ما وقع من قمع لحراك "بدنا نعيش" في قطاع غزة جريمة منظمة من قبل أجهزة حماس الأمنية ضد المواطنين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الانسان لا يكفي التأسف منها أو عنها، كما جاء في بيان حركة حماس المتأخر، ولن يتمكن أيا من ناطقيها أو مُسانديها الذين ينبرون للدفاع عنها أن يسوق أو يُقنع الجمهور الفلسطيني بهذه الإجراءات أو تحميل الحراك "بدنا نعيش" ما يحتمله من مؤامرة أو إدارة خارجية له. بل تحتاج إلى محاسبة المسؤولين على أقل تقدير، وتقديم ضمانات واضحة بعدم تكرار الاستخدام المفرط للقوة، بالإضافة الى اتخاذ سياسات تصحيحية تعالج مسألة الفقر وغلاء المعيشة ووقف الضرائب التي يدفعها المواطنون في قطاع.
هذا النوع من القمع وبهذه الطريقة لا يتحمل الافراد مسؤوليته فقط بل المستوى السياسي في حركة حماس سواءً مشاركةً في اتخاذ القرار أو صمتا؛ حيث لم يشهد الفلسطينيون مثيلا لها في مواجهة الاحتجاجات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية منذ الانقسام عام 2007. لكنها أعادت للأذهان مدى العنف المستخدم من أعضاء حركة حماس وأجهزتها العسكرية أثناء إحكام سيطرتها العسكرية على القطاع، وإن اعتقد البعض حينها أنها مبررة في إطار الصراع السياسي، وفي فكرها التكفيري للآخرين وفي برامج التربية لأعضائها. هذا الشكل من العنف المستخدم ضد المواطنين العزل، سوى من إرادة التحدي، لا يتيح مجالا للمرور عليه مر الكرام أو اعتباره أمرا عابرا.
في المقابل فإن حركة حماس هي الخاسر الأكبر من قمع أجهزتها للمواطنين فقد عززت القناعة لدى خصومها بأنها حركة استئصالية، وأوضحت للمواطنين أنها لن تتوانى عن استخدام القوة المفرطة للإبقاء على حكمها في القطاع دون تقديم أية خدمات (طبعا لا نتحدث عن الجودة هنا) أو تعالج المشكلات التي أحدثها حكمها في القطاع على مدار ثلاثة عشر عاما حتى بات حوالي نصف سكان القطاع (43%) يرغبون في الهجرة بسبب الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية القائمة في القطاع تحت حكم حركة حماس، وفقا لنتائج استطلاع الرأي رقم 71 الصادر عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. كما أن 89% من الغزيين يرون أن أوضاع قطاع غزة اليوم سيئة (26%) وسيئة جدا (63%). وير ى 5% فقط من السكان بأنها جيدة. ناهيك عن نسب الفقر المرتفعة في صفوف المواطنين وغير المسبوقة في صفوف الفلسطينيين.
صحيح أن حركة حماس لم تخسر حكمها من جراء حراك "بدنا نعيش" بالضربة القاضية ولا اعتقد ان ذلك سيكون في المدى المنظور، لعوامل متعددة منها القوة العسكرية التي تحكم بها وتتحكم بها، لكن حركة حماس خسرت بالنقاط في خمسة أيام ما لم تخسره في السنوات الثلاثة عشر عاما الفارطة منذ انتخابها في العام 2006، ووفقا لنتائج الاستطلاع فإن الرئيس محمود عباس يتفوق بعشر نقاط على إسماعيل هنية في الوقت الذي كان فيه هنية يتفوق في الاستطلاع السابق بخمس نقاط، فيما كان الفارق بينهما محدود جدا على مدار العامين الماضيين.
خسرت حماس الإعلاميين والصحفيين إلا من بقي في عباءتها ويريد أن يغمد عينيه ويصم أُذنيه لكي لا يرى ولا يسمع الحقائق، ويرى أن الأيديولوجيا أعلى وأهم من المهنة ومن الحقيقة. كما خسرت حماس مصدقيه من يدافع عنها في قمع واعتقال زملائهم وطلابهم في مهنة المتاعب.
خسرت حماس كما خسرت أنظمة الحكم القمعية في دول العالم، والمراهنة هنا هو على عدد السنوات التي يمكن لها أن تبقى في الحكم بقيضتها الحديدية على قطاع غزة بدون خضوعها للمساءلة الشعبية، فجميع أدوات القوة التي تمتلكها أنظمة الحكم القمعية لم تمنع الناس من الاندفاع للانعتاق من الظلم والاضطهاد والانتفاض عليها خاصة بعد تعرية أيدولوجيتها وكسر الخوف من أدوات حكمها. ولم تتمكن من البقاء بحكم القوة المسلحة أو الدعم الخارجي المادي والمعنوي أو الخضوع لمصالح الأطراف تلك هي سيرورة التاريخ.
جهاد حرب