حكمة الشعب وحاجته للحوار لا للعصا

بقلم: أحمد عبد الهادي

طالعتنا شاشات الفضائيات بمشاهد قاسية مورست بحق المواطنين في قطاع غزة  من ضرب وتكسير وخطف للإعلاميين والحقوقين والمتظاهرين السلميين، وأسرهم واقتحام بيوتهم وسلب وتكسير ممتلكاتهم لأنهم خرجوا في مظاهرات سلمية وحراك شعبى  بعنوان "بدنا نعيش"، هذا الشعب الذي أنهكته أكثر من أربعة حروب، وتصعيدات من حين لآخر، وصمد وألتف حول المقاومة في كافة مراحل نضالها ضد الإحتلال الإسرائيلي؛ ألا يستحق حياة كريمة وأن يَعيش في أوضاع حياتية تليق بتضحياته الجمة والصادقة والتي لم يطلب خلال أكثر من عشرة أعوام ثمن لصبره ونضاله إلا العيش بكرامة، وأن تُزاح عن يومياته أعباء الحياة التي تخنقهم وتقلل من رغبتهم في الحياة.

شباب الجامعات الذين أنهوا دراستهم الجامعية ودخلوا نفق مظلم ، لا يجدون أملاً او مستقبلاً يليق بهم ويحقق طموحاتهم وأحلامهم ويعيشون على الإعانات المتقطعة، والمشاريع المُخدرة لأحلامهم إذا وجدت، تُقتحم جامعاتهم ويُخطفون اليوم بالمئات ويخطفون إلى أماكن غير معروفة، تاركين خلفهم أمهاتهم غارقات في الحسرة على أبنائهنّ ومصيرهم المجهول.

والعائلات الفلسطينية في مختلف محافظات غزة التي لا يخلو بيت فيها من شهيد أو أسير أو جريح، ومنها عائلات نامت بدون عشاء من ضيق حالهم؛ تُكسر عليهم أبواب بيوتهم ويقتادون لسجون جماعية، وعائلات تُسلم بلاغات لحضور أبنائهم لمراكز الأمن تحت التهديد والوعيد إذا لم يسلموا أنفسهم.

الحقوقي الذي قضى عمره في رصد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي يُضرب من مُلثم لم يتجاوز عمره نصف عمر الحقوقي المهني، ويتلقى رسائل تهديد مقابل نشره أرقام وإحصائيات للإعتداءات على المواطنين المختطفين أو إحصائيات للمصابين الراقدين في المستشفيات ومدى سوء حالتهم، وفي بعض الأوقات يُخوّن!

والإعلامي أو الصحفي الذي غطى الحروب المتكررة على قطاع غزة، وما زال يُغطي مسيرات العودة منذ أكثر من عام، منهم الشهيد والجريح، ومنهم من يعمل ويغطي الأحداث بشكل تطوعي دون رواتب أو مؤسسات تضمن لهم الاستقرار الوظيفي، يتم الإعتداء عليهم والبطش بهم وتُكسّر اليوم معداتهم وأصبحوا مطاردين بتهمة تغطية المظاهرات السلمية الاحتجاجية.

القيادات الفتحاوية التي قضت زهرة شبابها خلف قضبان الأسر، وكانت تسمع عن وطنها من أحاديث الأسرى الجدد، تقتحم اليوم بيوتهم وتُقام عليهم الإقامات الجبرية، ويخطف أولادهم كأوراق ضغط عليهم، ويتم إطلاق النار على أقاربهم، وتُشتم نسائهم وبناتهم.

وفصائل المقاومة الاخرى فرسان النضال الفلسطيني، يحاربون اليوم لمجرد اجتماع دعم المطالب الشعبية الفلسطينية والدعوة لاحترامها وعدم الفتك بها، والدعوة إلى الاعتذار للشعب والعود ة له.

غزة أرض الحنّون والتي كانت تغفى وتستيقظ على السلام، أمجادها وحضارتها أصبحت فقط ذكرى في أحاديث أبائنا وأجدادنا، تلك الأرض  تستحق أن تكون أفضل مما عليه، وأن يكون حاضرها كماضيها، ومستقبلها منيراً بشبابه، وعقول وكفاءات أبنائها، وعودتها للجسد الفلسطيني العربي وتحقيق المشروع الوطني وقطع كل الطرق على من يسعى لفصلها عن باقي الوطن.