القمة العربية التي عقدت بالأمس في تونس ،قالت بأن القضية الفلسطينية ستبقى القضية المركزية للعرب وبأن القدس " الشرقية" عاصمة الدولة الفلسطينية ورفضت القرار الأمريكي بالإعتراف بها عاصمة لدولة الإحتلال وكذلك أعلنت رفضها للقرار الأمريكي بضم الجولان السوري المحتل الى "اسرائيل" واكدت على التمسك ب" الصنم" العربي،مبادرة السلام العربية،ولنبدأ النقاش من الجملة الأخيرة ،فما الفائدة من التمسك بمبادرة تقول " الأرض مقابل السلام،في ظل ضياع الأرض العربية واقتطاعها وتوزيعها هدايا وعطايا من قبل المتصهين ترامب على دولة الإحتلال..؟؟وعن أي سلام يتحدث العرب العاجزون في ظل حرب شاملة تشنها اسرائيل وأمريكا على الأمة العربية،وصلت حد قبلتهم الأولى،المسجد الأقصى،وهم يجترون نفس الإنشاء والشعارات على مدار 30 قمة عادية وتسع قمم طارئة عام 1946،وعن أي قضية مركزية للعرب تتحدث القمة ..؟؟،وهم من يشاركون أمريكا العدوان على شعبنا ويشجعونها على تجاوز المرجعيات الدولية،فمبادرتهم العربية المقرة في قمة بيروت /2002 ،نصت على استعادة الأراضي العربية المحتلة عام /1967 مقابل التطبيع مع دولة الإحتلال،ولكن نجد بأن التطبيع بلغ ذروته وشرعيته وعلنيته ،وأصبح من لا يطبع متهم بوطنيته وعروبته،وبالنسبة لقرارهم برفض ضم الجولان السوري الى دولة الإحتلال ، لم نلمس ألية للإنفتاح على سوريا صاحبة الشأن في هذه القضية اولاً،بل نوقشت قضية الجولان في ظل غيابها وتغيبها عن القمة العربية،وكذلك لم يتم وضع أي ألية للتعامل مع الدول التي تتجاوز الشرعية والقانون الدولي بنقل سفاراتها من تل ابيب الى القدس وفي المقدمة منها امريكا ،وكأنه الخوف من امريكا ..؟؟
لعل الرئيس اللبناني ميشيل عون،هو الأكثر حرصاً وصدقاً في حديثه عن المخاطر المحدقة بالأمة العربية،فهو يبدي قلقه من حالة العجز العرب والفرقة ولغة الإقصاء وعدم قبول الاخر او التحاور معه،والغياب والتغيب للدول في القمة،حيث المقعد السوري الشاغر لدولة مؤسسة،والقلق الأكثر من ضياع الأرض، فلسطين والجولان،ومنها ما يتصل بلبنان،الخوف على مزارع شبعا وتلال شوبا،وثروات لبنان من غاز ونفط،والخوف من توطين اللاجئين النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين على ارض لبنان،وبما يغير من التركيبة السكانية ويفرض وقائع جديدة.
استمرار القمم العربية في " اجترار" نفس الإنشاء واصدار نفس البيانات،يضع علامة استفهام كبيرة على هذه القمم الفارغة الجوفاء،والتي أصبح المواطن العربي يشعر بالإشمئزاز والإستفراغ من سيرتها وذكرها ...وهو لا يلتفت الى قراراتها،فهو يدرك تماماً ويعرف هذا الإنشاء الممل،الذي لا يوجد فيه مصلحة وخير لهذه الأمة،وكذلك يعرف جيداً بأن قرارات القمة الناري منها وغير الناري،تحبس في الأدراج بمجرد جفاف حبر بيانها الختامي،وما يجري من "تبويس" لحى ومصافحات أمام الكاميرات،هي فقط للإعلام ولدغدغة مشاعر الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها،والتي اذا استمرت في الغط في سباتها العميق،فعندما تفيق ستجد نفسها بلا اوطان ،بل سينغرز سيف المذهبية والطائفية والتفكيك والتفتيت عميقاً في جسدها .
