا يتعلق بما ارى ان يكون الموضوع السياسي الذي يخص الحاضر الفلسطيني، والاسابيع والاشهر المقبلة، وهو عنوان "التروي"، فأقول:
كثيرة هي الدلائل التي تشير الى ان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سيعلن خلال اسابيع قليلة، وبعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في إسرائيل، في التاسع من الشهر المقبل، تفاصيل ما يسميه "صفقة القرن".
الثقة الفلسطينية والاطمئنان الى السياسة الأمريكية، منذ بدء الصراع العربي/الفلسطيني الصهيوني الإسرائيلي مهزوزة. واصبحت هذه الثقة المهزوزة معدومة بالكامل، منذ تسلُّم الرئيس الأمريكي، ليندون جونسون، للبيت الابيض/الاسود الأمريكي، فور اغتيال الرئيس جون كنيدي، الذي خلف دوايت آيزنهاور في الرئاسة الأمريكية. (ولا يضيرنا التذكير في هذا السياق، بالتوافق النادر السوفياتي الأمريكي ايام نيكيتا خروتشوف ودوايت آيزنهاور، على الغاء ومسح آثار العدوان الثلاثي على مصر، سنة 1956، وشطب كل ما للامبراطورية البريطانية شرق السويس، واجبار إسرائيل على الانسحاب غير المشروط من شبه جزيرة سيناء المصرية، ومن قطاع غزة الفلسطيني).
اما في عهد الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، رجل الاعمال والعقارات و"الصفقات"، الذي يفتقر الى الحكمة والفهم السليم للسياسة الدولية، والذي بزّ كل من سبقه في المنصب، في عنصريته وفي انحيازه الكامل لإسرائيل ولحكومتها العنصرية البالغة اليمينية، والذي يستند بالكامل الى طائفة الأفنجلست العنصرية المسيحيانية المتصهينة، فقد اصبح من الواضح للفلسطينيين وللشعوب العربية قاطبة، (ولا اتحدث هنا عن حكّام هذه الشعوب)، ان لا امل يرتجى منه ومن ادارته اليمينية الصهيونية، وان سياسة المهادنة والمداهنة وصولا الى سياسة التنازل والقبول بما عرضه ويعرضه ويسعى الى تحقيقه، هي سياسة خاطئة، حتى لا اقول ما هو اكثر من ذلك.
الا ان ما نحن بصدده امر آخر تماما. انه امر: كيف نواجه هذه السياسة؟ كيف نتصدى لهذه السياسة؟ وما هي السياسة الفلسطينية الحكيمة العاقلة، والشجاعة في الوقت ذاته، التي يجب اعتمادها في هذه المرحلة الخطيرة بالذات؟؟.
لا تكمن الشجاعة في مواجهة السياسة الأمريكية في التسرّع والتسابق على موقع السبّاق في رفض "صفقة ترامب". تكمن الحكمة وكامل الشجاعة السياسية، في مواجهة "صفقة ترامب"، في التريّث والتروي.. تكمن في الحرص على اعصاب بالغة البرودة.. تكمن في الدراسة وتمحيص كل فقرة وبند وجملة، كل كلمة وحرف ونقطة وفاصلة في هذه "الصفقة"، رغم اننا ننتظرها بتوجس وشكوك وميل عارم الى الرفض.. تكمن في التريّث والتروي، رغم ذلك، وبالاساس، لسماع ومعرفة ودراسة الرد الإسرائيلي عليها، وكيفية تعاملهم معها، ونقاط التلاقي والفراق، إن وُجِدَت، بين الموقفَين والتوجُّهَين الأمريكي والإسرائيلي.
هل هذا كلام سابق لأوانه، ونحن على بُعد اسابيع (ربما كثيرة)، من نشر وإعلان "صفقة القرن"؟.
لا اعتقد ذلك، خاصة ونحن نسمع حمحمات واستعدادات لاحراز قصب السّبَق في رفض هذه الصفقة، حتى قبل اعلانها، رغم ما يبلغنا عمّا تعرض ويتعرض له الاردن، (وهو الشقيق التوأم لفلسطين، والأقرب اليها سياسيا ومصالحا)، من ضغوط أمريكية، وآخرها، حتى الآن على الأقل، ما تسرّب ويتسرّب (عبر وسائل الاعلام)، عن مجريات لقاءات ومباحثات الملك عبدالله الثاني في زيارته الحالية الى أمريكا.

  عماد شقور

كاتب فلسطيني