يبدو أن جلالة الملك عبد الله الثاني،بعد عودته من واشنطن،بات على قناعة تامة بأن ما يعرف بصفقة القرن،تستهدف الأردن قبل غيرها من الدول العربية الأخرى،بعد الإعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال وضم الجولان،سيأتي دور ضم الضفة الغربية،وهنا مكمن الخطورة على الأردن...ولذلك وجدنا بأن الملك أصبح يتحرك بشكل قوي على الجبهتين الداخلية والخارجية،وبات يعتقد جازماً بأن السعودية،جزء من مشروع تجويع الأردن ومفاقمة ازمته الإقتصادية ...وان الأموال التي ستدفع للأردن ليس من منطلق أن الأردن حليف لأمريكا،بل من اجل تطويع الأردن للموافقة على صفقة القرن،وهذا يعني تهديد مباشر للمملكة والعرش الهاشمي،ونحن نستشعر ذلك بقول الملك بأنه لا تنازل عن القدس،ولا للتوطين ولا للوطن البديل ....الملك في إطار الحشد لمواقفه فيما يتعلق بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية طار الى الرباط والتقى بالملك المغربي محمد السادس رئيس لجنة القدس،حيث جرى التاكيد على الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى ...والمسألة هنا تحمل رسالة واضحة للسعودية والإمارات العربية اللتان تسعيان جاهدتين لنزع الوصاية الأردنية عن الأقصى،واللتان أيضاً تخنقان الأردن اقتصادياً بوقف المساعدات عنه لدفعه للموافقة على صفقة القرن، الأردن تحدياته كبيرة،الفساد الكبير في مختلف اجهزة ومؤسسات الدولة وسيطرة "حيتان" الفساد على مفاصل القرار الأردني ،وكذلك حتى هذه اللحظة لم يجر بلورة خطة اقتصادية تفك العلاقة مع مؤسسات النهب الدولية " الصندوق والبنك الدوليين" ،والرزاز حكومته ضعيفة ولم تحسم أي ملف من الملفات المناطة بها،وتقوم بخطوات ترقيعية لا تسمن ولا تغني من جوع....ولا ننسى هنا ان نشير الى أن هناك من يتعمد نشر أرقام غير دقيقة عن حجم المديونية الأردنية برفع هذه الأرقام من 33 مليار دولار الى 90 أو 100 مليار دولار،وهؤلاء الذين يتعمدون نشر هذه الأرقام،هم جزء من لوبي ضاغط على النظام للموافقة على صفقة القرن،ولكن يبدو ان النظام يستشعر خطر المشروع الأمريكي الذي يجعل الأردن في قلب العاصفة ،ولذلك شهدنا خطوات جدية في مواجهة المخاطر الأمريكية والإسرائيلية المستهدفة للأردن،حيث اتخذ مجلس النواب الأردني قراراً بالإجماع برفض صفقة الغاز الإسرائيلية لما لها من أضرار على الأردن في إطار اختراق ممنهج للإقتصاد الأردني وخلق لوبي ضاغط على النظام لشرعنة التطبيع مع الإحتلال..ولعل زيارة جلالة الملك للمغرب، حملت رسالة ليست الى السعودية،بل وكذلك الى اسرائيل،بأن النظام لن يفرط بوصايته على الأقصى ،وان موقفه مع الموقف الشعبي بإعتبار باب الرجمة جزء من المسجد الأقصى ويجب ان يبقى مفتوحاً والتقرير بشأنه قرار خاص بمجلس الأوقاف الإسلامية وحدها ،طبعاً بمشاركة القوى والمؤسسات المقدسية والقيادة الفلسطينية والتشاور مع أصحاب الوصاية.
حالة القلق والإرباك التي يعيشها الأردن من الأزمات المتوالدة داخلياً وخارجياً ...وخصوصاً من العدو الإسرائيلي على الحدود وما يسمى بالحليف الأمريكي الذي يوزع العطايا والهدايا من الأراضي العربية،وربما يكون العرش الهاشمي واحد من هداياه وعطايه ...ولا ننسى ازمات الأردن الداخلية من أزمة اقتصادية خانقة وبطالة عالية وحراك شعبي متواصل يطالب بإصلاحات عميقة في الدولة ومؤسساتها وقرارتها .