المواطن العربي يتطلع الى حال الزعامات العربية الحاضرة للقمة من اجل التندر والضحك والمسخرة على قمم المساخر والمهازل،من حرد من الزعماء العرب..؟ من صافح من ..؟؟ من أشاح بوجهه عن الاخر..؟؟ من رفض أن يتصور مع الآخر ..ومن كان يغط في نوم عميق في هذه القمة ..؟؟وهكذا دون أن يعنيه ما سيتمخض عنها،فهو يعرف أنها فاقدة لإرادتها وقراراها السياسي،وحتى صياغة بياناتها الختامية،التي كما قال الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي تأتيهم جاهزة وما عليهم سوى التوقيع.
ولذلك استمرار القمم العربية بهذا النهج والمنوال يعني وصول الأمة الى مرحلة القاع،فلا بد من إطار شعبي عربي مقاوم جامع كبديل عن هذا الجسم المتهالك ....المرتهن الإرادة للغير من أمريكا وغيرها من الدول الأخرى...حينها سيصبح معنى للقرارات والقمم العربية .
القمة العربية لو اتخذت قرارات جريئة ونوعية،لجعلت المواطن العربي يشعر بان جزء من كرامته المهدورة ردت إليه،فلو على سبيل المثال،صدر قرار يقول تلتزم الدول العربية بفرض عقوبات اقتصادية وتجارية ودبلوماسية شاملة على كل دولة تنقل سفارتها من تل أبيب الى القدس،وتعترف بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال،وأي دولة تخرق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية،مثل جواز ضم أراضي الغير بالقوة،كما حصل في الجولان والقدس وما سيتبع ذلك ،فهذا يعني تخلي العرب عن "صنمهم" مبادرة السلام العربية،والرجوع الى الشعار الذي رفعه الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر" ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" ،او اتخاذ قرارً بتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك،حينها سيتابع المواطن العربي كل تفاصيل وخبايا وخفايا وكواليس مؤتمرات القمة العربية،فالمواطن العربي يريد قيادة تشعره بوجوده وكيانه،تشعره بانها تدافع عن امنه ومستقبله،قيادة لا تفرط بأرضه ولا بأرض العروبة،قيادة تقول لأعداء الأمة مصالح وامن الأمة العربية فوق كل الإعتبارات.
نحن ندرك بأن الحالة العربية الآن في قمة إنهيارها،وإلا لما هرب العرب من إستحقاقات القمة ومواجهة الدول التي تعادي أمتنا وتحتل أرضها،أمريكا واسرئيل ومعها قوى الإستعمار الغربي،لكي يعوضوا هذا العجز بالقول ان ايران هي من تشكل الخطر على امنهم وإستقرارهم وتتدخل وتعبث في شؤونهم الداخلية.
عدم تصدي القمة العربية للمخاطر الحقيقة المحدقة بالأمة العربية،والإنشغال في اختراع أعداء وهميين وافتراضيين،سيجعل حجم النزف في الجسد العربي يزداد إتساعاً، في ظل اصرار العديد من الدول العربية على الإنخراط في المشروع والحلف الأمريكي المستهدف لأمن وجغرافية ووجود ومستقبل الأمة العربية،رغم كل الإنكشاف للدور الأمريكي في العدوان المباشر على شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية.
من سخريات القدر بأن يقول ما يسمى بوزير خارجية للسلطة الفلسطينية رياض المالكي ،بان السعودية" باروميتر" القضية الفلسطينية،وبأن ايران هي عدوة الأمة العربية،وهذا تعبير عن حالة " الإنبطاح" العربي الرسمي،والتي أضحت السلطة الفلسطينية جزءاً منها.
رغم كل هذا الإنهيار والإنبطاح العربي الرسمي،والحجم الكبير من الضغوط والحروب والعقوبات التي تتعرض لها دول وقوى وحركات المقاومة العربية،عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وماليا واعلامياً وثقافياً ،إلآ ان حالة الصمود الأسطوري وما يسجله هذا المحور من إنتصارات تجعلنا متفائلين،بان كل المشاريع والحلول لتصفية القضية الفلسطينية وشطبها،والمستهدفة لتركيع الأمة العربية وإذلالها وتوزيع أراضيها هدايا وعطايا على دولة الإحتلال عبر ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية،ستمنى بهزيمة قاصية ،لأننا قانعون بان عصر الهزائم قد ولى.
بقلم :- راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتلة
1/4/2019
[email protected]