المقارنة بين معنى ومفهوم القمع العلماني الذي تمارسه الحكومات العلمانية في وجه الثائرين عليها ... ومعنى القمع الشرعي الذي تمارسه الحكومات الربانية في وجه الثائرين عليها ...... وايهما اخطر واشد وقعا على المتلقي لهذا القمع .....
أن القمع العلماني يكون مسؤولا عنه صاحبه اي من قام بفعل القمع والزجر لذا يمارسه في حدود ما يسمح له وبه القانون ... ولذا يحاول أن ينضبط للقانون قدر الامكان لأنه يعلم انه سيحاسب امام القضاء اذا ما تجاوزت افعاله الحدود الني يسمح بها القانون ....
اما القمع الشرعي المستند للدين .. يمارسه صاحبه بإسم الدين وبإسم الشرع فهو غير مسؤول عنه لأنه ينفذ في حق المقموع احكام الله وشرعه .. فالله هو المسؤول عما اصاب المقموع من قمع لأنه خرج عن و على ارادة الحاكم المنتدب من الله لتنفيذ احكامه والدفاع عن حياضه ...!!
هكذا مارست و تمارس حركة حماس قمعها الشرعي للناس في قطاع غزة .. بإسم الله والله أكبر ...!
شأنها في ذلك شان كافة النظم الاستبدادية ... سواء منها التي استندت الى الدين في تبرير حكمها واستبدادها، أو استندت الى الايديولوجيا الوضعية مثل الماركسية والنازية والفاشية ... التي ترفض التنوع والتعددية وذات اللون الاحادي المنفرد وما عداه يعد خيانة وتأمر او كفر....!
لذلك فأن ابشع صور الأستبداد هو المستند الى الدين كما اكده ابن خلدون في مقدمته قبل ثمانية قرون.. أو إلى الايديولوجيات(التوتاليرية) اي السلطوية التي لا تعترف بوجود اي شكل من اشكال المعارضة..
و قد عانت منه دول اوروبا في العصور الوسطى من الاستبداد الديني ابان تحكم الكنيسة في الحياتين الدنيوية والأخروية من هذا الشكل من الاستبداد الديني المقيت .... كما عانت الدول الشيوعية والنازية والفاشية من الاستبداد السلطوي ذا اللون الواحد والحزب الواحد .... والفكر الواحد...
لم تنهض اوروبا وتتقدم كدول حديثه وتصان فيها الحريات وتتقدم فيها حقوق الانسان الا بعد ان كفت يد رجال الدين والكنيسة عن التسلط والتحكم في حياة الناس .. حيث تم اسقاط ذلك الاستبداد الديني بالثورات التي استندت مبادىء الحرية وتقرير المصير للأمم والشعوب....
كما إن الاستبداد التسلطي الديكتاتوري الذي عانت منه الدول الشيوعية والنازية والفاشية في العصر الحديث والذي لم يقر ايضا بحقوق الأفراد ولا يعترف بوجود المعارضة او بحقوق وبحرية الافراد والجماعات والمجتمع ولا بحقهم في الاختيار والمشاركة السياسية في الحكم .... الا وفق ما يفرضه الحزب الواحد وتبرره الايديولوجيا ... الى ان تهاوت وسقط العديد منها لمنافاتها للفطرة وللواقع...
بعد ذلك فقط تقدمت النظم والقوانين التي تحدد حدود السلطات وعلاقاتها فيما بينها وتحدد وتنظم علاقة الفرد بالدولة وتنظم حقوقة وواجباته بموجب القانون وتكفل للمعارضة حقها في الوجود وابداء الرأي و حقها في التعبير عن نفسها والمنافسة على الحكم حتى اصبح القانون هو الذي يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وليس القدر والجبروت ....!
لذا إن كافة التظيمات الدينية السياسية بكافة اشكالها لا تعترف بأي شكل من اشكال المعارضة....
وهي تسعى لاقامة حكمها وتفردها في السلطة ... وفي حكم المحكومين استنادا الى ارادة الله في تنفيذ حكمه وشرعه في البشر وتؤسس جبروتها على هذا النحو .... وتكون هي بالتالي غير مسؤولة عن استبدادها او ما تصدره من احكام في حق المحكومين ... لأن احكامها دينية وشرعية وربانية.... ولا يعتريها الخطأ...
فهي صاحبة الصواب المطلق .... وغيرها على خطأ مطلق .. وتستمر هذة الشرعية لها ولمثل هذه الحكومات الى مالا نهاية ..... لأنها ربانية في احكامها وسياساتها.... وبالتالي لا مجال لوجود المعارضة لها وامامها ... لأن ذلك يعني ويعد معارضة لله ولأحكامه ..... وكأنها باتت وكيلة عن الله في الأرض لتنفيذ احكامه وارادته في البشر....!!
هذا ما يتعارض وروح الفكر الاسلامي الصحيح الذي كرم الانسان لكونه انسان بغض النظر ان كان مؤمنا او كافرا .... حيث تترتب حقوقه وواجباته كونه مواطن وكونه انسان قبل كل شيء .. ... وهذا ما تضمنته (صحيفة المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم) وهذا ما تتجاهله قوى الجهل والاستبداد السياسي الديني اليوم والتي قد ادلجت الدين وحولته الى ايديولوجيا لتبرير استبدادها والى سيف بيدها تشهره في وجه الاخرين المعارضين لها ولسياساتها ... وقد اسبغت على نفسها واحكامها وحكمها ثوب الطهر والقدسية ..... مدعية شرعيتها الأزلية وحقها منفردة بالسيطرة والتحكم في البشر كونها ربانية..... وتقوم بإنفاذ شرع الله في الأخرين ..!
لا حول ولا قوة الا بالله
رئيس المجلس الاداري للاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض
مساء العشرون من آذار ٢٠١٩م
بقلم/ د. عبدالرحيم جاموس