تقرير أحمد زقوت :- تحولت المعكرونة في غزة من وجبة سريعة إلى بديل مرير للطعام، بعدما أصبح الطحين نادرًا نتيجة الحصار الإسرائيلي الخانق وارتفاع الأسعار الجنوني، ما اضطر العديد من العائلات إلى طحن المعكرونة اليابسة وتحويلها إلى فتات يشبه الدقيق، في محاولة يائسة لسد رمق أطفالهم، لتصبح بذلك رمزًا للبقاء وطوق نجاة في زمن المجاعة.
ومنذ الثاني من آذار/ مارس الماضي، توقفت المساعدات الإنسانية كليًا بفعل إغلاق الاحتلال الإسرائيلي الكامل للمعابر، ما فاقم أزمة الجوع التي تهدد حياة السكان، لاسيما الأطفال، في سياق سياسة "التجويع المتعمد" التي يتبعها الاحتلال لزيادة معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة.
وجاء الإغلاق في وقت يعاني فيه القطاع أصلاً من نقص حاد في المواد الأساسية، ما زاد من تفاقم الأوضاع الإنسانية، وعمّق أزمة الغذاء، فيما أصبح سكان غزة عاجزين عن تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار.
في خيمة مهترئة بمخيم جباليا، تجلس أم محمد سويلم منكبة على طحن حبات المعكرونة اليابسة باستخدام حجر يدوي، لتصنع منها رغيف خبز تسد به جوع أطفالها، بعد أن انعدمت سبل توفير الطحين، تقول لـ "قدس نت"، وعيناها تغرورقان بالدمع: "منذ أسابيع ونحن بلا طحين، والكيس الواحد سعره تجاوز 1200 شيكل (نحو 400 دولار)، ونحن بلا دخل ثابت، نعيش على ما تجود به أيدينا من حيل"، مضيفة "أخشى أن أشتري دقيقًا كما فعل جاري الذي اكتشف أنه ممزوج بالرمل والتلف، وتفوح منه رائحة العفن، ما يعرضنا لأمراض قد تفتك بنا".
تشير سويلم إلى أنّ رغيف الخبز المصنوع من المعكرونة يتفتت بسهولة، ويصعب خبزه على الحطب بسبب نقص الغاز، لكنها تضطر لتقديمه لأطفالها وهم يظنون أنه "خبز حقيقي".
وتتابع: "التجار لا يرحمون، قبل أيام، وبعد تصريح إيجابي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب توقع فيه حدوث انفراجة خلال 24 ساعة، انخفضت الأسعار بشكل طفيف، لكنها سرعان ما ارتفعت بأضعاف في اليوم التالي. إنهم يتلاعبون بنا ويستغلون أزماتنا لتحقيق مكاسبهم".
طحين بالرمل
جارتها أم بلال سلمان، فتروي لـ "قدس نت" تجربة مريرة أخرى، حيث أشارت إلى أنّ زوجها اشترى كيس دقيق من أحد التجار، ليتبين لاحقًا أنه كان مخلوطًا بالرمل.
وتقول بمرارة: "لم يكن لدينا لا دقيق ولا معكرونة، واضطر زوجي لشراء كيس دقيق من تاجر، وعندما طلب فحصه رفض البائع، وعند فتحه في البيت، اكتشفنا أنّه ممزوج بالرمل"، مبينةً أنّه " دفعنا 1000 شيكل (300 دولار) مقابل كيس مغشوش، وهذا غش فاضح في وقت لا نملك فيه حتى ثمن لقمة تسد الجوع".
وتوضح سلمان، أنّ "الكارثة أننا لا نجد ما نأكله، والدقيق أصبح غير مضمون، قد يكون فاسدًا أو مخلوطًا بالرمل كما حدث معنا، ونخشى على أطفالنا من الجوع، فكيف لنا أن نطعمهم؟ كيف سنسكت جوعهم ونحن نعيش في هذا الجحيم؟ كل يوم يمر علينا هو معركة للبقاء، وكل ما نملك من أمل هو مجرد حيلة للبقاء على قيد الحياة".
دقيق فاسد وتنظيف بالكُربال
من جانبه، يقول المواطن عبد الرحمن خليل، لـ "قدس نت"، معاناته في ظل أزمة الدقيق وارتفاع أسعاره، موضحًا أنه يضطر لاستهلاك طحين فاسد مليء بالديدان، بعد تنظيفه يدويًا و "بالكُربال" لإطعام أطفاله، كما يلجأ إلى طحن المعكرونة وبعض البقوليات مثل العدس لصناعة الخبز، في ظل غياب الدقيق الصالح نتيجة الحصار وإغلاق المعابر وتعمد الاحتلال سياسة التجويع بحق أهالي القطاع.
ويشير خليل، إلى أنّ "المعكرونة والبقوليات، التي كانت بديلًا جزئيًا للطحين، ارتفع سعرها بشكل كبير بسبب استغلال التجار، ما جعلها خارج متناول الكثيرين"، معبراً بغضب عن شعوره بالانهيار، وسط واقع لا يُحتمل وتلاعب فاضح بمعاناة الناس يفوق قدراتهم.
نفاد المخزون من مؤسسات أممية
وفي 27 نيسان/ إبريل الماضي، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عن نفاد مخزون الطحين لديها، بعد يوم واحد فقط من إعلان برنامج الأغذية العالمي عن نفاد مخزونه أيضًا، جراء إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات.
وأكدت "أونروا" في تصريحاتها، أنّ حوالي 3000 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية جاهزة للدخول، لكن "إسرائيل" تمنع دخولها، فيما يضطر مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة إلى تناول وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة، نتيجة سياسة التجويع الممنهجة.
وكانت المخابز المدعومة من برنامج الأغذية العالمي قد توقفت عن العمل منذ نهاية مارس الماضي بسبب نفاد الطحين والوقود، بينما تُحتجز 116 ألف طن من المساعدات الإنسانية تكفي لمليون شخص لمدة أربعة أشهر، في وقت شهدت فيه أسعار الغذاء ارتفاعًا بنسبة 1400%، ما يهدد الشرائح الأشد فقرًا.
50% من منازل غزة باتت بلا دقيق
من جهته، حذر رئيس جمعية "أصحاب المخابز" في قطاع غزة، عبد الناصر العجرمي، من "كارثة إنسانية حقيقية" جراء توقف المخابز بشكل كامل، مشيرًا إلى أن "50% من منازل غزة باتت بلا دقيق".
كما حذر العجرمي من خطر الانتظار لتنفيذ الخطة الأميركية للمساعدات الغذائية، داعيًا إلى فتح المعابر فورًا لإدخال المواد الغذائية.
الحصار يعمق معاناة الفلسطينيين
دوره، قال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إن استمرار إغلاق المعابر لأكثر من شهرين، ومنع دخول المساعدات، أدى إلى تفاقم أزمة الجوع، وتوقف المخابز، وسط خطر المجاعة الذي يهدد أكثر من 2 مليون فلسطيني.
وأكد المركز في بيان، أنّ "سياسة الحصار تستهدف تدمير الفلسطينيين نفسيًا وجسديًا"، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل، والضغط على الاحتلال الإسرائيلي لفتح المعابر ورفع الحصار.