ونحن نستشعر حالة القلق والإرباك من الحادثة التي حدثت تحت قبة البرلمان الأردني مؤخراً،عندما قال النائب محمد هديب،بأن لا احد يدافع عن الفلسطينيين وان الوصاية الهاشمية في خطر،لتثور ثائرة رئيس البرلمان والكثير من أعضاء البرلمان،ويطالبوا بالنظر في عضوية النائب هديب،علماً بان هديب لم يكفر،بل وضع النقاط على الحروف،نعم الوصاية الأردنية على الأقصى تتآكل ،والإحتلال كل يوم يقوم بإجراءات وممارسات بحق المسجد الأقصى والعاملين فيه وحراسه،بهدف تغيير الطابع القانوني والتاريخي للمسجد الأقصى،وبما يشمل فرض التقسيم المكاني،من خلال السيطرة على القسم الشرقي من المسجد الأقصى،باب الرحمة ومقبرة باب الرحمة التي جرى الإستيلاء على قسم منها لخدمة مشروع التقسيم المكاني.
الملك عبد الله في زيارته الخارجية ،يبحث عن شراكة مع دول عربية وإسلامية على أرضية مقدسية،الحشد لموقفه بالوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة ،حيث جرى رفع العلاقة مع المغرب وتركيا الى المستوى الشراكة الإستراتيجية في قضية الأقصى والوصاية الهاشمية،وهناك قوى عربية تقف الى جانب الأردن في هذا إلإطار الكويت والعراق ولبنان،ويبدو أن الملك عبد الله عزم على فتح القرار والخيار الأردني على أصدقاء جدد،بما يسند ويدعم مواقفة، وبما لا يبقي أيضاً البيض الأردني في سلة الأمريكان ومشيخات الخليج النفطية التابعة لها،والمستهدفة للوصاية الأردنية ،ولذلك نلحظ تقارب بين الأردن والعراق ولبنان،وكذلك تركيا والمغرب،وهو يدرك جيدأً ان محور لبنان العراق،قريب من ايران ،ونحن حتى اللحظة نتفهم عدم قدرة الأردن بالخروج على الإرادة الأمريكية والذهاب بعيداً في العلاقة مع سوريا،والعلاقة مع سوريا يجب أن تكون ورقة رابحة في يد النظام والتلويح بها في وجه أمريكا والقوى العربية الحليفة التابعة لها،في حال فرض شروط وإملاءات على النظام،مستغلين ازمته الاقتصادية وأوضاعه الداخلية الصعبة،فيما يتعلق بوصايته على القدس والمقدسات،أو إجباره على قبول صفقة القرن،وبما يعني القبول بتوطين اللاجئين الفلسطينيين ومخاطر الوطن البديل.
الملك عبد الله الثاني في زيارته الخارجية للعديد من الدول الأوروبية والعربية،يريد حشد الدعم والتأييد له في وجه المشروع والمخطط الأمريكي،مشروع صفقة القرن،والذي سيكون الأردن متضرر رئيسي منه،مشروع التوطين والوطن البديل.
الملك عبد الله الثاني،ربما هو أكثر من يدرك حجم الأزمات التي تعاني منها الدولة ولكن يبدو بأن الملك لا يمتلك مفاتيح الحل او السيطرة على جميع الأزمات،فالأدوات التي يجري استخدامها في العلاج،لديها مصالح والكثير من الملفات التي تشكل خطر على وجودها ومواقعها وسيطرتها على مراكز القرار،وهي بذلك لن تتجاوب مع مشاريع الإصلاح وحل الأزمات،فهذا يعني بان العديد من الرؤوس الكبيرة والنافذة سيكون مصيرها المحاكمات والسجون،وكما تحمي أمريكا الفساد في لبنان،وتصر على عدم فتح ملفات الفاسد للعديد من الفاسدين من تيار المستقبل و 14 آذار،لأن ذلك يكشف بشكل جلي علاقة أمريكا المباشرة في ذلك،و"وحيتان" الفساد في الأردن،إذا ما جرى إماطة اللثام وفتح هذا الملف،فحتماً سيطال وزراء ووزراء سابقين بما فيهم رؤوساء وزراء سابقين وأعضاء برلمان،ومدراء شركات كبرى متعاونه معهم،ولذلك سيستمرون في عرقلة أية إصلاحات جدية وحقيقية.
الأردن في أزماته المتوالدة داخلياً وخارجياً في قلب العاصفة،ولا يمكن تجاوز ذلك بالتمنى والوعود،بل لا بد من تغيرات جدية وإصلاحات سياسية واقتصادية ،تمكن من تصليب الوحدة الداخلية الأردنية،من اجل التصدي للمخاطر المحدقة بالأردن داخلياً وخارجياً.
بقلم/ راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتلة
30/3/2019